كفاكم ضحكا على ذقون الجزائريين.. الرئيس في قوانين الدول العليا وأعرافها ليس أبا.. وما ينبغي له أن يكون أبا.. هو مجرد موظف مدين لشعبه الذي كلفه بهذا المنصب وشرفه به، وهو الذي يدفع له راتبه، ويقرر في كل موعد انتخابي تغييره أو الإبقاء عليه.لقد هالني وأنا أسمع الوزير الأول في زيارته لإحدى الولايات، وهو يقول أن بوتفليقة هو رب الأسرة وأبو الجزائريين جميعا. خطاب غارق في الماضوية التي كان يحتكر فيها الحاكم الديكتاتور كل السلط، حتى تلك التي تنشأ بالغريزة والوجدان، فكان يُصور على أنه أبو الشعب الذي لا يمكن الاستغناء عنه أو تغييره إلا بعد موته.الرئيس ليس أبا، لأن الأبوة فطرة مزروعة في الإنسان لا دخل لنا فيها بالاختيار، فهي مفروضة علينا بحكم البيولوجيا وتتحكم فينا بقوة العواطف وسلطانها على النفس التي تحن دائما إلى أبيها، أما الرئاسة في الدولة الديمقراطية التي يتشدق بها مسؤولونا، فهي قرار واختيار أغلبية الشعب، لا سلطان فيه لأحد على أحد، ولا جبر فيه من قوي على ضعيف.الرئيس ليس أبا، لأن الأب في عرفنا وثقافتنا وتاريخنا، لا يحاسب من أبنائه حتى وإن لم يرعهم حق الرعاية الواجبة عليه، فعاطفة الأبوة تقضي بالغفران والسماح، ولا دين بين أب وابنه في مال أو ثروة، أما الرئيس فتربطه بالشعب قوانين وأحكام لا مجال فيها لعاطفة أو مداهنة، إن أخطأ أو أجرم يُحاسب بسلطان القوانين التي جاءت به رئيسا.الرئيس ليس أبا، لأن للعائلة أعرافها وتقاليدها، وجرم الخروج عن طاعة الأب كبيرة، والعاق لا سعد في دنيا ولا فاز في آخرة، بينما طاقة الشعب في الصبر على الرئيس محدودة، إن أخلف وعوده سئموا منه، وإن ظلم وعاث في الأرض فسادا ضاقوا به وتمنوا رحيله، وإن تمادى في غيّه ثاروا عليه وأطاحوا به غير آسفين على مصيره ونهايته.الرئيس ليس أبا، لأن الآباء مخلدون في الدنيا، يروي أبناؤهم سيرهم بعد مماتهم، متناسين كل سيئاتهم، ومسترجعين فقط أمجادهم، أما الرؤساء فحكم التاريخ عليهم قاس إن أساؤوا، ولعنته تلاحقهم حتى في قبورهم، فكم من رئيس ادعى الأبوة فانتهى به الحال إلى مزبلة التاريخ.من أجل كل ذلك، اسمحوا لي ألا أعترف إلا بأب وحيد لي، أما بقية الآباء، فأنا أتقرب إلى الله بعقوقهم إن أخطأوا في حقي. والحديث قياس.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات