
الدعاء مطلوب، ويندب له، كوسيلة لله سبحانه وتعالى، وهو مما يُتقرّب به لله عز وجل، و«الدعاء هو العبادة” كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا تقرر أن الدعاء هو العبادة، وقد قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: “من أحدث في أمرنا ما ليس منه، فهو رد”، فبان أن كل مسألة تعبُّدية لابد فيها من سند للنبي صلى الله عليه وسلم.
لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحب الكرام، أثر يدل على جواز الدعاء بختم القرآن أثناء أو بعد الصلاة مباشرة. وكل ما ثبت في المسألة هو أثر عن أنس رضي الله عنه، أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله للدعاء، وهذا في غير الصلاة.
موقف الأئمة الأربعة
لم ينقل عن الإمام أبي حنيفة ولا الإمام الشافعي رضي الله عنهما شيء في ذلك، أما المنقول في مذهب الإمام أحمد مشروعية الدعاء عند الختم داخل الصلاة، ففي كتاب “المُغني” لابن قُدامة قال: (فصل في ختم القرآن: قال الفضل بن زياد: سألتُ أبا عبد الله فقلتُ: أختم القرآن أجعله في الوتر أو في التراويح؟ قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين. قلتُ: كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفَع يديك قبل أن تركع وادعُ بنا في الصلاة وأطِل القيام. قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت، قال: ففعلتُ بما أمرني وهو خلفي يدعو قائما ويرفع يديه)، قال حنبل سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة: {قل أعوذ برب الناس} فارفَع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم في مكة”.
ويلاحظ أن معتمد الإمام أحمد ليس النص، وإنما هو عمل أهل مكة، ولكنا يعلم سعة الخلاف التي وقعت في عمل أهل المدينة التي هي مستقر نزول الوحي، وخيرت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن باب أولى عمل أهل مكة، خاصة لما يتعلق الأمر بالتعبُّدات.
مذهب الإمام مالك
كان رأي الإمام مالك صريحا في المسألة، على ما تناقلته أمهات مصادر المذهب، بعدم جوازه، ومن ذلك: جاء في “المدونة”؛ في قنوت رمضان ووتره؛ قال الإمام مالك رضي الله عنه: «ليس عليه العمل ولا أرى أن يعمل به، ولا يقنت في رمضان لا في أوله ولا في آخره، ولا في غير رمضان ولا في الوتر أصلا». (المدونة 1/326-327).
وما جاء في “المستخرجة” عن ابن القاسم قال: سُئل مالك عن الذي يقرأ القرآن فيختمه ثم يدعو؟ قال: ما سمعتُ أنه يدعو عند ختم القرآن وما هو من عمل الناس”.
قال ابن رشد في “البيان والتحصيل” (الدعاء حسن ولكنه كره ابتداع القيام له عند تمام القرآن وقيام الرجل مع أصحابه لذلك عند انصرافهم من صلاتهم واجتماعهم لذلك عند خاتمة القرآن كنحو ما يفعل بعض الأئمة عندنا من الخطبة على الناس عند الختمة في رمضان والدعاء فيها وتأمين الناس على دعائه، وهي كلها بدع محدثات لم يكن عليها السلف).
الخلاصة
إن الدعاء هو من أعظم القُربات، والأصل في هذا الباب التوقف حتى يرد الدليل، والنافي فيه مقدم على المثبت، والزيادة على المنصوص فيه بدعة.
وعليه، فإن الإصرار على الإتيان به هذا مخالف لهدي السلف. ورحم الله الإمام مالك القائل: “ما قلّت الآثار في قوم، إلا ظهرت فيهم الأهواء والبدع”. فالخير كل الخير في الاتباع، ولا يظن أحد منا أنه أحرص على الخير من سلف هذه الأمة.. هذا وبالله التوفيق.
عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين