إعلان السلطات السعودية مجموعة من التنظيمات الإسلامية "إرهابية" مع كلّ تبعات هذا التصنيف جزائياً، لا يَندرج في خانة واحدة أو ضمن هدف واحد، بل يَتوزّع على مجموعة واسعة من الأهداف، منها دفاعيّة داخلية ومنها هجوميّة خارجية، وهو عبارة عن حرب إستباقيّة شاملة ضد أخطار عدّة تواجه المملكة.أوّلاً: بالنسبة إلى شمول القرار "حزب الله الحجاز" المحظور في السعودية والذي يضمّ معارضين سعوديّين من المذهب الشيعي يتلقّون الدعم من قبل دُول إقليمية مناهضة للمملكة، فهو يَصُبّ في خانة قطع الطريق على أيّ تحضيرات لتحرّكات شعبيّة واسعة بطابع إنفصالي، حيث سيتمّ التشدّد أكثر في ملاحقة أيّ حركات معارضة، منعاً لإطلاق أيّ تظاهرات شبيهة بما حدث في أكثر من دولة عربيّة في السنوات القليلة الماضية، علماً أنّ المملكة كانت قد أجهضت محاولات داخلية عدّة في هذا الصدد، خاصة في صيف العام 2009 وفي خريف العام 2011. لكنها قرّرت اليوم، خوضَ حرب إستباقيّة أكثر فعالية وشراسة ضد الجماعات المناهضة، كما حصل في القطيف شرقي المملكة منذ بضعة أسابيع. ثانياً: بالنسبة إلى شمول القرار جماعة "الحَوثي" في اليمن (تنظيم "الشباب المؤمن" الذي أسّس سنة 1991 على يد "بدر الدين الحوثي" والذي يتمتّع بعلاقات قويّة مع طهران)، فيهدف إلى مواجهة التنظيمات المناهضة للمملكة، ومواجهة المتعاملين معها، خاصة وأنّ للسعوديّة حُدوداً مشتركة واسعة مع اليمن. تذكير أنّ بعد إرغام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على التخلّي عن السلطة، خسرت الرياض حليفاً كان يُؤمِّن إلى حدّ كبير نوعاً من الإستقرار الحدودي. ولمواجهة الفوضى السياسية والأمنية التي يشهدها اليمن حالياً، عاودت المملكة في العام الماضي إستكمال بناء جدار حدودي مع اليمن بطول 2000 كيلومتر، كانت قد بدأت تشييده عام 2003. وبالتالي، يأتي قرار تصنيف "الحوثيّين" في اليمن ضمن خطّة منع تسلّل عناصر متطرّفة إلى المملكة.ثالثاً: بالنسبة إلى شمول القرار تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، ومُطالبة الرياض السعوديّين الذين يقاتلون في سوريا بالعودة فوراً، والإعلان عن عقوبات قاسية بحق المُتخلّفين، فهو يعكس العزم على منع تكرار ظاهرة التفجيرات الداخلية التي واجهتها بعد عودة "جهاديّين سعوديّين" من أفغانستان إعتباراً من نهاية الثمانينات، ومن العراق إعتباراً من العام 2003، والتي إستهدفت في حينه مراكز أمنية وإدارات رسميّة ومقرّات دبلوماسية ومجمّعات سكنيّة وغيرها. وصار محسوماً أنّ من يعود من هؤلاء المتشدّدين إلى بلاده، بعد كل "غسل الدماغ" الذي يخضع له وبعد كل الخبرات العسكريّة التي يكتسبها، يُصبح بمثابة "قنبلة موقوتة" تٌشكّل خطراً قومياً، وبالتالي تعمل المملكة حالياً على منع الوقوع في نفس أخطاء الماضي القريب.رابعاً: بالنسبة إلى شمول القرار السعودي تنظيم "الإخوان المسلمين"، والذي يلاقي قراراً مماثلاً إتخذته مصر في كانون الثاني الماضي، فهو يدخُل في إطار الصراع السياسي والديني-العقائدي، بين أكثر من طرف وجهة في الدول العربيّة ومنطقة الشرق الأوسط عموماً. والهدف من هذا القرار محاربة أنصار التنظيم المذكور، منعاً لإنتشاره في أوساط المجتمع السعودي مع ما قد يُشكّله هذا الأمر من خطورة سياسية – دينيّة على الُحكم في الرياض وعلى العقائد الدينيّة التي ينتهجها. كما يهدف إلى محاربة من يقف وراء هذا التنظيم، مثل قطر وتركيا، في إطار صراع النفوذ الإقليمي. ويهدف أيضاً إلى توجيه رسائل حازمة إلى الدول التي تضمّ قياداتها الحالية أعضاء من "الإخوان المسلمين"، مثل تونس والمغرب. خامساً: بالنسبة إلى شمول القرار كلاً من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، و"جبهة النصرة"، فهو يدخل أوّلاً في سياق إضعاف نفوذ دول عربيّة وإقليمية مناهضة أو أقلّه منافسة للمملكة في المنطقة، في مقابل تحسين حضور السعودية غير المباشر في الصراع على الساحة السورية عبر قوى حليفة مثل "الجبهة الإسلامية". ويدخل القرار ثانياً في إطار تلبية شروط أميركيّة-غربيّة تدعو إلى قطع الدعم اللوجستي عن الجماعات الإسلامية المتطرّفة، حتى يُصبح من الممكن إعطاء "الضوء الأخضر" لوصول أسلحة نوعيّة إلى فصائل "الجيش السوري الحرّ" وجماعات معارضة أخرى غير معادية للغرب. ويمكن القول في الخلاصة النهائيّة، إنّ السعودية تعمل على التحصّن داخلياً، عبر مواجهة "حزب الله الحجاز" و"الحوثيّين في اليمن" و"القاعدة" والسعوديّين الذين يقاتلون في سوريا. وهي تعمل على الهُجوم خارجياً بالسياسة والنفوذ وحتى بالذراع الأمنيّة غير المباشرة، عبر مواجهة تنظيم "الإخوان المسلمين" ومن يقف وراءه، وكذلك عبر محاربة تنظيمي "داعش" و"النصرة" بالواسطة في سوريا. وإذا كانت نتائج خطة المواجهة الداخلية والخارجية السعودية غير مضمونة النتائج، فإنّها بالتأكيد تدلّ على الطبيعة الأمنيّة للصراع الحاد في المنطقة، والذي يبدو أنّه سيبقى مفتوحاً على مصراعيه في المدى المنظور.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات