بعد حراك دام أزيد من سنة حول مدى استمرار الرئيس في قيادة البلاد، وحدوث وقائع كان نهايتها صعود سعداني إلى سدّة الأفالان التي تعتبر عرّاب النّظام ببلادنا، وارتفاع مستوى النزاع إلى الحديث عن تورط مؤسسات الدولة وأشخاصها البارزين في انتكاسات البلاد وأزماتها بصفة مباشرة، كنا نتوقع أنّ البلاد قد خطت شوطا مهما بعيدا عن الخطر بعد أن أصدرت الرئاسة بيانا بشجب الحديث عن المؤسسة العسكرية من قبيل النقد والتحرش بها وفق ما صرح به أمين الأفالان، وأنّ الأمر تمّ وديا والاتفاق أسفر عن لملمة المشكل على مستوى عال، لكن يظهر أنّ الاتفاق المزعوم لم ينته إلى مساره ومآله الآمن لتعود البلاد قبل يومين إلى المنطلق نفسه الذي انتهى إليه تصريح سعداني، فهل عُدنا بالفعل إلى عنق الزجاجة الذي وضعت فيه البلاد منذ عام من جديد؟قبل أسبوع كان الحديث عن شخصية وطنية قد يتفق حولها الناس! للخروج من عنق الزجاجة، وأسفر ذلك عن تداول اسم حمروش ليكون عرّاب مرحلة الوئام بين الرئاسة ومعارضيها الحقيقيين، وتحقيق الطريق الآمن لجماعة الرئيس، لكن يظهر أنّ تصريح حمروش قبل أيام من رفضه إلحاح المقرّبين الترشح للرئاسيات قد عمّق من هوّة أزمة العلاقة بين أقطاب الحكم في البلاد، فهل يمكن اعتبار عملية الزجّ بحمروش كحلّ توافقي بين المتنازعين قد آل إلى الفشل؟ وأنّ الأمر قد ازداد تعقيدا، وأن الجماعة لم ترض به خوفا من عدم الوفاء بالالتزامات؟كما أنّ الحديث عن ظهور الرئيس لإلقاء خطاب الترشّح يظل الحدث الذي ينتظره المؤيدون ويترقبه المعارضون، وإذا كان مقبولا دستوريا أن يتمّ ذلك بالصيغة التي يريدها جماعة الرئيس، هل من أخلاق السياسة وكرم المروءة أن تتمّ الوساطة بين رئيس وشعبه في أن يطلب ودّه لعهدة رابعة؟ هل بالفعل يستطيع الرئيس إلقاء الخطاب؟ وهل يقتنع الناس بالحديث بالوكالة؟ وإلى أي مدى يستمر غياب الرئيس عن شعبه؟ وهل من المقبول أنّ بلدا حيا حاضرا بتاريخه ومستقبله وإمكاناته يمكن أن يسير بالوكالة أو بطاقية الإخفاء؟لا يمكن الهروب إلى الأمام اليوم من المأزق الذي وضعت فيه البلاد، ومن الواجب أن نعترف بالتالي أن الواقع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد بات يخدم في غير الصالح العام للمجتمع والسلطة والوطن عموما، ويبرز هذا من خلال جملة من الأزمات التي صارت ترسم يوميات المواطن والوطن.إن نسبة غير قليلة من فئات المجتمع صارت لا تقتنع اليوم بأسلوب تسيير شؤون البلاد وفق النمط القديم القائم على استحضار أمجاد الماضي ودغدغة العواطف الدينية، مع الاعتراف بأنّ استعمال التاريخ والدين يظلان من العوامل الكفيلة بصناعة مجتمع قوي إذا ما تمّ استخدامهما بشكل صحيح دون انتقاء. وإنّ الاعتماد على سياسة التوازنات الجهوية أو الفيئية أو الحزبية قد جلبت على البلاد الوبال، وأنه بقدر ما تمّ القبول بها سالفا تحت طائلة إنشاد الاستقرار أو بحكم نظرية التطور الاجتماعي التي صرّح بها ابن خلدون في مدوّنه ”المقدمة” الذي يشير إلى عبور المجتمعات بمرحلة الكارزمية والعاطفة، فإنّ تطور المجتمع بعد انفتاحه على عالم الغرب والشرق وحسن استعماله لوسائل التواصل المتطورة قد فرض على الجميع ضرورة تغيير نمط التفكير والممارسة لأجل أن يتحمل كلّ مسؤوليته عن العمل الذي أنيط به، ويتحمّل عواقب فعلته أو ينال مراده بحسن أدائه، ولا يكون ذلك إلاّ بإعمال القانون وفرض السيادة السلطة التي تسيّر الجميع دون استثناء.إن الخوض في العشرية الدموية والحديث عن الفساد المالي والاقتصادي وتقييم البنية الاجتماعية وسرد أنواع المنازعات بين الأفراد والفئات، أو توصيف مظاهر هروب الطاقات ورصد أعداد الحرّاڤة وتناول ملفات العلاقات الخارجية، والحديث عن تحرّشات الدول الأجنبية والاحتباس الذي أصاب أجهزة الدولة من جراء مرض الرئيس وتعليق مصير بلاد بضخامة الجزائر وثقلها بمصير أشخاص أو هيئات بات يفرض على الجميع ضرورة مراجعة منهج وشكل التعاطي مع هذه الأزمات الداخلية والخارجية.إنّ الغيرة الوطنية واستشراف المآلات التي قد تلحق بالبلاد تفرض أيضا على كل غيور الانتباه والعمل على تجنيب مجتمعنا خيارات صارت قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ، وإنّ عدم اعتبار رؤى الغير وغرس الرأس في الرمال والتعامي عن السلبيات والنظر بمنظار الأنا والشخصانية وإطلاق التّهم تجاه المنتقدين للشأن الداخلي، واعتبارهم مارقين أو مدفوعين ومأجورجين من شأنه أن يفوّت فرصا لا تزال في المتناول، ويهمّش أفكارا تخدم الجميع اليوم ولا تخدمهم مستقبلا، وقديما قال الشاعر: يا أيّها الراكب المزجي مطيّتهإلى الجزيرة مرتادا ومنتجعا أبلغ إيادا وخلل في سراتهمإنّي أرى الرأي إن لم أعص قد نصعا يا لهف نفسي إن كانت أموركمشتى وأحكم أمر الناس فاجتمعا مالي أراكم نياما في بلهنيةوقد ترون شهاب الحرب قد سطعا[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات