38serv
يواجه المعاقون الكثير من التحديات لإثبات وجودهم وتجاوز النظرة الضيقة في المجتمع التي لاتزال تعتبرهم عاجزين، غير أن الكثير منهم نجحوا في تجاوز كل الصعاب وتحقيق ما عجز عنه الفرد السليم، دون انتظار “منحة” الدنانير، فاستحقوا لقب ذوي الإرادة الحقيقية وليس ذوي الاحتياجات الخاصة.سعدية، ليلى، حيزية وآخرون، قهروا إعاقتهم وتخلصوا من تبعيتهم إلى الغير، ليواجهوا تحديات الحياة بإرادة من حديد. فسعدية ذات الخمسين عاما التي تجلس على كرسي متحرك، وتعاني من شلل شبه كلي لليد اليمنى وجزئي لليسرى، راحت تروي قصة “تحديها” بفرح وهي التي عرفت معنى الألم والتهميش في عائلتها. تبتسم لتقول ممازحة: “كنت أخفف من بكاء أهلي لتأثرهم بالفيلم الهندي “جانيتو” المعاق، في الوقت الذي نسوا وجود حالة مثله بالبيت “وجانيتو” حقيقي يعيش بينهم”. سعدية عزمت وهي في الثامنة عشرة من عمرها على تعلم “الكروشيه”، بالرغم من صعوبة ذلك بالنسبة لإعاقتها، فبعدما قوبلت مطالبها لشراء لوازم الخياطة والطرز بالرفض لجأت لادخار بعض النقود التي كان يمنحها لها أبوها الصياد مقابل مساعدته في ترتيب “الصنارات” ولوازم الصيد.أما اليوم، فحلم سعدية الذي يبدو بسيطا قد تحقق، فهي تمارس مهنتها بحب كبير دون عائق الإعاقة أو الشلل شبه الكلي لليد اليمنى والجزئي لليسرى، وأثناء عملها تقوم بتثبيت إبرة “الكروشيه” بين إصبعي اليد اليمنى وتترك الأخرى للإمساك بالخيط، لتشرع في عملها الذي كسبت من خلاله حب وتقدير الكثيرين.معاقة.. الأولى وطنيا في صناعة الحلوياتليلى أم لطفلين، لم تمنعها إعاقة اليدين من تحقيق طموحاتها، فقد تعلمت صنع الحلويات والعجائن والخياطة و”الكروشيه” والورد، لتلبية حاجيات منزلها. تقول ليلى: “صحيح أني معاقة ولكن مقولة الحوت يموت بعد خروجه من البحر مباشرة لا تنطبق علي”.وهي في سن الــ51 تمارس نشاطاتها اليدوية يوميا بقناعة تامة وحب كبير، فقط لتكون عبرة لابنيها وترسم لهما طريقا يعلمهما بأن الحياة عقبات وتحديات، لذا يجب إمداد اليد للتعلم بدل بسطها أو التحجج بالعجز والإعاقة.ولأن تحقيق الرغبات والأماني يبدأ بعد الإيمان بالقدر وعدم اليأس فقط، تمكنت الوالدة من الحصول على المرتبة الأولى وطنيا في إعداد الحلويات.من التفكير في الانتحار إلى الاستقرار، عبارة تلخص تجربة رابح ماضي، صاحب الــ27 سنة، الذي لازمته الإعاقة منذ ولادته. وما زاد من معاناته تهميشه وسط محيطه الأسري وحرمانه من القيام بأبسط الأشياء بالمنزل، لاسيما بعد وفاة الأم.بصعوبة، تمكن رابح من الحديث إلينا بسبب معاناته من مشاكل في النطق، فقال إنه كان يفكر في وضع حد لحياته بعدما ضاقت به الدنيا، لكنه تخلى عن الفكرة بعد أن ارتبط بفتاة معاقة وانخرط بجمعية “الأمل” للمعلقين، والتي كانت بمثابة شعاع أمل بعث حياته من جديد.خطأ طبي أوصل حيزية إلى العالميةخطأ طبي فادح كانت ضحيته حيزية وهي في سن الــثالثة، عندما بترت رجلها اليسرى السليمة، فكانت الحادثة بمثابة منعرج حقيقي في حياتها، ما جعلها تواجه في بداية الأمر صعوبات كبيرة في الاندماج في المدرسة، بعد أن رفضت مديرتها فكرة وجود معاقة ضمن صفوف التلاميذ، إلا أن نتائجها الدراسية جعلتها المفضلة لدى المديرة، وواصلت مشوارها الدراسي إلى غاية حصولها على شهادة تقني سام في التخصص الإلكتروني. وإلى جانب الدراسة، انضمت حيزية إلى فريق مولودية الجزائر لألعاب القوى في تخصص سباقي 200 و400 متر وهي في الـ18 عشر، فحصدت من خلالها 8 ألقاب كاملة، وشرفت الجزائر بالألعاب العربية الإفريقية بحصولها على المركز الأول، وقادها طموحها إلى المشاركة في مراطون الولايات المتحدة الأمريكية كممثلة وحيدة للمرأة ولفئة المعاقين من بين كل المشاركين، ونجحت في رفع الراية الوطنية. كما أحرزت حيزية المركز الثاني في نصف مراطون ألمانيا، وهي اليوم تترأس جمعية الأمل للمعاقين للاهتمام أكثر بحالة الإنسان المعاق، كون القدر أرادها أن تكون من بينهم. الإرادة نفسها واجه بها عبد النور ذو 32 ربيعا، رغم إعاقته، الصعاب بحسه الفني، فنال التكريم في عدة مناسبات وطنية ودولية. الكثير من الإرادة والأمل لمسناها عند هذه الفئة المهمشة التي تعاني في صمت ولاتزال، إلا أن الإرادة القوية والإيمان بالقدر أنار لهم سبيلا آخر للحياة ، فالإعاقة الحقيقية في الواقع هي إعاقة الفكر والعجز عن تحقيق الأحلام، ومن وراء كل معاق قصة تستحق التوقف.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات