
38serv
يظهر جليا أن المنظمة الدولية للفرانكفونية، تخطط وتسعى للحفاظ على العلاقات مع شعوب دول الساحل، رغم انسحاب حكوماتهم بصفة رسمية العام الجاري، من الكيان الذي تأسس سنة 1970، ويضم حاليا 54 دولة عضوة، وسبعة أعضاء منتسبين، و27 دولة بصفة مراقب. ويلعب هذا الكيان دورا رئيسيا في نشر اللغة الفرنسية وتعزيز التعاون بين الدول الناطقة بها.
وذكرت دراسة نشرت، أول أمس، بعنوان "مغادرة دول الساحل لمنظمة الفرانكفونية.. خلفيات وتبعات"، أن المتحدثة باسم المنظمة الدولية للفرانكفونية، أورياك فانديويغي، "لم تستبعد استمرار التعاون مع تلك الدول"، موضحة أن "الأمين العام للمنظمة طلب رأي الدول الأعضاء لمعرفة كيف يمكن لـ"الفرانكفونية" أن تظل منخرطة مع شعوب هذه الدول؟".
وبررت المنظمة موقفها، وفق معد الدراسة التي نشرها "مركز الجزيرة للدراسات"، بـ"لدينا مشاريع قائمة.. فهل يجب أن يُحرم انسحاب النيجر منها، بينما الفرانكفونية تهتم بالمجتمعات الفرانكفونية، حتى في البلدان غير الأعضاء"، معتبرة أنه "لا يوجد سبب لإنهاء هذا التعاون"، تضيف المنظمة على لسان الناطقة باسمها.
وشخصت الدراسة ما وصفته بالخلفيات غير المباشرة التي قادت إلى القطيعة، علاوة على الخلفيات المباشرة التي تمثلت في اعتبار اتحاد دول الساحل أن المنظمة الدولية للفرانكفونية "طبقت العقوبات بشكل انتقائي، بناء على اعتبارات جيوسياسية منذ حدوث التحولات السياسية في الدول الثلاث، وتجاهل المنظمة لسيادة هذه الدول، مما جعلها أداة سياسية بدلا من أن تكون داعمة لتحقيق التطلعات المشروعة لشعوبها".
أما الخلفيات غير المباشرة، وفق الورقة التحليلية، هي رغبة السلطات العسكرية في كل دول الساحل في التحرر من كل رموز الاستعمار الفرنسي، بعدما سحبت القوات الفرنسية التي كانت مرابطة في بلدانها، بل وكل القوات الأجنبية المرابطة فيها بما فيها القوات الأوروبية والأمريكية.
وضمن الخلفيات أيضا، في نظر الباحث، أن "السلطات العسكرية تعيب على فرنسا أنها طرف في مشكلاتها الوطنية، فتتهمها بلعب دور مزدوج في حربها على الإرهاب والإرهابيين، إذ تقف مع حكوماتها علنا، وتقف مع الإرهابيين خلف الستار"، كما تتهمها بـ"استنزاف ثرواتها من الاستعمار وإلى ما بعد استقلال بلدانها".
ويعتبر الحكام الجدد أن القادة السابقين "تآمروا مع فرنسا ضد شعوبها طيلة عقود بعد الاستقلال، وذلك حفاظا على كراسيهم، فهي ترى في نفسها اليوم مخلّصا لشعوبها من هذه الآثار".
فالسلطات الجديدة، إذن "لا ترغب في البقاء تحت أية مظلة تجمعها بفرنسا"، غير أن ذلك قد يشكل تصادما مع رغبة المنظمة في الإبقاء على العلاقات مع شعوب المنطقة، بالرغم من أنها لم توضح ولم تفصح عن أشكال وآليات هذا التصور.
وتوقعت الدراسة أن انسحاب هذه الدول يمثل "خسارة كبيرة للفرانكفونية، كونها تشترك في خصائص مع الدول الأعضاء، مثل التاريخ الاستعماري، والروابط التجارية، والممارسات القانونية، مما يمكن أن يسهل التبادلات التجارية والاستثمارات بين هذه الدول".
وعليه، وفق الوثيقة البحثية، سيكون لانسحاب دول الاتحاد الإفريقي للساحل "تأثير على الشراكات الثقافية والتعليمية والرياضية والفنية، وكذلك على الدعم المالي الذي سيضع حدا لمشاريع متعددة ممولة لصالح الشباب"، لكنها مشبعة بالثقافة الفرنسية على حساب الثقافات المحلية، برأي مراقبين.
ووفقا لتقرير المنظمة لعام 2022، تصل المساحة الاقتصادية للفرانكفونية إلى 16% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و20% من التجارة العالمية، وتمثل ما يقرب من 15% من الموارد الطاقية والمعدنية في العالم. كما تضم دول الفرانكفونية العديد من الدول الناشئة، خاصة في غرب ووسط إفريقيا، التي تشهد نموا اقتصاديا سريعا.
كما استشرفت الدراسة "تراجع استخدام اللغة الفرنسية، لصالح اللغات المحلية (مثل البامبارا والفولانية وغيرهما)"، لكن هذا قد "يواجه تحديات لوجيستية، مثل نقص المواد التعليمية باللغات المحلية أو الحاجة إلى إعادة هيكلة الأنظمة التعليمية"، الى "جانب تراجع المنح الدراسية أو برامج تدريب المعلمين".
وأشارت الدراسة الى إمكانية مواجهة النخب المثقفة المعتمدة على الفرنسية في انتاجاتها الثقافية "صعوبات في التكيّف مع التحول نحو اللغات المحلية وقلة فرص المشاركة في الفعاليات الثقافية"، الأمر الذي قد يعزز "التحول بذلك نحو تعزيز العلاقات مع المنظمات الإفريقية مثل الاتحاد الإفريقي أو الدول الناطقة بالإنجليزية أو العربية".
ولم تستبعد الورقة ظهور قنوات إعلامية بلغات محلية، أو تُعزز استخدام العربية في سياق التقارب مع العالم العربي.