38serv

+ -

بينما تحرص فرنسا على مبدأ الفصل بين السلطات داخل البلد، الذي يتجسد في استقلالية القضاء، لا ترى حرجا في طلب تعطيل أو الدوس على هذا المبدأ القانوني والسياسي المقدس في الديمقراطيات الغربية على مستوى الجزائر، من خلال المطالبة بإطلاق سراح الكاتب الفرانكو - جزائري، بوعلام صنصال، وجعله قضية رأي عام، وكل وسائل الإعلام تتحدث عنها، على أساس أنها قضية حرية تعبير، في حين تتغاضى عن قضايا شبيهة في الأقاليم الفرنسية ما وراء البحار، لأنها تتعلق بمعارضين ونشطاء.

ويتواجد صنصال في السجن على خلفية تصريحات صحفية وفيديوهات ومراسلات اعتبرتها السلطات في الجزائر واقعة تحت طائلة قانون العقوبات، وأدين على أساسها بخمس سنوات حبسا نافذا، الخميس الماضي، بعد تحقيق قضائي استمر منذ نوفمبر الماضي.

ويتجلى هذا "التناقض" في تعاملات السلطات الفرنسية، في قضية وزير الصناعة الأسبق، عبد السلام بوشوارب، الذي رفض القضاء الفرنسي تسليمه للقضاء الجزائري، بالرغم من وجود اتفاق تعاون قضائي مبرم بين البلدين سنة 2019، وأيضا في حالة الناشط السياسي، رشيد نكاز، الذي قال، أمس، في لقاء صحفي مع "راديو سود"، إن "ما صدمه هو لا أحد من السياسيين أو الصحفيين أو الحقوقيين أو المثقفين في فرنسا تحدثوا عني بكلمة واحدة لما أودعت السجن، بالرغم من أني مولود في فرنسا وحملت جنسيتها 40 عاما"، في حين، يضيف نكاز، "أشاهد تسونامي سياسيا وإعلاميا حول بوعلام صنصال الذي اكتسب جنسيته منذ عام".

وتابع نكاز أنه أطلق سراحه بالاستفادة من عفو رئاسي من قبل الرئيس، عبد المجيد تبون، لافتا إلى أن القضاء في فرنسا يومها استغل الفرصة وأدانه بـ18 شهرا حبسا نافذا، وحجز كل أملاكه وجمّد كل حساباته.

وأشار نكاز إلى أنه في الجزائر تسير الأمور بدبلوماسية أكثر منها بالقبضة الحديدية، مستبعدا أن تشهد قضية صنصال هذه المقاربة.

واستدل نكاز من أجل توضيح "تناقضات" السلطات الفرنسية، برخصة إقامة محددة بثلاثة أشهر، بالرغم من أن لديه أملاكا تسمح له باستصدار وثائق إقامة عادية، في حين يستفيد من تسهيلات إدارية في الولايات المتحدة.

وتظهر هذه الازدواجية بجلاء أيضا، في وسائل الإعلام الفرنسية التي تشتغل بـ"ميكانيك" أو "براديغم" واحد، عندما يتعلق الأمر ببوعلام صنصال، أو بالمهاجرين الجزائريين أو بمزدوجي الجنسية أو بالجزائر عموما، إذ يتشابه أسلوب جل المنشطين في المعالجة وفي إدارة الحصص والأسئلة والمنطلقات الفكرية التي ينطلقون منها، خلال محاورة ضيوفهم، ممن لا يقاسمونهم نفس التصور.

وبعيدا عن مناقشة مسألة مدى استقلالية القضاء المتفاوتة من بلد إلى آخر، والمتدنية أو المنعدمة في الكثير من بلدان العالم الثالث، فإن خرق مبدأ استقلالية القضاء وتجاهله من قبل دولة تطبقه بنسبة عالية، وتدعي أنه مقدس عندها، يشكل عيبا أو سقوطا مدويا، قياسا بالدول الفتية التي "تتدرب" على تجسيد وتكريس هذا المبدأ، الذي يستدعي بلوغه مسارا طويلا وثمار عقود من النضال والعمل، وليس قرارا سياسيا يُتخذ في لحظة تأثر بأفكار جهابذة الفكر السياسي الحديث، وبالحداثة وما بعد الحداثة.

وعلى صعيد قانوني، وبمجرد أن طالب ماكرون ومحيطه السياسي بإطلاق سراح صنصال، بناء على دواع إنسانية، حتى تعددت الأسئلة حول المسوغات القانونية التي تسمح بذلك في حالة صنصال، خلال عيد الفطر الحالي، وهو أمر مستبعد، مادام أن الحكم السالب للحرية الذي أدين به صنصال ليس نهائيا، ولا يزال قابلا للاستئناف، حتى تمر مهلة 10 أيام، بدءا من الخميس الماضي تاريخ النطق بالحكم.

وفي حالة استئناف الحكم، سواء من قبل المتهم أو وكيل الجمهورية، الذي طالب بتسليط عقوبة 10 سنوات، يظل إصدار العفو بشأن صنصال مستبعدا وخارج الحسابات.

كلمات دلالية: