قال اللّه تعالى: {ضَرَبَ اللّه مَثَلًا رَجُلًا فِيه شُرَكاَءُ مُتَشَاكِسُون وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُل هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} الزُّمَر:29، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما ومجاهد وغير واحد: هذه الآية ضُربت مثلاً للمشرك والمخلص.جاء هذا المثل القرآني في سياق الحديث عمّن شرح اللّه صدره للإسلام، فعرف طريق الحقّ، فآمن باللّه ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّد صلّى اللّه عليه وسلّم نبيًّا ورسولًا، ومَن ضلَّ عن طريق الهداية فقَسَا قلبُه، فكان في ضلال مبين، قال تعالى: {أفَمَنْ شَرَحَ اللّه صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّه أولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِين} الزّمر:22.ووجه التّمثيل أنّ سبحانه شبّه حال المشرك الّذي يعبد آلهة متعدّدة بحال عبد له أكثر من سيّد يخدمه ويطيعه، فكلّ واحد منهم يأمُره بما لا يأمره به الآخر، فيعضهم يقول له: افعل، وبعضهم يقول له: لا تفعل؛ وبعضهم يقول له: أقبل، وبعضهم يقول له: لا تُقبل.. فهو حائر في أمرهم، لا يدري أيُّهم يرضي، فإن أرضى هذا أغضب ذاك، فهو لأجل هذه الحال يعيش في عذاب دائم، وتعب مستمر.أمّا مثل حال المؤمن الموحّد فقد شبّهه سبحانه بحال العبد الّذي يعمَل تحت إمرة سيّد واحد، فلا أمر لأحد عليه إلّا أمر ذلك السيّد، ولا نهي لأحد عليه إلّا نهي ذلك السيّد، فهو مطيع له على كلّ حال، وهو ساع لكسب ودّه ونيل رضاه من غير ملال. ثمّ هو غير مشتّت الهوى، ولا مبعثر القوى؛ لأنّ وجهته واحدة غير متعددة، ومقصوده واحد غير متناقض.والمراد من هذا التمثيل بيان حال مَن يعبُد آلهة متعدّدة، فإنّ أولئك الآلهة تكون متنازعة متغالبة، كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللّه لَفَسَدَتَا} الأنبياء:22، فيبقى ذلك المشرك متحيّرًا ضالًا، لا يدري أيّ هؤلاء الآلهة يعبد، يدعو هذا ثمّ يدعو ذاك، لا يستقر له قرار، ولا يطمئن قلبه في موضع، فهو حائر مشتّت القلب والذهن؛ بخلاف المُوَحِّد فهو في راحة تامة وطمأنينة كاملة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات