+ -

في إطار ذي خلفية سوداء يطل عليك هتلر في صورته بالأبيض والأسود، قد تكون أصلية أو لبطل أحد الأفلام المجسدة لحياته، كي يخاطبك بكلمات مكتوبة بخط أبيض كبير لا تمت بصلة لما كان يردده في حياته، مع إمضاء اسمه في الأسفل والحرص على ذكر “المرجع” بهدف “التوثيق”. فما محتوى هذه المقولات، وما الأهداف التي ترمي إليها؟في محاولة للإجابة عن السؤالين، قمنا بزيارة مختلف الصفحات، خاصة تلك التي تحوي في عنوانها كلمة “هتلر” بمشتقاتها اللفظية “هتليرية”، “هتلرية”، “هيتلر” و«هيتلرية”، والتي تحمل في طياتها “مقولات” لهتلر، والتي وصل عدد مشتركيها بين 30 ألف و200 ألف مشترك يوم 2 مارس 2014، وجـــدنا أن أكثر المواضيع المتناولة تتمثل في العلاقات بين الجنسين فيما نسبته 30 بالمائة، وذلك ما نراه طبيعيا نظرا لأن جلّ مصممي هذه الصفحات من الشباب الذكور من الطلبة الجامعيين أو الثانويين.ترتكز هذه المقولات أساسا على التهكم اللاذع حيال سلوك بعض الفتيات، فنجد في إحداها “عزيزاتي بنات الجامعة، الوجه عبارة عن عضو في الجسم وليس دفتر للتلوين” أو “قريبا في رمضـــان.. فيزو واحد يفطر 60 مسكينا” أو “لكل فتاة تفتخر بوجود الرجال حولها، اعلمي أن كثرة الذباب تدل على وجود قمامة”. كما توجه النقـــــد ذاته لكل شاب يقيم علاقات مع فتيات، ما يدل على أنه رغم التغير الحاصل في مجتمعنا إلا أن شــــــبابنا يدرك في العمـــــــق أن المجتمع الجزائري محافظ. كما تنتشر مواضيع تعرض بعض السلوكيات غير المقبولة بما يقارب النسبة سالفة الذكر، كتلك الموجودة في الملاعب أو الشارع أو الحافلة أو في العلاقات على الفايسبوك، تبدأ جلّها بعبارة “لا أستطيع احتلال شعب” مثل عبارة “لا أستطيع احتلال شعب يصلي من الجمعة للجمعة”، وذلك للتعبير عن تصرفات من يضعون “غير متصل “hors ligne أثناء صلاة الجمعة وباقي الأسبوع يبقى “متصل “en ligne، دون إغفال موضوع العلاقات بين الشباب الذكور، من خلال عرض التصرفات الانتهازية وتأكيد ضرورة عدم الثقة في الآخرين من نحو “اللي غدرك غدرو والي ما غدركش غدرو... الاحتياط واجب”، أو فيما معناه “تعطيه شفرة الويفي ويعود بعد يومين يقول لك إن الاتصال رديء، هل تقوم بتحميل شيء ما؟.. ذلك هو ابن الجزائر..”كما تتمتع المقولات التي تعبّر عن العلاقة غير الودية بين التلــميذ والمدرسة أو الطـالب والجامعة بشعبية كبيرة، فالدراسة غير مرغوبة عند الكثيرين، توضحها هذه المقولة: “ليس كل وداع محزن، فوداع الأستاذ عند انتهاء الدرس من أجمل اللحظات”، أو الحديث عن الإضرابات والملل أثناء الدروس والغش في الامتحانات من نحو “لا أستطيع احتلال شعب يغش حتى في التربية الإسلامية”.كما لاحظنا أن المواضيع السياسية تكاد تكون شبه منعدمة، ما عدا عبارات قليلة كعبارة “لا أستطيع احتلال شعب يحرر فلسطين عن طريق تغيير صورة البروفايل”، التي تشهد انتشارا على الصفحات، ما يدل، حسب رأينا، على نقد لاذع حول التخاذل عن القضية الفلسطينية.كما تستعمل هذه المقولات اللهجة الدارجة بحروف عربية بما نسبته 80 بالمائة، ونرى أن ذلك يعود لطبيعة الفايسبوك، هذا الموقع الاجتماعي الذي لا يكلف مستعمليه عناء استعمال لغة أكاديمية راقية، والذي لا تكون فيه للبـــاقة والأدب مكان يذكر.ولا يمكن إنكار دور تطبيقـــات معالجة الصور كالفوتوشوب في إضفاء جو خاص على هذه “المقولات”، والتي تعبر عن هيئة هتلر وهندامه، حيث إن كل “مـــقولة” تكون مرفقة بصورة ملائــــــمة لها، فترى هتلر مرة غاضبا واضعا لحية حين يكون الموضوع “دينيا”، أو مرتديا نظارات شمسية وقميصا زاهي الألوان بكم قصير ومبتسما حين يخاطب فتيات أو يتحدث عن الدراسة، ومرة بصورته الأصلية حين يتـــناول مواضيع جدية أو حين يقوم بتحيته المعروفة، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على مـــوروثات وعادات قديمة من نحو “تحية لكل فتاة لم تصبغ شعرها يوما”.من خلال هذه الدراسة المختصرة، حاولنا لفت الانتباه إلى هذه الظاهرة التي أخذت في الانتشار على شبكة التواصل الاجتماعي فايسبوك بين الشباب الجزائري، والذي يجد فيه الكثير متنـــــــفسا لهم للتعبير بمختلف الأساليب ولو على لسان زعيم النازية، دون الكشف عن هويتهم، ما يمكن اعتـــــــــــباره مجالا جديدا وخصبا لفهم تفــــــكير الشباب نحو الواقع المحيط بهم والمواضيع التي تشغــــل بالهم.ومـــهما قيل عن ظاهرة أقوال هتلر في الفايسبوك من أنها تعبّر عن ميل الشباب إلى الإرهاب والنازية، فهي تحتاج إلى دراسة معمّقة وموضوعية من قِبل أخصائيين نفسانيين واجتماعيين دون حكم مسبق، وذلك من خلال البحث عن خلفيات ظهورها وانتشارها واستعمالها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات