+ -

 إنّ كتب التاريخ والسِّيرة قرّرتَ أنّ سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج مع عمِّه أبي طالب إلى الشّام كان عمره تسع سنين وقيل اثنتي عشرة سنة، رآه هذا الرّاهب مع عمّه ورأى سحابة تظلّله من الشّمس، وذكر لعمِّه أنّه سيكون له شأن، وحذّره من اليهود، وليس في شيء منها أنّ سيّدنا محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم سمع من بحيرا شيئًا من عقيدته ودينه.وقد سافر سيّدنا محمّد مرّة أخرى إلى الشّام مع ميسرة خادم سيّدتنا وأمّنا خديجة رضي الله عنها، وقد سافر سيّدنا محمّد لتجارة لها، وكان له من العمر خمس وعشرون سنة إلّا أنّه لم ينفرد دون ميسرة وسائر تجّار قريش لدراسة غيرها، بل لم يلبثوا إلّا أيّامًا في بلدة بصرى باعوا واشتروا وعادوا سريعًا.من جانب آخر، نرى، كما قال الأستاذ الفاضل عفيف عبد الفتّاح طبّاره: ادعاءهم لا يقوم على أيّ دليل عقلي مقبول بل تتراءى لنا هذه الحقائق الّتي تنقض مزاعمهم وهي: لو كان سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم تلقّى شيئًا من المعارف عن الرّاهب بحيرا أو غيره من الأحبار والرّهبان لنقل ذلك أتباعه الكرام الّذين لم يتركوا شاردة ولا واردة من أفعاله الشّريفة إلّا ودوّنوها في كتب السّيرة والأحاديث النّبويّة.الرّاهب بحيرا كان بالشّام وسيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم موطنه الحجاز، والتعلّم لا يتمّ في السرّ  وفي جلسة واحدة أو جلسات متفرّقة بل لا يتمّ إلّا إذا اختلى المتعلّم إلى المعلّم أزمنة متطاولة، ولو كان الأمر كذلك لاشتهر بين العرب أنّ سيّدنا محمّدًا يتعلّم العلوم من فلان وهذا ما لم يثبت تاريخيًا. والرّاهب بحيرا ليس من بلغاء العرب وفصحائهم وسيّدنا محمّد لم يشتهر عنه أنّه كان من بلغاء  العرب، فمن أين مصدر هذه البلاغة القرآنية الّتي فاقت جميع بلاغة العرب والّتي تحدّى القرآن بها جميع البلغاء وعجزوا عن محاكاتها بما لا يمكن تعليلها إلّا بأنّها وحيّ إلهي.إذا كان الرّاهب بحيرا في هذه المنزلة العظيمة من المعارف، فلماذا لم يفاجئ بها عصره ويَحصل على الشّهرة والمنزلة الرّفيعة في قومه؟ ولماذا يرضى أن يكون مطيّة لغيره؟ ثمّ ماذا كان يمنعه بعد نجاح سيّدنا محمّد أن يدّعي هذا الفضل عليه كما يحصل عند كثير من النّاس، ويظهر تفضّله عليه في العلم والمعرفة؟

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: