أقرّ وأنا بكامل قواي العقلية، صادقا، غير حانثٍ ولا مُكره، بأني لم أعد أطيق السياسة، ولا أريد أن أسمع عنها، بل إني أكفر بها وبأهلها، الذين إذا حدّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتُمنوا خانوا. يتمسكنُون حتى يتمكنوا، فإذا تمكّنوا عاثوا في الأرض فسادا، وحوّلوا كل جميل كسادا، طبعُهم اللؤم والضرب تحت الحزام، وصفتهم الشؤم والتدليس والناس نيام.وكيف لي أن لا أكفر بهذه السياسة التي جعلت رعاع الناس وأراذل القوم في عليّين، وما أدراك ما عليّين، ينهون ويأمرون، ويأكلون ولا يشبعون، ويسرقون ولا يحاسبون. كروشهم منتفخة، وجيوبهم مُتورّمة، إذا رأيتهم تُعجبك أجسامهم، ولكن طبع الله على قلوبهم، يحسبون كل صيحة عليهم، سيحاسبهم الشعب والتاريخ فأنّى يؤفكون.أكفر بالسياسة التي لا يتذكر فيها المسؤولون الشعب البائس، والغاشي اليائس، إلا في المواعيد الانتخابية، فإن هي دنت واقتربت، غازلوهم بوعود ستجعل حياتهم وردية، أو يخوفونهم بسيناريوهات دموية، بمطية عرقية، وأجندات أجنبية، ورياح ربيعٍ عربية.أنقم على السياسة التي تحوّل فيها الوزير الأول في الدولة إلى كائنٍ حي موبوء بزلاّت اللّسان، فتراه لا يفرق بين الدُعابة و”السبّان”، وبين الشعر والقرآن، وبين الفقراء والفقاقير.أمقت السياسة التي لم تحرك ساكنا وهي ترى غرداية الحبيبة تستغيث، وأهلها الطيّبين يتقاتلون، وأطفالها مشرّدون، وعائلاتها تهجّ فارة بجلدها، تاركة وراءها بيوتا تحترق، ومحلات تُنتهك، وأموالا تُغتصب.أكفر بالسياسة التي تسمح لرئيس حزب يتبوأ منصب وزير دولة، أن يسبّ آباء قطاع كبير من الجزائريين على المباشر وبلا حياء، دون أن يردعه رادع أو يُنذره نذير.أكفر بالسياسة التي تريد أن تقنع شعبا تعداده 40 مليون مواطن، 70 بالمائة منهم شباب، بأن خلاصه في شخص وحيد، بلغ من العُمُر عتيّا. وهن عظمه، واشتعل رأسه، ثم اشتد مرضه، فخفت صوته، ومنع مشيه، وحال بينه وبين تنشيط حملته، وهو يطمح أن يخلف نفسه.أكفر بالسياسة التي أنتجت الدربوكة، وضرب الشيتة، وبابا نويل، ومادام دليلة، وبرلمان الحفّافات، والنواب الغارقين في السُبات، المُدمنين على التغيب عن الجلسات، الحاضرين في الموعد نهاية كل شهر لاستحقاق الحبّات.هذا فيضٌ من غيض، ولكن لأن التعميم غير منصف دائما، فإن السّاسة عندنا تنطبق عليهم قواعد النحو في اللغة، فقلة قليلة منهم يستحقون الرفع، وبعضهم يستحق الكسر، والبعض الآخر يستاهل النّصب، أما الأغلبية العُظمي منهم فلا محل لهم عندي من الإعراب[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات