
شهدت الجزائر تطورًا لافتًا في قطاع الإسكان خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفع عدد الوحدات السكنية إلى أكثر من 10.5 مليون وحدة بنهاية 2022 وبداية 2023، بزيادة 2.9 مليون وحدة مقارنة بعام 2012. كما انخفض معدل الاكتظاظ من 4.46 شخص/مسكن في 2019 إلى 4.25 في 2023، مع توقعات بأن يصل إلى 4.18 بنهاية 2024، في وقت تشير التقديرات إلى أن الحظيرة السكنية ستتجاوز 12 مليون وحدة مستقبلًا، مع جملة المشاريع المرصودة.
إنجازات مسجلة في 2020-2024 بـ1.7 مليون وحدة باستثمار 35 مليار دولار
وقد أشار وزير السكن والعمران والمدينة، محمد طارق بلعريبي، خلال مشاركته في مؤتمر الإسكان العربي الثامن، إلى أن الجزائر حققت إنجازا كبيرا بتوزيع 1.7 مليون وحدة سكنية من مختلف الصيغ بين 2020 و2024، بغلاف مالي بلغ 35 مليار دولار. وأوضح أن هذه الوحدات شُيّدت بمواد بناء محلية 100%، وزُوِّدت بكافة التجهيزات والبنى التحتية اللازمة.
وأشار الوزير إلى أن سياسة الإسكان في الجزائر ليست مجرد توفير مأوى، بل مشروع وطني إستراتيجي يهدف إلى تحسين مستوى معيشة المواطن وتعزيز العدالة الاجتماعية، معتبرًا أن القطاع أصبح إحدى ركائز مخطط عمل الحكومة.
اكتفاء ذاتي في مواد البناء وطفرة في الإنتاج المحلي
بالمقابل، حققت الجزائر اكتفاءً ذاتيًا في مواد البناء، حيث بلغت طاقات الإنتاج السنوية 40 مليون طن من الإسمنت، و6 ملايين طن من حديد الخرسانة، و40 مليون طن من الآجر، إلى جانب 210 مليون متر مربع من الخزف، و4.6 مليون متر مربع من الرخام والغرانيت. كما ارتفعت مساهمة قطاع البناء والأشغال العمومية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 12.9%، مما يعكس ديناميكية القطاع وتأثيره الإيجابي على الاقتصاد الوطني.
وقد تميزت سياسة الإسكان الجزائرية بتنوع العروض لتلبية احتياجات مختلف الشرائح الاجتماعية، حيث شملت الإنجازات الرئيسية بين 2019 و2023، بنحو 215.790 وحدة سكن عمومي إيجاري (موجه للدخل المحدود)، و61.364 وحدة سكن ترقوي مدعم (لذوي الدخل المتوسط)، إلى جانب 372.541 وحدة سكن بيع بالإيجار "عدل"، و294.056 وحدة سكن ريفي.
وفي إطار تعزيز الآليات التمويلية، تم تحويل الصندوق الوطني للسكن إلى البنك الوطني للسكن في 2022، مما سهل ولوج المواطنين والمطورين إلى قروض سكنية ميسرة، كما خصصت البنوك أكثر من 400 مليار دينار لدعم برنامج "عدل 3".
بالمقابل، تم رصد خطة طموحة 2024-2029 بـ2 مليون وحدة سكنية جديدة، كشف وزير السكن عن إطلاق برنامج خماسي جديد (2024-2029) يهدف إلى إنجاز مليوني وحدة سكنية، في إطار إستراتيجية شاملة لمواكبة النمو الديموغرافي وتحسين مؤشرات الرفاهية.
تطور الحظيرة السكنية
وحسب تقديرات المجمع الجزائري لخبراء البناء والمهندسين المعماريين، أن الحظيرة السكنية في الجزائر بلغت خلال 2014 حوالي 7 ملايين وحدة سكنية، مشيرا إلى أن الجزائر سنة 1966 كانت تضم 1,979 مليون وحدة سكنية وفي 1977 تم إحصاء 2,349 مليون وحدة سكنية، وانتقلت سنة 1987 إلى 3,235 مليون وحدة سكنية، وأصبحت 4,068 مليون وحدة سكنية، وبلغت 5,726 مليون وحدة سنة 2008، ووصلت إلى نحو 7 ملايين وحدة سكنية خلال العام 2014،
وكشف تقرير المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CNESE) عن التقدم الكبير الذي حققته الجزائر في مختلف المجالات بين عامي 2019 و2023، بما في ذلك تنويع الاقتصاد، ودعم القدرة الشرائية، ومكافحة الفقر، وتحسين مستوى عيش السكان، مع تركيز خاص على قطاع الإسكان، وأشار التقرير إلى أن هذه الفترة شهدت سياسة طموحة لمواكبة الطلب المتزايد على السكن وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
إزالة السكنات الهشة وتعزيز التجديد الحضري
تميزت هذه السياسة بتنفيذ برنامج طموح للقضاء على السكن غير اللائق، حيث تمت إزالة ما يقارب 45,000 وحدة سكنية غير صحية خلال أربع سنوات، مما يعكس عزم السلطات على مواجهة هذه المشكلة، في إطار إستراتيجية أوسع للتجديد الحضري.
تنوع عروض السكن لتلبية الاحتياجات
سلط التقرير الضوء على تنويع البرامج السكنية المقدمة، حيث شملت الإنجازات الرئيسية، وقد بلغ عدد السكنات المنجزة بمختلف الصيغ مجتمعة 1.152.599 وحدة سكنية ما بين 2019-2023. وبالموازاة مع ذلك، بلغت الوحدات المخصصة 1.250.647 وحدة في فترة 2020-2023.
فبخصوص صيغة السكن العمومي الإيجاري (الاجتماعي) الممولة من طرف الدولة بالكامل، والموجهة للأسر ذات الدخل المنخفض، فقد بلغ مجموع السكنات المنجزة 215790 وحدة ما بين 2019-2023، فيما سلمت 404888 وحدة ما بين 2020-2023.
أما بخصوص صيغة الترقوي المدعم، المخصصة لذوي الدخل المتوسط بمساهمة شخصية بـ20 بالمائة وقرض مخفض من 1 إلى 3 بالمائة ممول من الخزينة العمومية، إضافة إلى مساعدة مباشرة من طرف الصندوق الوطني للسكن، فقد بلغت السكنات المنجزة ما بين سنتي 2019 و2023 مجتمعة 61364 وحدة، فيما سلمت 56275 وحدة ما بين 2020-2023، من بينها 14075 في 2023 لوحدها.
ووفقا لذات التقرير، بلغ عدد السكنات المنجزة بصيغة البيع بالإيجار "عدل" التي تسمح بالحصول على سكن عومي ممول مع إمكانية التملك لاحقا وفقا لشروط، 372541 وحدة ما بين 2019 و2023، فيما بلغ عدد السكنات المسلمة 427850 وحدة، منها 123850 وحدة مسلمة في 2023 لوحدها.
وسجلت السكنات المنجزة بصيغة الترقوي العمومي الموجهة للأسر التي يتراوح دخلها الشهري ما بين 6 إلى 12 أضعاف الأجر الوطني الأدنى المضمون، تطورا بين سنتي 2019 و2023، حيث تم تسجيل 23687 وحدة سكنية منجزة بهذه الصيغة السكنية، فيما بلغت السكنات المسلمة 9166 وحدة ما بين 2020 و2023.
أما برنامج السكن الريفي الرامي إلى استقرار السكان، من خلال توفير سكن لائق مقابل مساهمة مالية، فقد واصلت الوحدات المسلمة بهذه الصيغة الارتفاع منذ سنة 2019، حيث سجلت ما بين 2019-2023 ما مجموعه 294.056 وحدة منجزة، مقابل 229.309 مسلمة ما بين 2020 2023، من بينها 63309 تم تسليمها في 2023. وبلغ عدد السكنات المنجزة في إطار صيغة البناء الذاتي 37947 وحدة ما بين 2020 و2023، فيما بلغت المسلمة 119343 وحدة، 31343 في 2023 لوحدها، تضيف الوثيقة.
وعلى هذا الأساس، فقد تراجع معدل شغل السكنات من 4,46 نسمة لكل وحدة سكنية في 2019 إلى 4,25 عام 2023، فيما توقع التقرير أن تنخفض النسبة إلى 4,18 بنهاية العام الجاري 2024.
توسيع الحظيرة العقارية وتحسين مؤشرات الرفاهية
أسهمت السياسة النشطة في مجال السكن في ارتفاع الحظيرة السكنية وعدد المساكن إلى أكثر من 10.5 مليون وحدة نهاية سنة 2022 وبداية 2023 (بزيادة 2.9 مليون مقارنة بعام 2012)، كما انخفض معدل الاكتظاظ من 4.46 شخص/مسكن في 2019 إلى 4.25 في 2023، مع توقعات وصوله إلى 4.18 بنهاية 2024 وتقدير الحظيرة السكنية بأزيد من 12 مليون سكن.
وفيما أشارت التقديرات الإحصائية إلى امتلاك الجزائر 10.5 ملايين وحدة سكنية بمعدل إشغال 4.46 شخصا لكل مسكن مع غلبة ملكية المساكن، فيما قدرت نسبة التملك العقاري 74.8% على المستوى الوطني (72.5% في المناطق الحضرية بينما تبلغ نسبة المستأجرين 10.4%، 13.4% في المناطق الحضرية).
تعزيز الآليات التمويلية
دعمًا لهذه الجهود، قامت السلطات بتحويل الصندوق الوطني للسكن إلى البنك الوطني للسكن سنة 2022، مما عزز البنية المصرفية الداعمة للقطاع وسهّل ولوج الأفراد والمطورين إلى التمويل، ويعتبر البنك الوطني للإسكان ثمرة تحول الصندوق الوطني للسكن (مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري) إلى مؤسسة مصرفية رأسمالها 80 مليار دج في شكل شركة مساهمة.
ووفقا لتقديرات بنك الجزائر، فإن القروض الممنوحة من قبل بنوك الساحة للأسر تمثل 12 بالمائة من إجمالي القروض الموجهة للاقتصاد، وأن 90 بالمائة من إجمالي القروض التي تحصل عليها الأسر هي قروض عقارية، علما أن نحو 1.081.863 من الأسر استفادوا في 2023 من قروض، وبلغت قيمة القروض من جانفي إلى سبتمبر 2023 نحو 1.185,46 مليار دينار.
وأولت الجزائر أهمية كبيرة لقطاع السكن منذ الاستقلال، وذلك بتمويل المشاريع السكنية بمختلف الصيغ من الخزينة العمومية وإنجازها بواسطة هيئات عمومية. ورغم هذه المجهودات المعتبرة، إلا أن الدولة مع التزايد السكاني وتغير أنماط المعيشة، دفعها للبحث عن بدائل بإشراك القطاع الخاص في نشاط الترقية العقارية، فظهر أول قانون ينظم هذا النشاط وهو القانون 07/86 المؤرخ في 04/03/1986 المتعلق بالترقية العقارية، ثم المرسوم التشريعي رقم 03/93 المؤرخ في 03/01/1993 المتعلق بالنشاط العقاري، في ظل توجه الدولة نحو تبني سياسة تقوم على الاقتصاد الحر والمبادرة الفردية والتخلي تدريجيا عن احتكار الدولة لمجموعة من القطاعات، لاسيما قطاع الخدمات، ثم عوض بالقانون 04/11 المؤرخ 17/02/2011 المتعلق بالترقية العقارية والمحدد للقواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية ومجموعة من المراسيم التنظيمية، والذي جاء بأحكام جديدة أكثر صرامة، خاصة سياسة شاملة تراعي الفئات الاجتماعية، وقد نصت المادة 5 من القانون أنه يخضع نشاط الترقية العقارية في مجال التصميم والتهيئة والبناء للقواعد العامة للتهيئة والتعمير والبناء المحددة في التشريع المعمول به وكذا أحكام هذا القانون، ولا يمكن تشييد أي مشروع عقاري يتناقض مع مضمون مخططات التهيئة والعمران المصادق عليها قانونا.
وتميزت هذه الإستراتيجية بقدرتها على تقديم حلول سكنية ملائمة لشرائح المجتمع المختلفة، مع مراعاة التفاوت في الدخول وتوفير صيغ متنوعة تلبي احتياجات كل فئة.
سياسة شاملة تراعي الفئات الاجتماعية
تميزت هذه الإستراتيجية بقدرتها على تقديم حلول سكنية ملائمة لشرائح المجتمع المختلفة، مع مراعاة التفاوت في الدخول وتوفير صيغ متنوعة تلبي احتياجات كل فئة. وفي سياق عمليات الدعم والتمويل، أعلن رئيس الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية، محند بوراي، أن البنوك خصصت أكثر من 400 مليار دينار لدعم برنامج عدل "3".
وكشف وزير السكن عن تسجيل 460 ألف وحدة سكنية بمختلف الصيغ في إطار قانون المالية لسنة 2024، من بينها 230 ألف سكن ريفي، وفي جلسة استماع أمام لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، أوضح بلعريبي أنّ البرنامج يتضمن 210 ألف وحدة سكنية بمختلف الصيغ، أضيف إليها 250 ألف وحدة سكنية (100 ألف سكن عمومي إيجاري و150 ألف سكن ريفي) التي أقرها السيد رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 25 أكتوبر الماضي، وبالتالي بلغ إجمالي البرنامج المسجل 460 ألف وحدة.
ويتوزع هذا البرنامج السكني 130 ألف سكن عمومي إيجاري (الاجتماعي)، 20 ألف سكن ترقوي عمومي، 230 ألف سكن ريفي و80 ألف تجزئة اجتماعية، وسيسمح إنجاز المشاريع المقررة في هذا الإطار بتخفيض نسبة معدل أشغال السكن (TOL) إلى 4.18 بنهاية 2024 مقابل 4.25 بنهاية 2023، وينتظر أن يتراجع إلى 4.12 بنهاية 2025.
ولتجسيد مختلف برامج قطاع السكن العام المقبل، تضمّن قانون المالية لـ2024 رخص التزام بقيمة 1104.32 مليار دج، أي زيادة نسبتها 100 بالمائة مقارنة بـ2023، واعتمادات دفع بقيمة 564.313 مليار دج. وبحسب البرامج، تتوزع هذه الميزانية على برنامج السكن الذي خُصّص له 711.79 مليار دج كرخص التزام، و313.52 مليار دج كاعتمادات الدفع، وهو ما يشمل البرنامج الجديد لإنجاز 460 ألف وحدة سكنية.
وتتضمّن هذه الميزانية برنامج التعمير والتهيئة بـ84.476 مليار دج كرخص التزام، و60 مليار دج كاعتمادات دفع، موجّهة لإنجاز الطرقات والأشغال المختلفة ومشاريع التحسين الحضري، وبرنامج المدن والمدن الجديدة بـ16.8 مليار دج كرخص الالتزام، و34 مليار دج كاعتمادات الدفع، موجّهة للتكفل بخمس عمليات جديدة تتعلق بأشغال التهيئة على مستوى المدن الجديدة لسيدي عبد الله، بوعينان، ذراع الريش وعين النحاس وعلى منجلي.
وقدر عدد السكنات المستلمة عام 2023 بـ330647 وحدة سكنية بمختلف الصيغ، بينها 150 ألف وزعت بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ61 لعيد الاستقلال و130 ألف وحدة بمناسبة الذكرى الـ69 لعيد الثورة، ما رفع حصيلة السكنات المستلمة منذ جانفي 2020 إلى 1250647 وحدة سكنية بمختلف الصيغ. وتطلّب تجسيد المشاريع المستلمة أو التي في طور الإنجاز، ما يفوق الـ25 مليارا للمحافظة على الطابع الاجتماعي للسكن.