+ -

لو أخذنا عينة من مشاهدي القنوات التلفزيونية في أي بلد وسألناهم: ما هي أفضل قناة تلفزيونية؟ فالإجابة تكون، في الغالب، متوقعة. فهذا يذكر هذه القناة، وذاك يذكر تلك. وقد يشترك بعضهم في ذكر قناة تلفزيونية واحدة ووحيدة. لكن من النادر أن يتحقق الإجماع على قناة بعينها. هذا إن لم تتفق أغلبيتهم على القول إنه لا توجد قناة واحدة يمكن وصفها بأنها الأفضل. والسبب في ذلك لا يعود إلى تراجع ثقة الجمهور، خاصة مشاهدي التلفزيون، في وسائل الإعلام التي تسارعت منذ التسعينيات من القرن الماضي، ولا للإيمان بالقول المأثور: إن إرضاء جميع الناس غاية لا تدرك، بل لأن الحديث عن القناة التلفزيونية الجيدة أو الممتازة ظل موضوع جدل حاد ومتواصل لم يحسم بعد. فقد حاولت الكاتبة الأمريكية، جانيت مَكْكِيب، أن تقدم جانبا منه في كتابها المنشور في 2007، والذي عرضت فيه تصورات صفوة أساتذة الإعلام والباحثين والصحفيين ومخرجي التلفزيون حول ملامح القناة الممتازة. وشغل، فرنسوا جوست، أستاذ الإعلام فنظم له ملتقى دوليا في 2012 جمع مختلف الشركاء في صناعة التلفزيون من القطاع العام والخاص.

إن الاختلاف في الآراء حول هذا الموضوع لا يعود أصلا لتنوع الأذواق، كما يتوهم البعض، بل يرتبط أساسا بتاريخ القنوات التلفزيونية والمعايير التي تسمح بالحكم على نوعيتها، والتي تختلف من نظام سياسي إلى آخر. ففي بلدان العالم الثالث التي ظهرت فيها القنوات التلفزيونية الخاصة بعد أن ارتخت قبضة الحكومة، وليس الدولة، على احتكار البث التلفزيوني تطابق معيار التلفزيون ذي النوعية العالية مع ذاك الذي حددته الدول الديمقراطية في الغرب التي سمحت للقطاع الخاص بالاستثمار في البث التلفزيوني بعد أن ظلت الدولة محتكره الوحيد والأوحد لعقود، مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. والمعيار هو قدرتها على استقطاب أكبر عدد من الجمهور. فبروز قنوات خاصة في هذه البلدان جعل من المعيار التجاري المؤشر الوحيد الذي يحدد نوعية القناة الجيدة. لذا تهافتت القنوات التلفزيونية على قياس المشاهدة الذي أضحى القاضي بحكم الإعدام على البرامج التلفزيونية التي لم تحظ بنسبة كبرى من المشاهدة. هذا رغم أن العديد من البحوث أثبتت أن تزايد عدد مشاهدي قناة تلفزيونية ما لا يعني، بالضرورة، أنها الأفضل والأجود. فبعض البرامج لا تنجح في جذب حشد كبير من المشاهدين، بل تفلح في استقطاب فئة محددة من الذي يدفعون الضرائب لتمويل القناة التلفزيونية. بينما تعتمد الدول التي ظلت فيها القنوات التلفزيونية، تاريخيا، ملكية خاصة، مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل، على معايير أخرى لتحديد نوعية القناة التلفزيونية، وتنطبق أكثر على القنوات التلفزيونية التي تضطلع بالخدمة العمومية. ومن هذه المعايير يمكن أن نذكر: مدى التزامها ببنود دفتر الشروط، والوفاء بما وعدت به جمهورها في بداية انطلاقتها. والعمل على إحداث توازن في برامجها من أجل تلبية حاجيات الجمهور المتنوع. فقناة ”برازيليا تيفي” التي تأسست في 2007 ”تثمّن ثقافة كل ولاية برازيلية وتعمل، في الوقت ذاته، على التعريف بمختلف الثقافات في كل الولايات”، لذا فإن نسبة الأفلام التي تبثها لا تزيد عن 7% من مجمل وقت البث بعد الساعة الثامنة ليلا، لتفتح المجال للأفلام الوثائقية الوطنية المستقاة من الواقع المحلي، وتركز على المجالات الاجتماعية والثقافية، والحوار الجاد حول المصير الثقافي للوطن والولايات، مع تخصيص شرائح من وقت البث لمختلف الفئات التي تشكل الجمهور: المرأة العاملة في البيت، كبار السن، الأطفال لتربيهم على مبادئ المواطنة. بالطبع، إن القنوات التلفزيونية التجارية تعجز عن القيام بهذه المهام. وتضاف لهذه لمعايير أخرى أساسية، مثل مدى التزام القناة التلفزيونية بالسمات الخاصة لكل نوع تلفزيوني وفق ما رسخته التقاليد المهنية، ونوعية الصورة والصوت، وطريقة التصوير والإنارة، والتركيب، التي تعطي قيمة جمالية للمنتج التلفزيوني.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: