
أكد مترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الكورية، أ.د/ حامد تشوي يونغ كيل، أستاذ الدراسات الإسلامية واللغة العربية في كوريا الجنوبية، في حوار مع "الخبر"، أن دخول الإسلام إلى كوريا الجنوبية في خمسينيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن تطور الدين الإسلامي وثقافته في كوريا الجنوبية بفضل تبرع الحكومة الكورية بأرض لبناء مسجد سيئول والكلية الإسلامية، مؤكدا وجود 24 مسجدا حاليا. حول فكرة ترجمته القرآن الكريم للغة الكورية، والتحديات التي واجهته، وانتشار الإسلام والثقافة العربية وغيرها تجدونها في هذا الحوار...
بداية.. كيف ومتى أشهرتم إسلامكم؟
أسلمتُ عام 1970م على يد الأستاذ الدكتور حامد الخولي؛ وهو مصرى مبعوث من قبل المملكة العربية السعودية لتدريس اللغة العربية بجامعة هانكون لدراسات اللغات الأجنبية، وكنتُ طالبا عنده. وذات يوم طلب مني أن أصطحبه إلى مسجد مؤقت في سيول وأجلسني خلف المصلين. وبعد الصلاة دعاني إلى إمام المصلين وطلب منى أن أقول ما يقول ثم أعطاني الأستاذ اسمه "حامد"، وأصبح اسمي "حامد تشوي يونغ كيل".
تخرجت في الجامعة بعد أن أكملت دراستي والخدمة العسكرية الإجبارية... وكانت العلاقات بين كوريا الجنوبية والمملكة العربية السعودية قد بدأت، وجاء أول سفير سعودي إلى كوريا، فدعاني إلى مكتبه وسألني: هل تريد أن تدرس في المملكة العربية السعودية؟ قلت: نعم. فقال سأدبر لك لك شيء.
باعتباركم أول شخصية كورية تُتَرجِم معاني القرآن الكريم، كيف جاءتكم فكرة ترجمته؟
سافرت إلى السعودية والتحقت بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1976م. وكان أصعب شيء واجهته هو كيف يمكنني أن أحفظ القرآن الكريم؟ كان شيئا صعبا للغاية، بل مستحيلا بالنسبة لي، لدرجة أنني فكرت في أن أترك الدراسة وأعود إلى كوريا. لم أكن قد حفظت سوى سورة الفاتحة والإخلاص وسورة الكوثر للصلاة فقط.
وفى محاولة التغلب على الصعوبات التى أواجهها، أخذتُ أكتب الآيات بالترتيب على أوراق صغيرة، كل آية أكتبها أسأل عن معناها وأترجم المعنى إلى اللغة الكورية لتساعدني على الحفظ. وبهذه الطريقة وجدتني أحفظ وأترجم في وقت واحد.
لم تكن فكرة ترجمة معانى القرآن الكريم تخطر على بالي. فالذي كان يهمني هو الحفظ ومعرفة المعنى للمساعدة على الحفظ. ثم حدث أن تعرفتُ على الشيخ عمر عبد الله كامل الذي قد تبرع في ذلك الوقت بإنشاء مركز في جدة لتعليم الإسلام للكوريين الذين يعملون في المملكة العربية السعودية، وكان عددهم فى ازدياد، وكانوا يريدون أن يعرفوا شيئا عن الإسلام.
دعاني الشيخ عمر عبد الله كامل إلى بيته، واقترح علي أن أقوم بترجمة معاني القرآن الكريم إلى الكورية تلبية لرغبة الكوريين المقيمين بالسعودية والذين يريدون أن يعرفوا الإسلام، فقال لي أن هذه رسالة نبيلة وعمل جليل ينبغي أن أقوم به، فطلبتُ مهلة للتفكير.
ما التحديات التي واجهتكم خلال ترجمتكم لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الكورية؟
الحقيقة أنني أحسستُ بالخوف والرهبة من ألا أكون دقيق في ترجمتي لمعاني القرآن الكريم. فهذه مسئولية كبيرة. لكن تشجيع الشيخ عمر عبد الله كامل جعلني أتوكل على الله، وأطلب منه العون للقيام بهذه المهمة التى استغرقت مني خمس سنوات. وبعد مرور خمس سنوات تم طباعتها 1417هـ في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة.
كم دامت فترة ترجمتكم لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الكورية؟
خلال الخمس سنوات التي انشغلت فيها بترجمة معاني القرآن الكريم، كنت أقوم بعمل محاضرات للكوريين الذين يعملون بالسعودية بناء على طلبهم من الشركات الكورية العاملة بالسعودية، وكانت محاضراتي عن اللغة العربية والإسلام... وفي ذلك الوقت أسلم على يدي أكثر من ألف شخص كوري.
متى دخل الإسلام إلى جمهورية كوريا الجنوبية؟ وكم تبلغ نسبة المسلمين؟
أما دخول الإسلام في كوريا الجنوبية، فمن المعلوم أن الحرب الكورية قد أعلنت في 25 يونيو 1950م، وبعد خمس سنوات من استقلال كوريا وتحريرها من الاحتلال الياباني الذي دام 36 سنة، دعت الأمم المتحدة الدول الأعضاء بها إلى الدفاع عن كوريا، فأرسلت ستة عشرة دولة قوات برية وجوية، نذكر من بينها الدولة التركية التي أرسلت قواتها لتشارك في القتال الدائر بين كوريا الجنوبية والشمالية.
وفي 27 يوليو 1953م، توقفت الحرب الكورية بتوقيع اتفاقية الهدنة، إلا أن الابتهاج الوطني العام سرعان ما نغص حين أصبح تقسيم أراضي الوطن على طول خط عرض 38، حقيقة واقعة، وأعلن عن قيام دولة شيوعية في الشمال سنة 1948م.
يعني دخول الإسلام إلى كوريا الجنوبية كان بفضل الجنود الأتراك ولم يكن قبله؟
القرآن الكريم والحديث الشريف والسيرة النبوية وأحداث ووقائع التاريخ كلها تؤكد أن الإسلام عام لكل البشر. ويمكن القول أن دخول الإسلام في كوريا الجنوبية كان على يد الجنود الأتراك الذين أتوا إلى كوريا لمساعدتها في حربها ضد كوريا الشمالية. كما كان لاهتمام الدول العربية والإسلامية والتجار المسلمين الأثر الطيب في ازدياد عدد المسلمين في كوريا.
وقد وجدت أن أهم الديانات في كوريا هي الشامانية والبوذية التى توغلت في سياسة الحكام وثقافة الشعب، والكونفوشوسية والمسيحية. وبجانب العلاقات التجارية بين كوريا والعرب في الماضى فكان هناك ما يدل على وجود علاقات ثقافية بينهما رغم صعوبة القول أن هذه العلاقات الثقافية كانت مباشرة وإنما تمت عن طريق الصين.
وعن الاتصال الأول بين الكوريين والمسلمين الصينيين فهو اتصال فرضته الظروف السياسة العسكرية التي كانت سائدة في البلاد في ذلك الوقت، إذ احتلت اليابان الصين وسيطرت على كوريا، مما حدا ببعض الكوريين إلى الهروب من هول الجيوش اليابانية إلى منشوريا في الصين، وهو أول اتصال مباشر لكوريين يعيشون بين مسلمين بخلاف. وما حدث في كوريا هو عيش جماعة تركية مسلمة بين المجتمع الكوري والتي أتت لمساعدة كوريا في حربها ضد الشيوعية.
ما العوامل التي ساعدت على تعريف الكوريين بالإسلام؟
من العوامل التي ساعدت على تعريف الكوريين بالإسلام وثقافته بعض العوامل المعنوية والمادية للحكومة الكورية وكذلك الارتباط الاقتصادي بين كوريا والعالم العربي والإسلامي وكذلك المعونات المادية من قبل التجار المسلمين والهيئات المسلمة التي ساعدت على تأسيس المراكز الإسلامية في كوريا وكذلك الجهد الطيب الذي قام به الشيخ عمر عبد الله كامل في تعريف الكوريين بالإسلام وثقافته سواء عن طريق المركز الثقافي الإسلامي بجدة أو العمل على ترجمة الكتب الإسلامية إلى اللغة الكورية. ومن تلك العوامل أيضا تدريس اللغة العربية والثقافة الإسلامية ببعض جامعات كوريا. وأعمل على نشر مقالات حول الإسلام في الجرائد والمجلات الكورية.
كيف ينظر الكوريون إلى الإسلام؟
نلاحظ أنه في كوريا توجد كافة الأديان، فيمكن اعتبار كوريا مستودعا لأديان متنوعة ابتداء من الديانات القديمة من تشوندوكية والشمانية إلى البوذية والكونفوشوسية والمسيحية ثم الإسلام.
وفي بيان أصدرته وزارة الثقافة الكورية عن أوضاع الأديان في كوريا، أن عدد الأديان قد بلغ سبعة ومائتين دينا ونسبة المعتقدين في الأديان تبلغ 7،77% من عدد السكان الكوريين. وقد تأثرت جميع هذه الأديان بالفلسفات الحديثة وخاصة الغربية منها.
وصل الإسلام إلى كوريا الجنوبية بصفة محددة في عام 1955م عن طريق الجنود الأتراك الذين ذهبوا إلى هناك ليشاركوا في القتال الدائرين كوريا الجنوبية والشمالية. وقد بدأ الإسلام ينتشر بين السكان بمشيئة الله تعالى ثم بفضل اهتمام الدولة العربية والإسلامية وحكومة كوريا الجنوبية ومساعدتها ثم بفضل جهود التجار وأصحاب الأعمال المسلمين الأجانب خاصة. أما كوريا الشمالية فأصبحت دولة شيوعية لا تعترف بأى دين من الأديان.
وتم بناء أول المسجد والمركز يوم 21 مايو عام 1976م، وقد شارك في افتتاح هذا المسجد والمركز واحد وخمسين مسلما من كبار العلماء بالدول الإسلامية. وبعد مسجد سيئول جاء دور بوسان المدينة الثانية الكبرى بعد العاصمة للقيام فيها بمسحد جامع ثان ومركز إسلامي آخر تم افتتاحهما برعاية الحكومة الكورية. ثم أقيم مسجد ثالث في مدينة كوانغجو في يوم 18/6/1981م. وهكذا بدأ الإسلام ينتشر شيئا فشيئا ويزداد توسعا حيث تميل إليه قلوب الكوريين.
تطور الإسلام وثقافته بكوريا الجنوبية، على سبيل مثال أن الحكومة الكورية تبرعت بأرض لبناء مسجد سيئول وبناء الكلية الإسلامية. وتم بناء أول مسجد على الأرض التى تبرعت بها الحكومة الكورية بمساعدات مالية من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وليبيا ودولة الكويت ودولة قطر. ويوجد حاليا أربعة والعشرون مسجدا مع نهاية 2024م.
ما مدى إقبال الشعب الكوري على تعلّم اللغة العربية والدين الإسلامي؟
من الاعتقاد أن للترجمة دورا مهما في تعريف حقيقة الثقافة الإسلامية ونشرها، كذلك الترجمة ونشاطها هو إحدى الوسائل الهامة التى تربط الثقافات معا، خاصة الثقافة الإسلامية وتفاعلها مع الحضارات الأخرى، وتساهم الترجمة في حوار الحضارات وتبادل الثقافات.
في الواقع الشعب الكوري يتعرف على العرب والثقافة الإسلامية عن طريق الكتب المترجمة، فوسائل الإعلام لا تتحدث عن الثقافة الإسلامية، ولا يدرس في أية مدرسة، لذا نوفّر الكتب الإسلامية المترجمة ترجمة صحيحة، فالكتب المتوفرة في كوريا كلها متأثرة بالثقافة الغربية التي تشين الثقافة الإسلامية والعرب وتجعل منهم إرهابيين. ونقوم بتوزيع وتوفير الكتب المترجمة الصحيحة في كل المكتبات العامة ودور النشر حتى يتسنى للكوريين أن يتعرفوا على صورة الثقافة الإسلامية الصحيحة لا كما تصوّرها الثقافة الغربية، مع تصحيحنا للمفاهيم الخاطئة المجمدة في العقول منذ بعيد.
هل يواجه الشعب الكوري صعوبة في فهم حقيقة الإسلام؟
لقد تأثر الشعب الكوري بالثقافة البوذية والكونفوشيوسية والنصرانية. وقد حققت المسيحية في أقصى شرق آسيا ومنها في كوريا الجنوبية خاصة إنجازات ملموسة في عملها التبشيري وحركة ثقافتها، فمنعت المسلمين من الحركات الثقافية الإسلامية في كوريا، وفوق ذلك كله سوء فهم للثقافة الإسلامية فيها، فما زال كثير من الشعب الكوري يفهمون الثقافة الإسلامية على أنه دين الإكراه وتعدد الزوجات والعقوبة القاسية، وكتب المدارس الثقافية مملوءة بمثل هذه الافتراءات والتشويهات.
على سبيل مثال، إن الله من أوثان العرب التى يعبدونها وإنه إله يعبده المسلمون فقط، والعياذ بالله. وتقول جريدة "دونغآه" اليومية إن القرآن هو تعليم محمد، وتقول في عدد آخر سابق إن الحرب القتالية التي تدور في الشرق الأوسط عامة والحرب بين إسرائيل والعرب خاصة ترجع إلى خصام بين الله الذي يعبده العرب وإله آخر الذي يعبده الإسرائيليون. وتقول جريدة "جوسون" اليومية إن المسلم قد أكل لحم الخنزير الذي أمامه أكثر مما يجب سرا، ومات بسبب كثرة أكله، والمسلم الآخر مات بسبب عدم أكل لحم الخنزير خوفا من عيون الناس. ويقول بعض المؤرخين في كوريا "إن الدين الإسلامي أنشأه محمد، والقرآن هو مجموعة أحاديث محمد بعد وفاته جمعها تلاميذه. ويقول كتاب يعدّ مرجعا عن الإسلام "إن الإسلام دين يعبد الحجر الأسود في الكعبة".
ومن إزالة سوء فهم للثقافة الإسلامية ومن أجل تصحيحها، بدأتُ أن أقوم بترجمة الكتب الإسلامية إلى اللغة الكورية بناء على تعليم القرآن الكريم، قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}.
هل تُعرّف القارئ بالأستاذ تشوي يونغ كيل؟
الدكتور تشوي يونغ كيل (حامد)، أستاذ الدراسات الإسلامية واللغة العربية ومترجم كوري جنوبي، أول من ترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الكورية. حصلت على "ليسانس" اللغة العربية وآدابها و"الماجستير" من جامعة هانكوك لدراسات اللغات الأجنبية عام 1970-1975م. ثم استكملت دراساتي بكلية أصول الدين والدعوة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة كطالب من 1976-1980م. ثم تحصلت على درجة الدكتورة في الدراسات الإسلامية بجامعة أم درمان الإسلامية بالخرطوم 1986م.
عملتُ مدرسا بمركز التعليم الإسلامي الذي أسسه الشيخ عمر عبد الله كامل بجدة أثناء إقامته للكوريين المقيمين هناك، وكنت أقوم بالتجول في مقر أعمال الشركات الكورية بالمملكة العربية السعودية أثناء إقامتي هناك لتدريس مبادئ الإسلام وذلك تحت إشراف الجامعة الإسلامية ومركز الدعوة والإرشاد بالمدينة المنورة. كما اشتغلتُ أستاذا زائرا لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض بين عام 1982-1983م، وأمينا عاما لاتحاد المسلمين الكوريين ورئيس مجلس اتحاد المسلمين الكوريين. ثم انتخبت عضوا تنفيذيا للمجلس الإقليمي للدعوة الإسلامية بمنطقة جنوب شرقي آسيا والمحيط الهادي.
تقلّدتُ منصب عميد كلية العلوم الإنسانية في جامعة ميونغجي – سيول، عاصمة كوريا الجنوبية. والرئيس الحالي لصندوق هبة الإسلامي الكوري، وعضو المجلس الأعلى العالمي للمساجد برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
ألفتُ 131 كتاب من ترجمات ومؤلفات إسلامية، منها: ترجمة معاني القرآن الكريم وطباعتها (مع النص العربي) في مجمع الملك، حياة محمد صلى الله عليه والسلم لمحمد حسنين هيكل، الرحيق المختوم للشيخ صفي الرحمن المباركفوري، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم باللغة الكورية، الأحاديث النبوية، رياض الصالحين، حقوق غير المسلمين في بلاد الإسلام للدكتور صالح حسين العايد، قصص الأنبياء والرسل، مختصر صحيح البخاري، الحلال والحرام في الإسلام للشيخ يوسف القرضاوي، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة للأستاذ محمد بن إبراهيم التويجري،... إلخ.
نلتُ مديالية من رئيس جمهورية كوريا بارك جونغهي سنة 1970م، وجائزة من قبل لجنة سيئول الأولمبية الآسوية عام 1986م، وجائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة في الدورة الثانية 2008م، ووسام من رئيسة جمهورية كوريا بارك كونهيو لخدمة الوطن ومجتمعه عام 2013م، ووسام "نوكجو كونجونغ" لخدمة التعليم والتدريس 2014م من الحكومة الكورية، وجائزة RAISEP في ماليزيا 2023م. وجائزة الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة 2023م، وجائزة الملك فيصل العالمية لعام 2023م.