تمسكت الكاتبة حبيبة محمدي بكتابة الشعر، رغم متاعب العمل الأكاديمي الذي عكفت عليه منذ عودتها من القاهرة بعد إقامة طويلة، حيث حصلت على شهادة الدكتوراه في فلسفة الجمال. وقالت، في هذا الحوار الذي خصت به ”الخبر”، إن الكتابة الإبداعية تتطلب بالنسبة لها الإبحار في معارف مختلفة.أين وصلت تجربة حبيبة محمدي الشعرية، بعد إقامتها الطويلة في القاهرة؟ أستطيع أن أزعم أني قارئة نهمة لكل أنواع المعرفة، لذلك فأنا أتأنى كثيرا في الكتابة، وبالتالي في النشر، لأني أؤمن أنه يجب أن نستوعب كثيرا من المعارف المختلفة ونكتسب ثقافة موسوعية وأفقية لجميع التخصصات، تختمر في أرواحنا، في فكرنا، ثم بعد ذلك تتشكل ألوان النصوص التي نكتبها شعرا أو راوية أو مسرحا. الكتابة عندي حالة خاصة جدا، لا تأتي هكذا كيفما اتفق. أنا منذ 2011، لم أنشر لأني كنت مقيمة في القاهرة. كان عندي مخطوط (رسائل الحنين) نصوص فيها رائحة الغربة وطعم الاغتراب، كان من المفروض أن ينشر بمعرض الكتاب، لكنه تأخر بسبب قيام الثورة في مصر. وبدخولي إلى الجزائر عكفت على بداية مسيرتي الأكاديمية بجامعة الجزائر كأستاذة في فلسفة الجمال، بعد أن نلت رسالة الدكتوراه بدرجة الشرف الأولى. رسالة التعليم ليست سهلة، تتطلب وقتا وتفرغا. تفرغت تماما لهذه المهنة النبيلة والصعبة، ما جعل وقتي ضيقا نوعا ما للتفرغ للشعر وحده. والشعر عاشق أناني، لا يحب أن يكون بجانبه معشوق آخر.منذ عدت أدرس بقسم الفلسفة، أصبحت محبة للحكمة، أوفر لها الوقت الأوفر لأنها مسؤولية كبيرة وليست هينة. السبب الثاني أني لم أكتب نصوصا منذ فترة. وهناك سبب نفسي وشخصي، وفاة والدتي أدت إلى موت الكلمات في حلقي وفي صدري. هذا الحزن الكبير ألغى جميع اللغات والكلمات، ألغى اللغة في داخلي، وأنا في حالة استيعاب لهذه الصدمة. أكتب بعض النصوص على استحياء، على أن أكون في حالة نفسية تجعلني أكتب الشعر بطريقتي المعهودة. حزني على أمي أكبر من قدرتي على الكتابة عنها.وماذا قدمت لك التجرية المصرية؟ دعنا ننطلق من مبدأ قومي، في هذه المرحلة ما أحوجنا نحن الشعوب العربية إلى التوحد والاتحاد لمواجهة عدو حقيقي معروف لدى الجميع. وآن الأوان أن نتسامى عن الصراعات الصغيرة بين الأوطان العربية.ولعل المثقف الحقيقي هو لسان حال الأمة الذي يتسامى عن كل الخلافات وعن التفريقات، ويعي وحدة الأمة العربية على الأقل على المستوى الثقافي، لذلك لا أجد حرجا في أن أقول إني أدين لمصر بفضل كبير جدا، لأنها بلد عربي شقيق احتوى حروفي وكلماتي، وأنا الشاعرة التي ذهبت إلى القاهرة أحمل بين جوانحي كلماتي، فاحتوتني واستقبلني أدباؤها وشعراؤها ونقادها بفرح شديد، وذلك الاحتفاء الذي وجدته بالقاهرة منذ صدور أول ديوان شعري لي سنة 1993، وكنت أقتفي آثار الكتاب العرب الذين مروا بالقاهرة من مي زيادة إلى أميرة حلمي مطر. هذا وكرست عندي دراستي للفلسفة قيمة الفكر والتأمل، فأدب بلا فلسفة أجوف، ولا قيمة له، وفكر بلا لغة أدبية رفيعة وراقية، هو محض جمود. أقرأ كثيرا لكن ما نقرأه في حياتنا تتأثر به عقولنا وأرواحنا، ويخرج بعد ذلك في نصوصنا، بمعنى أن عملية هضم المعلومات تسير بطريقة غير شعورية.مازلت وفية لشاعر كبير عابر للأزمان هو الطيب المتنبي، لكن كل قراءاتي خاضعة للجمال، فالجمال هو الحكم.انتقل كثير من الشعراء العرب لكتابة الرواية خلال السنوات الأخيرة، ما رأيك في هذه الظاهرة؟ لاحظت ذلك فعلا. سمعت مرة ناقدا عربيا يقول إن الشاعر الذي يتحول إلى الرواية شاعر فاشل، ومن يكتب النقد أيضا مبدع فاشل. لكني شخصيا لا أوافق هذا الكلام موافقة مطلقة، لأني أؤمن أن كل المبدعين يمارسون لعبة الأبجدية في حروفها، لذلك لا يهم شكل النص الذي نكتبه. أنا مع حرية الكاتب بأن يكتب النص الذي يريد. مخاض الكتابة عندما يأتي لا يعرف المبدع ماذا يكون، هل هو رواية أم قصة قصيرة أم مسرحية أو حتى نص مفتوح. ولأن مسار الإبداع عندي هو الجمال بما يعني إحداث الدهشة، فأنا مع حرية المبدع في أن يكتب النص الذي يشعر أنه يحوي انفعالاته ويوصل أفكاره بشكل أفضل وأجمل. أعتقد أن الكتابة مسؤولية وفعل تحرر.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات