إلى متى سوف تستمر هذه الشعوب في هذا اللغط؟ ومتى ستدرك أنها عاجزة عن مواجهة استراتيجيات دولية محكمة بهذا اللغط؟ ومتى ستتوقف نخب هذه الشعوب عند حقيقة أن هناك “القوة” وهنا “الضعف”، وأن الضعيف حجته ضعيفة، وأن الإسلام لا يقوى بضعف شعوبه ونخبها، لا يقوى بعطل الكثير من هذه النخب الفكري وعجزها، لا يقوى بأنظمة تابعة أو متواطئة أو خائنة أو عاجزة، الإسلام لن يقوى وبين هذه النخب من يَهيج ويُهيِّج الشعوب في حركة تغرق في العاطفية وتهجر العقل والعقلانية، أليس المسلم القوي خير من المسلم الضعيف؟لقد تعمدت مرة في محاضرة أن أعدد بعض أخطاء الخطاب السياسي الإسلامي في محاولة لاستفزاز حوار جاد في مسائل اعتبرت خطأ مسلمات. لقد تعمدت أن أقول: هناك تصور سطحي خاطئ منهجيا يقول: “علينا أن نعود إلى ديننا لكي نتقدم”. وجاءني اللوم وحتى الاتهام. فقلت ردا: الأمر بسيط يا ناس ينبغي أن نقلب هذه المقولة رأسا على عقب لكي تصبح منهجيا صحيحة، إذ لا بد أن نتقدم لكي نتمكن من العودة إلى ديننا. لا يمكن أن نعود بقوة إلى الدين الحق، والأمر للتوضيح ليس مرتبطا فقط بالتدين والمجتمعات والكثير من نخبها وأنظمتها التعليمية، متخلفة قاصرة أو غير فاعلة.دولنا بلا مؤسسات أو بمؤسسات مانحة للولاء، لا تمثل الناس ويستفيد المسؤولون فيها من ريع بلا أي استحقاق، دولنا لا تسخّر للبحث والدراسات في شتى المجالات، إلا مبالغ ضئيلة أو ضئيلة جدا، دولنا طاردة للذكاء، لغياب الحرية ولغياب استراتيجيات تنمية، دولنا تتحالف مع الأعداء ضد شعوبها بل وتستمد (شرعية!) حكمها من الخارج وليس من الداخل.مقابل هذا ما زلنا نُهيّج في حركة جماعية ظرفية تتلاشى بعد فترة قصيرة، لنعود للقعود، وربما للسبات الذي طال الآن ستة قرون، على الأقل من سقوط غرناطة، ثم اكتشاف رأس الرجاء الصالح وأمريكا (1492 وما بعدها).ينبغي أن نقرأ التاريخ لإعادة رسم العلاقة مع الغرب. فالتاريخ عندهم متواصل في استراتيجياتهم وتجمد عندنا، في سلفية نقلية عاجزة أو في نسيان مرضي. هل نتذكر كل الصراعات والحروب عبر كل تاريخ هذه المنطقة؟ هل نذكر فقط أنه “.. مع سقوط القدس، في عام 1917، قال الجنرال البريطاني للنبي: اليوم انتهت الحروب الصليبية”، وبعد معركة ميسلون في 1920 واحتلال دمشق ذهب الجنرال الفرنسي غورو إلى قبر صلاح الدين الأيوبي ووضع رجله على الضريح قائلاً: “ها قد عدنا يا صلاح الدين”..”. (محمد سيد رصاص، الأخبار 18/01).إنه زمن الهوان، لأن الكل يدرك أن مقدساته تهان، ولا يستطيع أن يدرك أن الضعف والهوان هو السبب، وأن مواجهة عالم القوة والحرية غير ممكن بالتخلف والاستبداد. لا يمكن أن تستحث الأمة بأساليب هوجاء لا تعدو أن تكون طفرة أو زفرة، ولو كزفرة بركان، ثم يخمد كل شيء، ويستمر السني في قتال السني، والسني السلفي في قتال غير السلفي، والشيعي في قتل السني، أو العكس، ويعادي شعب مسلم شعبا مسلما آخر، وتصرف مئات المليارات على التسلح، ومن مصانع السلاح في الغرب غالبا، خوفا من الجار الأخ في الدين، وحتى الأخ في المذهب والأخ في الدم والعرق.إنه عيب ومهانة أن لا نفهم أن ما قامت وتقوم به صحف في فرنسا أو في الغرب كله، سببه الأساسي أن العرب والمسلمين لا يزنون في موازين القوة والمصالح، إلا الشيء القليل الذي لا يخيف أحدا. الأنظمة الحاكمة ووسائل إعلام العرب والمسلمين عاجزة عن حماية “الأمن الإعلامي” لشعوبها، وعاجزة عن المواجهة، وعاجزة عن إنتاج الحرية التي تنتج ما يقتل الاستبداد، وما ينتج سبل التقدم، لكي نتمكن من العودة إلى دين الحق ويتوقف الآخر عن إهانة مقدساتنا. نعم نحن على حق ولكن حجتنا ضعيفة في عالم القوة، في عالم المصالح، في عالم المركزية الغربية المهيمنة. اليوم، حتى النفط، الذي لم يكن إلا مصدر قوة مالية وهمية، لم يعد مصدر قوة ولو وهمية، فما هي عناصر القوة عند العرب والمسلمين؟ قد يرد عليّ أحدهم فيقول بحماس وإيمان أكيد، قوتنا في ديننا. وأقول نعم، ولكن المشكلة ليست في الإسلام بل في المسلمين. ولا يمكن أن ندرك مكامن القوة الحقيقية في ديننا، ونحن نعيش التخلف، ونعيش بالخصوص الاستبداد، استبداد الحكام والماضوية والتخلف.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات