38serv
مصير إكرام، هند، ليندة وعواطف، بسبب العزلة في مشتة “الجنين” على الشريط الحدودي هو نفس المصير لأترابهن من المتمدرسات من سكان مشاتي السلسلة الجبلية. هنا العزلة والتقاليد العائلية المتشددة وبعد مؤسسات التعليم، بأكثر من 20 كلم، تبرر توقيف مشوارهن الدراسي عند نهاية الطور المتوسط رغم ارتفاع معدلاتهن الدراسية.مأساة هذه الفئة من المتمدرسين تقزّمها التقارير التربوية الخاصة بالتسرب المدرسي لتحجب تقصير الأطراف المسؤولة وعجزها في تحسين الأوضاع المعيشية المزرية لسكان العزلة في الحدود ومآسي الطفولة المحرومة من حقها في التعليم.“الخبر” وأثناء مرافقتها لجولة الوالي وجهازه التنفيذي عبر 25 مشتة بأقصى مناطق العزلة على خط الحزام الحدودي، وقفت على حقيقة المأساة وسط فئة البنات المتمدرسات بالطور المتوسط وهن على يقين بأنها المرحلة الأخيرة في مشوارهن التعليمي حسب الأعراف والتقاليد المحافظة المتشددة المعمول بها لدى سكان المنطقة، تبررها عدة عوامل على علاقة بطبيعة المنطقة ومعاناة سكانها. وفي دردشتنا مع “إكرام، هند، ليندة وعواطف” بمشتة الجنين وهن يراقبن عن قرب حوار الوالي مع سكان المشتة، عبّرن عن معاناتهن اليومية القاسية مع التنقل اليومي على مسافة 60 كلم ذهابا وإيابا. وتبدأ الرحلة تجاه المتوسطة بمقر الوسط الحضري لبلديتهن على الساعة الخامسة صباحا والعودة الى البيت بعد السادسة مساء ووسيلة النقل شاحنة سوناكوم مهيأة، يحشر على متنها أكثر من 30 تلميذا آخرهم في سلم مؤخرة الشاحنة.وحسبهن، الرحلة متعبة ومحفوفة بالمخاطر، فقبل نقطة التجميع يعبرن مسالك غابية موحشة ومليئة بالخنازير والذئاب خاصة عند ساعة الفجر المظلمة شتاء، وحالة هند التي هاجمها قطيع من الذئاب فأصيبت بداء السكري وتعالج بالأنسولين حاليا، ثم تأتي البقية في المسالك المهترئة التي تجعل من شاحنة النقل المدرسي تهتز وترتمي بالحفر والمطبات والمنعرجات وسط المنحدرات الخطيرة وما ينجر عنها وسط حشر ركابها، ليصل الجميع الى المتوسطة في حالة تعب قصوى، وأكثر من ذلك لو تأخرت الشاحنة عن موعد الدراسة، فإن مديري المتوسطات يمنعون التلاميذ من الالتحاق بأقسامهم دون مراعاة متاعبهم مع العزلة ومشاكل النقل المدرسي، ليبقى التلاميذ خارج المؤسسات التربوية مهما كانت الأحوال المناخية الى حين عودة الشاحنة مساء. عواطف تدرس في السنة الثالثة متوسط بمعدل 16 من 20، وإكرام بالسنة الأولى متوسط بمعدل 14 من 20 ، فيما هند وليندة السنة أولى متوسط بمعدل 12 من 20 وكثيرات أمثالهن لا يشفع لهما هذا التفوق الدراسي لمواصلة مشوارهن الدراسي الذي سيتوقف حتما وفي أحسن الحالات مع نهاية العام الدراسي للرابعة متوسط، كما هو مصير من سبقنهن من سكان المنطقة. وسألنا بعين المكان عن بنات جامعيات أو ثانويات وفرصهن في الإدماج المهني والوظيفي وبرامج التشغيل وتلقينا الجواب سلبا، لا توجد فتاة من سكان المنطقة وصلت الى هذا المستوى التعليمي رغم المعدلات الدراسية المسجلة بين 14 الى 18 من 20 وتفوقهن في المرحلة المتوسطة.ويؤكد أستاذ لمادة الرياضيات من سكان المنطقة، بأن التلميذات بهذه المناطق المعزولة يتوقفن عن الدراسة في مرحلة المتوسط بنسبة 100 بالمائة من المتمدرسات والذكور بنسبة 60 بالمائة. ويضيف محدثنا بأن 5 بالمائة من المتمدرسات بهذه الجهة قد يكون لهن الحظ في مواصلة الدراسة في حالة إقامتها لدى أقرب شخص لها من العائلة بالمراكز الحضرية موقع تواجد مؤسسات المتوسط والثانوي. وتقاطعنا عواطف وملامح الحشمة والحياء بادية على محياها، بأن أمثالها في هذه العزلة لا نصيب لهن في التعليم بعد مرحلة المتوسط وأنهن ينتظرن بعد سن 19 سنة خطيبا من أهل العمومة والخوالة أو أقرباء العائلة بالمنطقة لا أكثر ليستقر بهن حال الحياة بذات المشتة أو أخرى من المحيط القريب.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات