حتى فيمن نُسب إلى العلم والدّعوة يوجد حمقى!!

38serv

+ -

تمر الأمة الإسلامية بمنعرج خطير، سيكون له ما بعده، وما بعده سيكون نهضة هذه الأمة ورفعتها، ذلك أن تاريخ الأمم لا يسير في خط مستقيم، وليس في اتجاه الأعلى دائما، بل هو يسير متموجا نزولا وصعودا، تصعد أمم إلى القمة ثم تنزل إلى الحضيض؛ لتصعد أمم أخرى ثم تنزل، وهكذا دواليك، وهذا مما يدل عليه قول الحق سبحانه: {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، وأمتنا تسبح في الحضيض منذ عقود، وهي تُمعن في الوصول إلى أبعد نقطة منه، وهذا مؤشر لتغير مسار اتجاهها من النزول إلى الصعود، ومبشّر بقرب التحرك القادم نحو القمة صحوة ونهضة، وإن كان كثير من الناس يصيبهم التشاؤم وربما اليأس والقنوط، ولكن هذه هي الحقيقة، وهذه سنة الله في خلقه، وإن كان أكثر الناس لا يعلمون: {حتى إذا استيائس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عنِ القوم المجرمين}.

بيد أن مع التفاؤل والإيمان الوثيق بوعد الله عز شأنه لهذه الأمة بالرفعة والسناء لا يخلو الحال من منغصات، تزعج عامة الناس وخاصتهم، وتزيد الطين بِلة، وأحسب أن من أشد المنغصات إزعاجا في الوقت الحاضر، الذي تتقطع فيه نياط قلوبنا على حال إخواننا في غزّة والضفة: مواقف بعض (أو أقول كثير!) ممن يدعي العلم أو ينتسب أو يُنسب للعلم والدعوة، الخاذلة للأمة، الخاذلة لقضاياها، المتواطئة مع الأنظمة المستبدة الفاسدة، بل المتواطئة مع الصهاينة!، مما حطّ من قيمة العلماء بين الناس دون تمييز بينهم، وجرّأ عليهم الأوباش والأوغاد وأخطأ في حقهم حتى الفضلاء، بسبب تلك النماذج العجيبة من الدعاة والعلماء الذين يطعنون في الأحرار الأشراف من المجاهدين دعما للصهاينة، ويحرفون دين الله تعالى بإثارة الشبهات في وجه البيّنات، ويتخذون نفس مواقف المنافقين التي ذكرها الحق سبحانه في كتابه، ويجعلون دينهم مطية لحكام سوء استولوا على الحكم غصبا، وأذاقوا شعوبهم ويلا، وخذلوا دينهم وأمتهم عمدا، إلى أن وصل الأمر إلى مواقف كاريكاتورية أو جنونية، دكتور أزهري معتوه يجعل حاكما نبيا، وداعية سفيه يعتذر عن تعزية في عالم من علماء الأمة المشهود لهم... إلخ، هذه المهازل!، يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل، لا جرم أن القرآن العظيم ذكر لنا نموذجا عن هؤلاء، وما ذكره إلا لتكرره عبر الأزمان وفي كل زمان: {واتلُ عليهم نبأ الذي ءاتيناه ءاياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمِل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصصِ القصص لعلهم يتفكرون}، فهذا عالم رفعه الله بالعلم، غير أنه فضّل الدنيا على الآخرة، وما عند الناس على من عند الله فردّه الله تعالى إلى أسفل سافلين، كلبا لاهثا وراء مصالحه ومطامعه، وهكذا حال كل عالم باع دينه بالدنيا، أو باع دينه بدنيا غيره.

ومن لطيف الاستنباط ما ذكره الإمام ابن عاشور عن إمام الأئمة مالك رحمهما الله، قال الشيخ ابن عاشور: “وأحسب أن قوله تعالى: {ثم رددناه أسفل سافلين} انتزع منه مالك رحمه الله ما ذكره عياض في ((المدارك)) قال: قال ابن أبي أُويس: قال مالك: أقبل عليَّ يوما ربيعة [الإمام التابعي ربيعة الرأي شيخ مالك] فقال لي: من السَّفِلَة يا مالك؟ قلت: الذي يأكل بدينه، قال لي: فمن سَفِلَة السَّفِلَة؟ قلت: الذي يأكل غيره بدينه”.

ولا عجب في ذلك، فمن ينتسب للعلم والدعوة هم بشر، فلا غرو أن نجد فيهم كل أصناف البشر، من الأطهار الأخيار، والأذكياء العباقرة، إلى من في قلبه مرض، وحتى الحمقى والمغفلين، وأصناف ممن ابتلوا بأمراض عقلية ونفسية على تنوعها، وخاصة في زمن الرويبضة والتفاهة الذي أظلنا وأضل كثير من الناس، وانظر ما قال الإمام محمود بن حمزة أبو القاسم الكرماني في كتابه ((غرائب التفسير وعجائب التأويل)): “ومن العجب في [تفسير] {حم عسق}: قول من قال: الحاء: حرب عليّ ومعاوية، والميم: ولاية المروانية، والعين: ولاية العباسية، والسين: ولاية السفيانية. والقاف: قدوم مهدي، ثم قال: أردت بذكر ذلك أن تعلم أن فيمن يدّعى العلم أيضا ‌حمقى”. وقد توفي الإمام الكرماني رحمه الله في بداية القرن السادس الهجري، فكيف لو عاش لزمننا؟!... تدبّر!.

* إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة