ذكر الوزير الأول عبد المالك سلال في تيبازة في ختام زياراته لـ48 ولاية التي قام بها منذ 2012 إلى غاية مارس 2014، أن الرئيس بوتفليقة قال له “ليس من يرى بعينيه كمن يسمع”، في تلميح بأن الرئيس كان من الراغبين في خروج الوزير الأول إلى الميدان وزيارة الولايات ولم يكن يعارض ذلك. فهل جاءت زيارات سلال بمحض إرادته؟ أم أملتها الوضعية الصحية للرئيس بوتفليقة الغائب منذ خطاب سطيف في ماي 2012أعطى عبد المالك سلال الانطباع بأن زياراته للولايات كانت في سياق رغبته في “العمل الجواري” لحكومته، ولم يجد أي صعوبات في خرجاته إلى الولايات التي قال إنه “لم يسبقه إليها أحد من رؤساء الحكومات السابقين”، في تحطيم رقم زيارة 48 ولاية التي أنهاها الأسبوع الفارط في ولاية تيبازة. فهل حقا أن الرئيس بوتفليقة لم يكن يعارض مبدأ خروج الوزير الأول لزيارة الولايات؟ أم أن الترخيص الذي تحصل عليه سلال دون غيره من رؤساء الحكومات السابقين في عهد بوتفليقة، دفعت إليه الوضعية الصحية للرئيس وعدم قدرته على الحركة مثلما كان عليه في العهدتين السابقتين؟أجمعت مصادر متطابقة مقربة من 3 رؤساء حكومات سابقين أن الرئيس بوتفليقة منذ صعوده إلى سدة الحكم، كان يضع الزيارات إلى الولايات ومقابلة المواطنين والأعيان من المهام “الحصرية” التي لا يسمح بأن يزاحمه فيها أي أحد، خصوصا من طرف رؤساء الحكومات. وتجسد ذلك بوضوح خلال فترة رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور الذي حاول برمجة زيارات إلى الولايات في سياق تنفيذ برنامج الحكومة، غير أنه سرعان ما تم محاصرته في هذه الخطوة. واستُفيد من مصادر مقربة أن بن بيتور بعد تعيينه رئيسا للحكومة برمج لإجراء بـ3 زيارات في الشهر إلى الولايات، وبالفعل زار ولاية عين الدفلى، وكان يريد زيارة سطيف ووهران، لكن الرئيس بوتفليقة كان يسبقه إليها ويقطع الطريق أمامه، وكانت تلك بالنسبة لبن بيتور بمثابة رسالة تدعوه إلى ضرورة البقاء في قصر الدكتور سعدان وعدم الخروج منه. كما أفادت مصادر مقربة من رئيس حكومة سابق كان من المقربين للرئيس أن هذا الأخير كان “يتقزز” عندما يطلب منه الخروج في زيارة إلى الولايات، وكان يرفض خروج رؤساء الحكومات إليها، لأنه كان يرى في مثل هذه الزيارات محاولة للتغطية على شعبيته وخطف الأضواء منه، ولذلك عمل طيلة عهداته السابقة على الانفراد بها دون غيره من رؤساء الحكومات. وحسب المتتبعين، فقد تكرست هذه الحصرية أكثر في عهد رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى الذي كان يضطر حتى في زياراته للولايات في إطار نشاطه الحزبي كأمين عام للأرندي، للتوضيح بأنه جاء حاملا “قبعة” الأمين العام وليس رئيس الحكومة الغائب. واقتنع رؤساء الحكومات السابقين، مثلما أجمعت مصادر متطابقة، بأن الزيارات للولايات خط أحمر بالنسبة للرئيس لا يجوز لهم تجاوزه أو الاقتراب منه. لكن لماذا تمكن سلال من زيارة 48 ولاية في ظرف قياسي والتقى فيها مع الأعيان والمجتمع المدني، وهو ما كان مقتصرا على رئيس الجمهورية فقط؟بدأت زيارات سلال إلى الولايات بتسمية زيارات فجائية، وكانت البداية من ورقلة في 2012، أي بعد الخطاب الشهير للرئيس في ماي من نفس السنة بسطيف الذي قال فيه “جيلنا طاب جنانو”، وكان يومها الحديث يدور حول تعديل الدستور وتعيين نائب الرئيس، بعدما قلت نشاطات الرئيس حتى البروتوكولية منها وظهور بارز لمظاهر التعب، قبل أن تشهد هذه الزيارات زيادة في وتيرتها وعددها، بحيث كانت واحدة في الأسبوع لتصل إلى 3 ولايات في أسبوع واحد أحيانا، خصوصا منذ الوعكة الصحية للرئيس في 27 أفريل الفارط وعدم قدرته على الحركة والكلام، الأمر الذي حول زيارات سلال من تنفيذ برنامج الرئيس إلى تجسيد حضور الدولة لتعويض غياب الرئيس، قبل أن تتحول إلى حملة انتخابية مسبقة بعد ترتيب أوراق العهدة الرابعة ولا شيء غير ذلك، بدليل أن الحكومة التي تفتخر بإنجازاتها لم تقدم بيان السياسة العامة مثلما ينص عليه الدستور إلى البرلمان، رغم وعد سلال بذلك على المباشر.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات