كشف، ليلة أمس الأول، القائمون على “نبني”، مبادرة جديدة في سياق جملة المقترحات التي تم إطلاقها والتي تشمل مبادئ عامة لإعادة بناء حوكة جديدة واقتصاد متوازن وفاعل وإرساء علاقة بين الدولة الحديثة والمواطن.وحدد اللقاء الذي نظم بمطعم البوسفور بمشاركة صحفيين وخبراء، إلى جانب القائمين على مبادرة “نبني”، المنطلقات والمبادئ التي يرتكز عليها المشروع الجديد والذي يتلخص في ستة أسس لبلوغ دولة القوانين، وهي الاستقلال عن الريع والمسؤولية أمام المواطنين والانفتاح وعدم الإقصاء وضم كافة المواطنين والاستماع إليهم وإرساء الشفافية، وأخيرا اعتماد مقاربات ورؤى إستراتيجية.وركز القائمون على المبادرة على المشاريع السابقة التي تم إطلاقها منذ ثلاث سنوات، حيث أشاروا إلى أن نداء 2014 جاء بعد نقد ذاتي ومقترحات لأفكار وإسقاطات، ساهمت في بلورة أفكار، مؤكدين أن المفهوم المركزي يكمن في الحوكمة والوصول إلى دولة القوانين عبر الأسس الستة المعتمدة في النداء الجديد لـ«نبني”، والذي يطبق منها كل شهر مبدأ واحد، بداية بالانفصال على الريع الذي أثر سلبا على التسيير وعلى الاقتصاد، مشددين على أهمية النظر في كيفية معالجة الدول الأخرى للمشاكل التي تعاني منها الجزائر، من بينها البلدان المنتجة للمحروقات مثل النرويج، ولكن أيضا الدول التي واجهت تراجعا في مواردها من المحروقات مثل المكسيك واندونيسيا، وتلك التي بدأت تسير على وقع التنويع مثل الإمارات العربية، والتي بنت اقتصادياتها على أسس متنوعة مثل ماليزيا.ونبه القائمون على مبادرة نبني إلى ضرورة استشراف المستقبل ووضوح الرؤية لتحديد الآفاق، وبالتالي التأكيد أننا أمام إمكانية الاصطدام بجبل جليدي يشكل عامل صدمة كبير، وأن الضرورة تقتضي إعادة النظر في أدوات وآليات التسيير وتصحيح الأخطاء والمراجعة في حالة التأكد من أن المسار خاطئ قبل حلول الاصطدام، وبالتالي حدوث الصدمة، خاصة إذا تم التأكد بأن السياسات المعتمدة لا تفي بالغرض.فالجزائر سجلت تأخرا كبيرا في المجالات الصناعية وإمكانية تنويع بنية اقتصادياتها على المدى القصير غير متاحة، كما أن وتيرة التغيير لا تتيح إحداث نقلة جديدة للابتعاد من التبعية للريع النفطي، وكلما كانت عمليات التصحيح طويلة كلما كان من الصعب تدارك التأخر وتصليح الاختلالات، وطالما كان الريع متاحا بالقدر الذي يترأس لنا بأنه كافي، كلما تم التركيز على الآني مع التغاضي عن الغد.وشدد القائمون على المبادرة على أن الجزائر قريبة من منطق ما يعرف بالعقدة الهولندية، أي من الفترة التي فقد فيها هذا البلد ثرواته الطاقوية التي كان يعتمد عليها كأساس للتنمية، مشيرين إلى أن التعود على وضع سهل من خلال الثروة المنتجة من المحروقات يجعل التغيير صعبا والأمر القائم أسهل. وتعاني الجزائر عدم القدرة على تطوير بدائل صناعية، على غرار ما قامت به المغرب مثلا، والتي قامت بتحويل واستقطاب صناعات السيارات والطائرات، وبالتالي سجلت تقدما سريعا، بينما سيكون من الصعب على الجزائر تدارك التأخر لتطوير صناعة فعلية للسيارات بعد سنوات عديدة نكون أمام صدمة الأزمة، التي بدأت مؤشراتها الأولية تبرز من خلال تدني ثم عجز ميزان المدفوعات، نتيجة تراجع الإيرادات الناتجة عن المحروقات.وأكد المتدخلون في اللقاء على أن اعتماد سياسات الدعم وتدخل الدولة يزيد من النفقات، وبالتالي لا يضمن أي ضوابط في مجال الإنفاق والموازنة، وبالتالي تغيب أسس ومبادئ الحوكمة، لأنه من السهل الإنفاق دون مراقبة، ولا يتم الضبط والمراقبة إلا في ظل وجود ضغوط مثل الأزمة ووجود نماذج لدول فاعلة ومتطورة بجوارك، وعليه خلص القائمون على المبادرة إلى ضرورة إرساء قواعد لضبط النفقات، حتى ولو تطلب ذلك اعتماد مادة في الدستور والمساءلة والالتزام بتغيير المسار أو توقيفه، إذا تأكد بأنه خاطئ، فتوفر الموارد والدعم ومسح الديون يوفر الظروف المثلى لتشكل جماعات مصالح، وبالتالي يجعل التغيير صعب المنال.وكلما ازداد اللجوء إلى الريع، كلما كان من الصعب المراجعة والتصحيح، وكلما تضاعفت التجاوزات والأخطاء على حساب المساءلة ودولة القانون والحوكمة، وكلما تم التفكير فقط في الحاضر، مع تجاهل ما يمكن أن يحدث في الغد ما دام ما هو قائم اليوم سيختفي غدا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات