إن المجتمع يشكو عادة من وجود أدنى الأخلاقيات على مستوى كل العلاقات الاجتماعية التي تكون الكيان الإنساني الذي يكوِّن هو بدوره الأمة، أو من قلة هذه الأخلاقيات على الأقل. لذلك تلاحظ أن أخلاقيات التجاور وأخلاقيات التجارة وأخلاقيات السياسة وأخلاقيات الاقتصاد وأخلاقيات الناس وغيرها تعاني كلها من الرداءة والكراهية وفقدان الموضوعية، فالممارسة الاجتماعية تكاد تكون مفقودة كذلك، الشيء الذي جعل عدة عادات وعدة طقوس جزائرية محضة تزول وتضمحل بطريقة نهائية. ذلك أن المجتمع تغير بطريقة جذرية وتحول من بنيان ريفي إلى بنيان حضري صعب ومتشعب و«سكيزوفريني”، وهذا التغيير عادي جدا، نظرا لما عرفته الجزائر من تحولات جذرية على كل المستويات.لكن كان على الكيان العام أن يعوض أخلاقيات الماضي المطبوع بالعقلية الريفية بأخلاقيات معاصرة مطبوعة بالتصرفات المدنية والمتحضرة، ولكن لم تفلح هذه الثورة الذهنية وبقيت الذهنيات بصفة عامة تطغى عليها الجلافة والعنف والعنجهية وروح التمرد السلبي وعدم احترام الآخر، لا في البيت ولا في الشارع ولا في الأزقة الضيقة.وفي فترة معينة حاولت على سبيل المثال مجموعة من الصحافيين تأسيس مرصد لأخلاقيات المهنة الصحفية، وذلك في بدايات صدور الصحافة الحرة التي كانت آنذاك تنقصها الخبرة والتجربة، خاصة أن بعد الأخطاء وبعض السلبيات بدأت تبرز على صفحات الجرائد، وقد نجح هذا المرصد في الأخير في “تطهير” هذه السلبيات خاصة عندما كانت تقذف المواطن الجزائري العادي، أي المواطن “فلان”، كما نجح في فرض فلسفة جديدة ونظرية جديدة جعلت الصحافيين الشباب يقتدون بهذا الدليل ويطبقونه في حياتهم اليومية بطريقة إيجابية.ولكن الملاحظ من حين لآخر صدور هفوة أو انزلاق من طرف بعض الصحافيين الشباب الذين ينسون قواعد اللعبة وتغرهم الإثارة ويبهرهم “السكوب”، فيرتكبون زلات رهيبة وأخطاء فادحة ويهدون حياة الشخص المقذوف! وكثيرا ما تمضى هذه الانزلاقات، وهي في بعض الأحيان خبيثة، وساذجة مرات أخرى بأسماء مستعارة نكن لها كل الحب وكل الاحترام لأنها تمثل رموزا عاطفية وسياسية لكل الشعب الجزائري، ومثل ذلك اسم “الكاهنة” الذي استعمل أخيرا ودُنس كذلك لأنه استعمل لتغطية عملية خبيثة وثقيلة، والكل يعلم أن الكاهنة كانت شجاعة، فهذا على سبيل المثال فقط.أما الأخلاقيات الأخرى ومن بينها الأخلاقيات السياسية فقد سقطت في الحضيض وأصبحت شيئا آخر، أي أنها تحولت إلى مستنقع مُلئ بالترَّهات والخزعبلات، وملئ كذلك بشقاء الشعب وحزنه وأسفه على بلاده التي دخلت مرة أخرى في إعصار الجنون والتفاهة، فأصبحت معرضا للكوارث مرة أخرى؟!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات