
شهدت قاعة "قبة باريس"، أمس، تجمعا سياسيًّا تحت عنوان "من أجل الجمهورية... فرنسا في مواجهة الإسلاموية"، بتنظيم من مجموعة "التضامن للعمل معًا". ويبرز من بين المشاركين شخصيتان سياسيتان من خلفيات مختلفة تجمعهما رؤية مشتركة (عدائية شديدة للجزائر وللجالية المسلمة عموما وداعمين لحرب الإبادة في غزة)، وهما برونو روتايو، وزير الداخلية وشؤون ما وراء البحار، ومانويل فالس، رئيس الوزراء السابق.
في ظلّ الجدل الدائر حول ارتداء الحجاب في المجال الرياضي والحملة اليمينية المسعورة على الجزائر، طرح الوزيران رؤيتهما لمكافحة "الانفصالية الدينية" وفقًا لتوصيف الحكومة الفرنسية.
ويأتي هذا اللقاء في وقت تحذّر فيه مجموعة المنظمين "العنصريين" من تصاعد الخطاب الإسلاموي في أوروبا، خاصة بعد هجوم 7 أكتوبر والذي وصفوه بـ"إعلان حرب على الديمقراطيات الغربية". كما تزامن التجمع مع خطوات اتخذها الكيان الصهيوني لتعزيز علاقاته مع الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا وخاصة في فرنسا التي طغى على ساحتها السياسية والإعلامية الخطاب اليميني المتطرف الذي أظهر عداءه للجالية المسلمة وللديانة الإسلامية تحت غطاء "محاربة التطرف"، كما أن هذا التقارب المريب أملته مصالحة مشتركة بين اليمين المتهم بـ "معاداة السامية" وبين الكيان الصهيوني، ألا وهو معاداة المسلمين والمهاجرين، وقد يمتد إلى استهداف كيانات ودول أخرى ومن بينها الجزائر وجاليتها في فرنسا بشكل مباشر، خاصة إذا ما وصل هذا التيار إلى سدة الحكم. علما أن رموز هذا التيار في الحكومة الفرنسية لم يتوانوا في إظهار كافة أوراق الابتزاز والمساومة وانتهاج خطابات الوعيد والتصعيد تجاه الجزائر.
وحسب تقارير إعلامية، تم تسجيل حضور نحو 4000 شخص، بينهم نخبة من السياسيين والمفكرين، مثل جان ميشال بلانشي، وزير التربية السابق، فلورانس بيرجيو بلاكْلير، الباحثة في المركز الوطني للبحث العلمي (سي ا نار اس "رافائيل إنتوفين، الفيلسوف والكاتب.
ورغم تباين انتماءات روتايو (يمين محافظ) وفالس (اشتراكي سابق)، إلا أن مواقفهما تتقاطع في رفض ما يسميانه "تهديد الإسلاموية للقيم الفرنسية"، وفي التصدي لموجة "معاداة السامية المتصاعدة".
وتؤكد المجموعة المنظمة، أن الهدف هو "إعادة الكلمة للأغلبية الصامتة" التي ترى أن الإسلاموية "تتصرف مثل الفاشية في الماضي"، وفق تعبير روتايو. هذا الحدث يسلّط الضوء على الاستقطاب الحاد في فرنسا حول قضايا الهوية والعلمانية، في وقت تشهد فيه الساحة الأوروبية نقاشاتٍ مشابهة وسط صعود اليمين.
وقبل حضوره التجمع، كان جيرالد موسى دارمانان حسبما كشفته مصادر فرنسية في الأيام الأخيرة، قد أعلن عن عرض عمل نشرته محافظة إيسون. ويتعلق الأمر بمهمة "وكيل مسؤول عن مكافحة الانفصالية"، مخصص حصريًا لمحاربة "الانفصالية الإسلامية". ويشمل هذا المنصب تنفيذ الضوابط الإدارية وتدابير الإغلاق المستهدفة، ويتعلق الأمر بإرادة "إحصاء المجتمع الإسلامي بأكمله في المنطقة" تحت غطاء محاربة الإسلاموية. ويأتي عرض العمل حسب ما كشفته وسائل إعلام فرنسية في إطار سياسة تهدف إلى "إنشاء فئات من الشعب الفرنسي، من خلال المقارنة بين المسلمين "الجيدين"و"السيئين"، وهي الخطوة التي تستهدف بشكل مباشر وانتقائي أبناء الضواحي والمجتمعات المسلمة المهاجرة.
وإذا كان قانون الانفصال الذي تم اعتماده سنة 2021 يستهدف رسميًا جميع الهجمات على المبادئ الجمهورية، إلا أنه يتعرّض لانتقادات منتظمة بسبب تطبيقه الانتقائي ضد المسلمين على وجه التحديد في ظل مخاوف من التخفي وراء هذه التدابير والقوانين المستحدثة لاستهداف الأصوات المعادية للاستعمار الجديد والصهيونية. وتكشف هذه الخطوة الجديدة بوضوح، السياسة الفرنسية التي تهدف إلى إضفاء الشرعية على التمييز والعنصرية وكراهية الأجانب وكراهية الإسلام وترسيخها في أذهان الناس، من خلال تعزيز نهج المراقبة الانتقائية، وهو ما كشف عنه جان لوك ميلونشون زعيم ائتلاف اليسار الفرنسي في تساؤلات نشرها، أمس، عبر حسابه الرسمي بمنصة فايسبوك بقوله: "هل سمح بايرو لوزيريه روتايو وفالس بالمشاركة الليلة في تجمع دعم لنتنياهو تنظّمه "لجنة الدعم إيلنيت" ويموّله ملياردير اليمين المتطرف بيير-إدوارد ستيرين؟
وتابع ميلونشون: "هل يعلم بايرو أن المدير التنفيذي لـ"إيلنيت" آري بن سمعون قد تجرأ على القول علناً: "كل الأطباء، كل الصحفيين، كل العاملين في المجال الإنساني، كل موظفي المنظمات الدولية الذين يعيشون في غزة، هم عملاء لحماس كلهم!"؟.
وبوضوح أكثر، أبرز زعيم اليسار، أن المتحدثين في هذا التجمع "من بين أكثر العنصريين ومن تيار الإنكار المعروفين". وانتقد ميلونشون "مشاركة وزراء في الحكومة الفرنسية الحالية في هذه المهزلة الكئيبة إلى جانب عنصريين معادين للإسلام؟"