هكذا بدأ "مّا مسعودة" وأنهى فغولي مسيرته الفنية

+ -

بدأ حمزة فغولي فن المسرح أواخر ستينات القرن الماضي مع أقرانه، وكان أول ظهور له مطلع السبعينات، في فعاليات أسبوع ثقافي نظمته بلدية تيارت بساحة الشهداء، حضره عدد من الفنانين الكبار من بينهم الفنانة الراحلة نورة والفنان عبد القادر شاعو وغيرهما، وصعد حمزة على الركح  في عرض هزلي "سكاتش" رفقة الفنان المحلي المرحوم  مصطفى بلعربي (الذي يحمل المعهد البلدي للموسيقى بتيارت اسمه)، يدور حول منازلة في الفن النبيل بأسلوب مرح خطف فيه أنظار الفنانين ضيوف المهرجان، لكن فرصة العمر كما يقال، جاءته تزامنا وقدوم حصة الحديقة الساحرة في بداية السبعينيات، لما كانت تجوب الولايات لتحط الرحال بتيارت، وعرفت قبل ذلك الموعد بثنائية الفنانين محمد يكاش "حديدوان" وعاشور غولي "حميد".

غير أن هذا الأخير تغيب عن الحضور في عرض تيارت، إثر تعرضه لحادث مرور أفقده القدرة على الظهور، ليتلقى حمزة عرضا للمشاركة مع "حديدوان" في عرض بقاعة سينما "كازينو" الواقعة بقلب مدينة تيارت، وليذهب بسرعة البرق إلى مسكنه العائلي الواقع بحي "القليزية" على بعد أمتار قليلة عن قاعة العرض (المسكن الذي شيعت منه جنازته اليوم) ليحضر خمار "فولارة" ، وشاح وعباءة  والدته، لتظهر شخصية "ما مسعودة" وتعني "أمي مسعودة" لأول مرة على ركح قاعة سينما "كازينو"، وهي تمثل الأم الأمية التي لا تعرف القراءة ولا الكتابة لكنها تجيد تربية ابنها "حديدوان" المشاكس، ومعه الجمهور الواسع من الأطفال (حضوريا وعن بعد) الذين يحضرون العرض المصور بالقاعة أو ببيوتهم عن طريق شاشة التلفزة باللونين الأبيض والأسود، ليدخل الثنائي الجديد قلوب الجزائريين وخاصة الأطفال، من خلال الرسائل التربوية التي كان يؤديها العمل الفني عن طريق "حديدوان" وهو في الأصل معلم لغة عربية انتدبته وزارة التربية آنذاك للعمل بالتلفزيون الجزائري لوجود رسالة مشتركة بين الهيئتين، وحمزة فغولي الذي كان فنانا مسرحيا وعازفا بفرقة الأمراء "ليزمير" المحلية، انطلقت رحلته مع التلفزيون الجزائري وهو موظف بالمؤسسة الوطنية للمنتجات النسيجية "سونيتاكس" سابقا.

 

حمزة مع "بوبقرة" في أول عمل تلفزيوني

 

أتيحت للفنان حمزة فرصة المشاركة في أول عمل تلفزيوني سنة 1976، صورت معظم  مشاهده بقرية عين مصباح بالضاحية الجنوبية لمدينة تيارت، (التي تنحدر منها البطلة الأولمبية للملاكمة إيمان خليف)، رفقة العملاق حسن الحسني المعروف بـ"بوبقرة" في فيلم رحلة شويطر (يحكي قصة عائلة رحلت من الريف إلى المدينة قبل أن تقرر العودة لتجد أن الفلاحين سكنوا قرية فلاحية بنيت في عهد الثورة الزراعية لما كان الفقيد الراحل هواري بومدين رئيسا ويدخل حسن الحسني في ندم كبير بعد أن ضيع مسكنه المتواضع)، كما عرف حمزة فغولي بأدوار سينمائية في فيلم "الطاكسي المخفي"، وميدالية حسان، وفيلم "المحنة" الذي صور بتيارت وتدور وقائعه حول فترة التسعينيات، وأعمال أخرى قيمة ستبقى تخلد رحلة فنان أحبه الأطفال ثم الكبار، وهو الذي غادرنا في هذه الأيام المباركة، أواخر شهر رمضان وفي يوم الجمعة أين شيعت جنازته وسط دعوات حشود الصائمين.

 

فغولي كون مليكة بلباي وجمال عروسي وغيرهما

 

يعتبر الفنان حمزة فغولي مدرسة في التمثيل رغم أنه لم يدخل معهد الفنون الدرامية والمسرحية، من خلال التجربة التي اكتسبها على مر خمسة عقود، مساهما في تكوين عديد الفنانين الشباب الذين عملوا معه في المسلسلات أو الأفلام من بينهم الفنانة القديرة ابنة تيارت، مليكة بلباي التي سارت على خطاه مستفيدة من مسيرتها الفنية وهي طفلة ثم شابة بالمسرح البلدي حسن الحسني بقلب مدينة تيارت أين تعلمت أبجديات المسرح على يد أحد الأساتذة المحليين، التحقت بعدها بالمعهد العالي للفنون ببرج الكيفان بالعاصمة، ظهرت لأول مرة في فيلم نجمة المقتبس من رواية كاتب ياسين لمخرجه زياني شريف عياد واكتشفها الجمهور لأول مرة على شاشة التلفزيون في مسلسل اللاعب، لتشارك في عدة أفلام ومسلسلات وجمعتها أعمال مع الفنان القدير حمزة فغولي.

ويعترف الفنان جمال عروسي (عمي الطاهر في مسلسل البطحة) بأن لحمزة فغولي فضل فيما وصل إليه، بداية بالرسائل التي كان يبعثها للأطفال في حصة الحديقة الساحرة رفقة الفقيد "حديدوان: "كان مربيا بمعنى الكلمة من خلال ما قدّمه لنا كأطفال"، مضيفا "تعلمنا الكثير من الفنان والأب حمزة، عندما اشتغل معنا في فيلم المحنة، وكنا ننتظر مشاركته في مسلسل قصة وعبرة الذي يبث منذ بداية رمضان على التلفزيون الجزائري العمومي لكنه اعتذر بسبب المرض".