الوطن

سلسلة أحداث صنعت وغذّت انحراف عساكر باماكو

تسلك السلطات العسكرية مالي، منذ أقل عامين، مسارا تصعيديا سكان شمال البلد، الأزواد، ومع الجزائر، ظلت تعمل لرأب الصدع البلد الشقيق.وبدأت ملامح الأزمة.

  • 28047
  • 2:38 دقيقة
سلسلة أحداث صنعت وغذّت انحراف عساكر باماكو
سلسلة أحداث صنعت وغذّت انحراف عساكر باماكو

تسلك السلطات العسكرية في مالي، منذ أقل من عامين، مسارا تصعيديا مع سكان شمال البلد، الأزواد، ومع الجزائر، التي ظلت تعمل لرأب الصدع في هذا البلد الشقيق.

وبدأت ملامح الأزمة تتشكل في العلاقة بين البلدين، عندما قرر المجلس العسكري وقف العمل باتفاق السلم والمصالحة بشكل أحادي، يوم 26 جانفي من العام الماضي، بحجة أن حركات الأزواد في الشمال خرقت بنوده.

وفجأة، بعد أسابيع قليلة، اتهمت باماكو الجزائر بـ "رعاية الإرهاب"، في إشارة إلى استقبال قادة الحركات الأزوادية، وأيضا المعارض البارز، الشيخ محمود ديكو، الذي ساهم بشكل كبير في إسقاط حكم أبو بكر كايتا، الأمر الذي أثار حفيظة الجزائر وشكل مفاجأة، كون الأخيرة عملت لسنوات من أجل مكافحة الإرهاب في الساحل.

ولا يمكن الحديث عن العلاقات بين الجزائر ومالي، من دون الإشارة إلى تدهور العلاقة بين باماكو والأزواد، بعد أن كانت في زمن الرئيس المُنقلب عليه، أبو بكر كايتا، شبه عادية وتتجه تدريجيا، بالرغم من بطئها وعثراتها، إلى تجسيد جل بنود وثيقة السلم.

غير أن الانقلاب العسكري أخّر المسار التصالحي وجمّده إلى أجل غير مسمى، وظل يترنح على وقع وعود الحكام الجدد باستئنافه، بمجرد بسط سلطتهم على البلاد وبلوغ الاستقرار.

ومع مرور الوقت، اكتشف قادة الأزواد أن السلطات العسكرية الانتقالية لا تنوي الوفاء بوعودها، بحسب تصريحات منسقها، محمد المولود رمضان، وإنما "تناور لكسب مزيد من الوقت لتثبيت أقدامها في دفة الحكم"، ليتأكد ذلك أثناء مشاورات سن الدستور الجديد، عندما رفضت السلطة العسكرية طلب الأزواد دسترة اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر سنة 2015، كما كان متفقا عليه.

وبعد سنة اتسعت الهوة بين الطرفين وانقطع الاتصال، وصار لكل منهما منهجه وتصوره في إدارة العلاقة والتعاطي مع وثيقة السلم، إذ تبادلا الاتهامات بخرق الاتفاق، ولوّح كل منهما بالعودة إلى العمل المسلح، لتتطور التهديدات إلى استفزازات عسكرية بسرعة، ثم تحولت إلى مواجهات، استعان فيها الجيش المالي بمرتزقة "فاغنر" الروس، واستفاد من دعم وتسليح بعض القوى الأجنبية.

ومنذ استقبال رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، سنة 2023، قادة تنسيقية الحركات الأزوادية المنضوية في الإطار الاستراتيجي الدائم والسلم والأمن والتنمية، المعروف اختصارا بـCSP-PSD، وأيضا وفد من السلطات العليا المالية، انطلاقا من أن الجزائر رئيسة فريق الوساطة الدولية، وإطلاق أول التنبيهات بأن مستقبل الوثيقة في خطر، ظل المجتمع الدولي مكتوف الأيدي ولم يتحرك، تاركا البلد الجار ينزلق نحو مستنقع العنف.

وكانت كل المؤشرات والمفردات المستعملة التي تأتي من باماكو تباعا، توحي بأن القطيعة بين الجهات الموقعة على الوثيقة، بدأت تلوح في الأفق، وبدأت الأزمة تتشكل في المنطقة، بينما ظلت الجزائر تدعو إلى الحوار في كل مرة.

غير أن رسائل ودعوات التهدئة لم تكن تمر بسلاسة، كما لو أن ثمة "يدا خفية" سدّت آذان قادة مالي الجدد، وسرّعت في وتيرة اللجوء إلى الخيار العسكري في الشمال.

وبلغت مالي نقطة اللاعودة، بعد تصنيف السلطات الانتقالية الأطراف الموقعة على اتفاق السلم والمصالحة في قائمة "الإرهاب"، وكذا استعداء مكونات سياسية معارضة، وإطلاق تصريحات واتهامات خطيرة ضد الجزائر من منبر الأمم المتحدة، على لسان وزيرها للخارجية.

وأخيرا، تبني الجيش المالي أسلوب إرسال طائرات دون طيار تنفذ مهام مشبوهة وضربات على مسلحي سكان الشمال، بالقرب من الحدود المشتركة، من دون التنسيق مع القوات الجزائرية، ثم ذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ اخترقت الـ"درونات" المجال الجوي الجزائري عدة مرات، مثلما أفاد بيان لوزارة الخارجية، أمس الإثنين، آخرها منتصف ليلة عيد الفطر، التي كانت هدفا لقوات الدفاع الجوي عن الإقليم وتم إسقاطها.

وترتب على كل هذه الأحداث، أمس، اتخاذ الجزائر قرارا بغلق مجالها الجوي أمام الملاحة الجوية القادمة والذاهبة إلى مالي.

التواصل الاجتماعي

Fermer
Fermer