كم من الغموض أزالت رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في المشهد السياسي الملتبس في الجزائر، وكم من الوضوح أضفت على المشهد نفسه، كم سحبت من مساحة من الضباب الذي يخيم على أفق البلد، وكم ألقت من الأسئلة في رصيد المستقبل. بداية، كنا نود كشعب يتطلع كل فرد فينا للترشح لمرتبة مواطن، أن نسمع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يتطلع لعهدة رابعة ونراه يتحدث إلينا، بالذي يدور في البلد، وبالذي في الصدور، أما وقد اختار الرئيس أن يتحدث إلينا عبر الرسائل والبرقيات، وبواسطة برقية إلى ڤايد صالح مرة، وعبر وزير المجاهدين مرة، وعبر أمينة نذير في نشرة الثامنة في التلفزيون مرة أخرى، فليكن.لا أود الخوض في سجال مشروع حول من كتب رسالة الرئيس، لكني أعتقد أنه لا يفترض في مؤسسة الرئاسة أن تتحدث للشعب من وراء حجاب، لا يفترض في الرئيس إلقاء رسائل متخمة بالبلاغة والكناية والمجاز والتلميح والاستعطاف، استعراض اللغة لا ينجز المهام، والبلاغة لا تحل المشكلات، والكناية لا توضح الأسماء كالأسماء نفسها، والدول لا تدار بالرسائل والبرقيات.ما أصدره بوتفليقة كان البيان رقم واحد لوزير الدفاع، تاليا للبيان صفر في برقية التعزية، أكثر مما كان رسالة رئيس، تماما كالبيانات التي تصدرها القيادات العسكرية في حالات الحروب والقلاقل الداخلية، لإنهاء القتال في “جبهات الصحف” و«سواحل القنوات”، والصيد في الوحل، فعمار سعداني كان الطعم والسمكة الصغيرة التي ألقتها فرقة “العهدة الرابعة”، لكن تلك السمكة لم تكن الطعم المناسب، لم تكن مغرية حتى للتذوق، ولم تكن كافية لإخراج الحوت من مخدعه.ما أصدره وزير الدفاع بيان لوقف “القصف ببراميل الهواء”، أطلقها سرب يقلع من منصات قريبة من الرئيس نفسه، فجماعة الرئيس هي التي تكتكت، وهي التي هاجمت، وجماعة الرئيس هي التي بدأت وحدها المباراة، والرئيس هو الذي أعلن نهاية المقابلة، الرئيس وجماعته لعبوا وحدهم، لكنهم لعبوا في ميدان ليس ميدانهم، وفرقة الكومبارس التي يقودها كبير الطبالين أدت الرقصة في غياب الجمهور، ولعبت المقابلة قبل بداية وقتها الرسمي، ومن يلعب قبل الوقت يتعب، من يلعب بعد الوقت يضيع، يفوز من له النفس الطويل.بيان وزير الدفاع أشبه ما يكون بمناورة الحماية المدنية لإطفاء حريق وهمي، ففي البيان رسم لبلد على شفير الحرب وجيش على حافة الانقسام، لكن عندما يقول وزير الدفاع أن البلاد وصلت إلى مرحلة الخطر، تتصاعد حمى الأسئلة، من أوصل البلاد إلى حافة الخطر والمخاطر والمحاذير، من أوصل البلد إلى هكذا حد من الهزال السياسي، من أوصل الجزائر إلى مرحلة صار فيها الطبال مفتيا في السياسة، والسياسي خبير متفجرات، ووزير الشؤون الدينية كهّانا في أجور الأساتذة يعرف حلالها من حرامها، من أوصل البلد إلى أن تحولت إلى سوق للأراجيف الجارفة، ودكان لبيع الأعشاب والشائعات، وشارع صحافة وكشك لبيع التبغ، من حول البلاد إلى صالون شاي على سيجارة مارلبورو.لم تجب رسالة الرئيس عن قلق الجزائريين الذين تقتلهم القنطة ويغرقون في أزمة حليب، ولم يطفئ بيان وزير الدفاع حيرة الناس، لكنه وزع سحبا من الضباب، وزرع غيمة من الغموض وألقى بأسئلة[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات