+ -

 حينما تلجأ السلطة لترسيخ حكمها والإبقاء على هيمنتها إلى “عسكرة” المجتمع وإلى القوة الصلبة بدلا من الناعمة، حسب تعبير جوزيف ناي، مساعد كاتب الدولة للدفاع في عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وإلى منطق القوة بدلا من قوة المنطق والحجة والإقناع، أو إلى الخطابات الشعبوية الجوفاء، ثم إلى شخصنة النظام، مختزلة أمة في فرد واحد، فيجب أن ندرك بأن نهايتها اقتربت وأنها بلغت نهاية مسارها، لأنها تحمل في طياتها بذور فنائها وأنها فقدت مبررات وجودها، ولنا في التاريخ سلسلة من الأسماء التي هبت بها رياح التغيير أو عصفت بها ثورات الشعوب المهضوم حقوقها، وطوتها الذاكرة الشعبية لأنها اختزلت فترة حكمها في شخص الحاكم وزمرته أو حاشيته التي انقطعت عن الواقع، وظلت متزلفة إليه، ومحورة له الوقائع، إلى أن تنتهي الأمور بانكشاف يبدد الأوهام، أن مأساة الدول المغلقة أن أنظمتها لا تدرك بأنها هي ذاتها التي تصنع عوامل فنائها بانغلاقها على نفسها وهي التي تدفع الشعوب إلى التمرد والعصيان وإلى تخطي حاجز الخوف ولو استخدمت القوة القمعية المفرطة ضدها، ناهيك عن لغة التهديد والوعيد على شاكلة إما نحن وإما الفناء، أو كما قال الملك لويس الرابع عشر “أنا ومن بعدي الطوفان”، ومع ذلك زال لويس الرابع عشر ولم يكن أكبر من فرنسا الأمة، كما زال بعده ستالين وهتلر وأسماء حفلت بهم سجلات التاريخ ممن حصدتهم ثورات الشارع التي نادت بهدفين ساميين: الحرية والكرامة، ليعبر الفرد عن كينونته ووجوده ويصبح الجميع سواسية أمام القانون, وفي غياب ذلك سيظل التمرد قائما، ويظل الأفراد حسب تعبير الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس رافضين لقرارات مراكز الضبط والسلطة والجماعات الحاكمة والتي تنظم نفسها بشكل يسمح للأقلية البيروقراطية بأن تقرر بمعزل عن الآمال والدوافع الحقيقية للمواطن، وتمكنها من ذلك أيديولوجية التسويغ الشرعي الفضفاضة التي غالبا ما تطلق وعودا عامة تضمن بها ولاء الجماهير، وتتفادى إشراكها السياسي في القرار، لأنها تسيرها بمنطق الدهماء.إن جاذبية الحكم ومزاياه، إذا اقترنت بالثروة، يمكن أن تذهب بالأفراد إلى الانتحار الجماعي كما فعل نيرون، خامس إمبراطور روماني، حينما أشعل حريق روما سنة 64 ميلادي وجلس فوق برج وهو يغني أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة، وما يخشى هو أن يعمد النظام السياسي في بلادنا إلى طريقة الغريق اليائس الذي يتشبث بقوة فيمن يحاول إنقاذه، فينتهي الأمر بغرق الاثنين معا. إن التاريخ يحفظ موقف جنكيز خان، ملك ملوك التتار، الذي تراجع عن غزو بلاد المسلمين إلى حين، لأنه رأى فيهم مبادئ الوحدة والمساواة، ليقوم بذلك هولاكو ويأسر الخليفة المعتصم في 656 هجري، ويقضي على الدولة العباسية بأمجادها التي بدأ نجمها ينطفئ مع أولى أبيات المتنبي المتزلفة لكافور الإخشيدي، وبعد أن تيقن بأن الخلافة تحولت إلى ملك ابتعدت عنه الرعية[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات