لا يمكن تصور سيناريو أفضل من الذي نعيشه منذ أسابيع، سيناريو مسيرة لا يراد لها أن تخرج من دائرة استخدام الخوف واستغلاله للدلالة على وطنية المتمسكين بالحكم. تم استخدام هذه الوصفة مرارا، منذ الانقلاب على شرعية الحكومة المؤقتة صيف 1962، وربما قبل ذلك التاريخ بسنوات، أيام التحضير للتخلص من عبان رمضان، وما يمثله من مشروع. لم تكن وصفة سحرية إلا للذين تمكنوا من الحكم، ووظفوها لأغراض متفاوتة لتحقيق مصالح، فشلت أو كانت هي بعيدة، من أن تجنب البلد الوقوع، وبشكل آلي، في أزمات سياسية خانقة. فالعبرة بالنتائج وعنوان النتيجة التي نقرأها اليوم بالبنط العريض تقول “الدولة في خطر”. لكن، منذ متى لم تكن الدولة في خطر؟ وما هو رأي أولئك الذين يرفعون شعار أن حصيلة 15 عاما جاءت بالاستقرار للدولة. فكيف يفسرون بناء إستراتيجية الدعاية للعهدة الرابعة على “الخوف من التهديدات”؟ أليس هذا نوع من الاعتراف بالفشل في تحقيق أحد أكبر أهداف وعود حملة 1999؟ما لم تحققه الجزائر منذ الاستقلال، في مجال تنقية أجواء الثقة في المجتمع، لن تحققه في الخمس سنوات القادمة. والسبب غير مرتبط باستحالة المهمة، بل لخلل في تجسيد توافق وطني يقوم على الإقناع والرضا. وعكس ذلك، نعيش دائما تحت سماء الوصاية التي تفكر وتقرر نيابة عن المجتمع. وعندما تلجأ إلى الانتخابات، تستخدمها لتلف بها قرارا تم اتخاذه مسبقا، في ما يشبه انتخابات مغلقة بين أصحاب القرار. لقد جعلتنا التجربة الانتخابية ضيوفا على سلطة، تعرف ما تريده (البقاء في الحكم). ولهذا تستفرد بتنظيم كل الانتخابات. واليوم مثل التجارب الانتخابية السابقة، تحدد السلطة قواعد تنظيم النتائج قبل أن تفكر في الانتخابات نفسها. واليوم مثل الأمس، هملنا وسط الصراعات، وكانت الحيرة على الوجوه، ترتسم كبسمة. قد نتساءل لماذا يصمت الرئيس، مدة تزيد عن الأسبوعين؟ فالمدة كانت كافية لضخ الزيت على نار صراع بين المتناقضات المتحالفة على مشروع خاو من أي برنامج تنموي.. لماذا الصمت؟ لم يكن بيان الرئيس موجها للعامة. كان غامضا، وكان ملهبا للشك ومثيرا لمشاعر الخوف. لقد دفعت الجزائر 15 سنة من عمرها من أجل الحصول على بيان بهذا التركيب، وهذا الأسلوب في إدارة اتجاه “الريح الباردة”. لم يأت البيان ليوضح، جاء بالغموض على غموض. تفادى عن قصد التوجه مباشرة إلى مفجر الأزمة، ودخل في حوار بالرموز مع “المتقاعدين” من المؤسسة العسكرية.فهل تتحقق العهدة الرابعة، وتتأجل المنافسة، أو يعتزل الرئيس ويترك المنافسة مفتوحة بين المتنافسين، وبين ابني النظام، حمروش وبن فليس؟ فالأول ينتظر اعتزال الرئيس ليدخل هو، والثاني دخل السباق فعلا، ويبدو هادئا واثقا من إمكاناته. ما تمر به الجزائر لا يتوافق مع حجم الآمال التي يحملها الشعب منذ عقود. وتفضح هذه الأزمة بعدنا عن قدرة التوجه إلى المستقبل، بنظرة صافية. فبالخوف نسيج الحاضر وتركنا المستقبل للأقدار. سيأتي يوم يقرأ فيه أحفادنا، في مادة التاريخ، ما ضيعه أجدادهم من فرص من أجل العودة إلى مسار الذين يصنعون تاريخهم بإنجازاتهم. نعيش داخل منطقة ملتهبة، مربوطة ومجرورة بحبل التبعية. وإن كانت العوامل الخارجية وأحوال المحيط تهدد وتؤثر على نوعية الاستقرار الداخلي، فهي لا تلغي مبدأ إمكانية نجاح السياسي المحلي في فرض رؤية للمستقبل، متكئا على دعم شعبي عفوي، وهو دعم لا يشترى، يأتي من القلب، بلا أمر ولا خوف ولا تهديد[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات