+ -

ليس هناك وجود لـ”غاشي” يتابع ويهتم، فهو سئم الكلام وجرب الوعود. رافق برامج إلى مدافنها، بعدما دغدغته بمشاريع حملته إلى السحب. كنا طوابير تسير تائهة بين الشرق والغرب. منذ زمن المغدورين الأوائل، العربي بن مهيدي وبن بولعيد وبن يوسف بن خدة. منذ زمن ”سبع سنين بركات” ونحن نتذرع بأن القادم لن يكون أسوأ مما مضى. اليوم، نحن في القاع. نسمع صوتا يدعونا إلى الصبر، والحذر من ”الأجنبي”. صوت نعرفه، لأننا نسمعه منذ نصف قرن. ردّد علينا وعوده وتحذيراته في الشتاء وفي الصيف، خريفا وربيعا. سمعناه زمن الاشتراكية واقتسام الفقر، وشد الحزام. وسمعناه زمن التحول وبيع كل شيء. الصوت يدفن الجزائر في التبعية والشك في قدراتها. يعتمد برنامجه على  دعوة إلى الصبر، وعلى التخويف من عدو خارجي. إنه الصوت الذي يقتلنا، على الأقل، مرة كل يوم. لقد تنبأ الناس في المقاهي وفي الحمامات، بأن السلطة مستعدة لبيع الريح من أجل البقاء. ما تنتظره الغالبية هو الصدق والفعالية والتواضع. فالشعب يريد إسقاط الفقر وإسقاط الفشل والتخلص من العجز. الشعب يريد النجاح والتفوق، يريد التنفس، يريد انتخابات، لا ما يشبه الانتخابات. يريد اقتسام تنظيمها والإحساس بأنه يشارك في الإشراف عليها. يريد التعاون عليها. لكن في أسبوعها الأول، لم تجد الحملة من يبالي بها، عاكسة الشرخ الموجود بين الخطاب وبين الواقع، وتبرز لمن يريد أن يرى ويقرأ رسالاتها، كم هو سميك الحاجز الفاصل بين الحاكم والمحكوم. فمن هو الأجنبي الطامع في ثرواتنا؟ ومن يتعاون معه من الداخل؟ قد يكون الأجنبي ممثلا في ”جون كيري” وزير خارجية أمريكا والذي تشرف إدارته على هيئات ومنظمات، هي متهمة في الجزائر بعلاقاتها المشبوهة، وعملها على زعزعة الاستقرار. وسيحل ”كيري” ضيفا على حكومة الجزائر المنشغلة بإنقاذ حملة لم تكن في الحسبان. وتشاء الصدف أن يأتي زمن حملة رئاسية، كما فعل تماما كولن، بأول وزير خارجية أمريكا زمن بوش، الذي حل بالجزائر قبيل رئاسيات 2004. لكن في السياسة، لا وجود لشيء اسمه الصدفة، حين يتعلق الأمر بترتيب العلاقات، والمصالح. أمريكا واقعية. تبيع وتشتري من أجل نمو قوتها، وزيادة هيمنتها. تدخل العراق، أو تغرق التشيلي تحت حكم دكتاتورية انتقاما لرئيس وطني ”الرئيس ألندي”، فتلك قواعد من ضمن تصور تعمل على تجسيدها. فالهدف المزيد من القوة. أو قد يكون ”الأجنبي” ذلك القادم من قطر في زيارة عمل إلى الجزائر، وحكومته متهمة بعملها على نقل الربيع العربي إلى الجزائر أو ربما الخطر من أوروبا التي يهددها الروس بمنازلة في القرم، وبأزمة غاز قد تربك خزائن هي فارغة. أوروبا لا تقدر على الروس، لكن قادرة على دول الساحل مجتمعة. قادرة على تحريكها ضد بعضها والانتفاع بما لديها مقابل المزيد من السلاح. ولو كانت الجزائر في وضع عادي لاستفادت من أزمة القرم، من خلال استعادة مكانتها في توريد الغاز. أم أن الخطر آت من  السعودية التي تشرف على ”برنامج تكفيري” وصلنا عن طريق دعاة تكفير الميزابيين، الجزء الأصيل من الجزائر. وهو أخطر ألف مرة من احتلال محتمل. كيف وصلت الجزائر إلى هذا الوضع المفتوح؟ مملكة إسبانيا التي كانت في ترتيب ”جمهورية” الجزائر، غداة وفاة الديكتاتور فرانكو، أدركت بأن أقصر طريق للنمو يكون بالعودة إلى إرادة الشعب ليشارك ”مجندا طواعية” في البناء. أربعون عام فيما بعد، نجد المملكة ضمن الاقتصاديات الأولى في العالم، بالرغم من تخبطها في أزمة مالية، ونجد الجمهورية، بالرغم من وفرتها المالية، في المربع الأخير. وهي حسب تقرير البنك العالمي في المرتبة 153 من مجموع 189. ومثل إسبانيا تركيا وماليزيا وكوريا الجنوبية، (عكس الشمالية التي تئن تحت وطأة حكم شمولي) ومثلها البرازيل والأرجنتين. هذه الدول وصلت إلى حد الإفلاس المالي، وليس لمعظمها ثروات طبيعية. وجميعها انتقل بفضل الديمقراطية المفتوحة على مشاركة المعارضة في صياغة التوافق الوطني، وبفضل احترام إرادة شعوبها وبفضل محاربة التزوير. الدستور ليس كتاب بحث تدرك نقائصه طبعة بعد أخرى. هو تصور لمجتمع في حركة. وتغيير الدستور ليس هدفا، ولا هو سرج يركبه رئيس على ظهر فرس نظام، يصول ويجول، لتستمر الرحلة ما اتفق الفارس والفرس. اللامبالاة التي لا يخفيها المواطن اليوم هي رد فعل على عبث..

 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: