38serv

+ -

في أول تعليق له، على الأزمة غير المسبوقة التي تضرب العلاقات الجزائرية - الفرنسية، عبّر رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية بالجزائر، الكاردينال جون بول فيسكو، عن غضبه وقلقه إزاء "التصريحات المتطرفة التي أدلى بها بعض السياسيين الفرنسيين"، مشيرا إلى أن هذه الأزمة ليس لها أي تأثير على حياة الكنيسة في الجزائر، لكنها "أثرت علي شخصيا، كمواطن فرنسي - جزائري، وعلى العديد من الأشخاص الذين ألتقي بهم يوميا".

وينظر رئيس الأساقفة، الذي تمت ترقيته مؤخرا لمصف "كاردينال"، وصار أول رجل دين في هذه المرتبة، بعد الكاردينال دوفال، في الخمسينيات، إلى موقف فرنسا على أنه "مهين وغير عادل.. وأحيا جرحا في النفس الجزائرية لا يمكن قياس عمقه سوى على مدى حياة مشتركة طويلة الأمد".

وخاض فيسكو مطولا في الأزمة، عبر حوار مع صحيفة "لاكروا" الفرنسية التي تهتم بالشؤون الدينية، بالقول إن "ما يزعجني في تصريحات وزير الداخلية الفرنسي هو النبرة التهديدية في تصريحاته التي تأتي في شكل أوامر للسلطات الجزائرية، في حين أن الجزائر لا تستسلم أبدا لهذا النوع من الخطاب، خاصة القادم من فرنسا".

وفي تأصيله للأزمة، قال فيسكو إن "في الجزائر كل شيء مبني على علاقة الثقة، وهذه الثقة تمت خيانتها بتغيير الموقف الفرنسي بشأن قضية الصحراء الغربية ذات الرمزية العالية"، معتبرا أن "هذه لا تزال نقطة البداية للأزمة الحالية".

وفي رده على سؤال حول موقفه من رفض الجزائر قائمة المبعدين من التراب الفرنسي، قال المتحدث إنه يتفهم القلق الأمني الموجود في فرنسا واعتبره طبيعيا، كون كل الدول تسعى إلى حماية نفسها، غير أنه، يضيف المتحدث، يتعين البحث عن جذور المشكلة في وقت أبعد من ذلك بكثير، في الماضي الاستعماري غير المتصالح.

وفي هذه الجزئية، التي يرى فيها فيسكو أصل كل الأزمات بين البلدين، حمّل المتحدث المسؤولية لفرنسا بالقول: "لم يكن هناك وعي بالعواقب المدمرة التي ترتبت عن الاستعمار على السكان، من جيل إلى جيل. ومنذ ذلك الحين، ظلت العلاقات الفرنسية - الجزائرية متعثرة لمدة ستين عاما، تنتقل من أزمة إلى أخرى، ومن محاولة مصالحة إلى أخرى"، مشيرا إلى أن هذه الخلفية هي التي أدت إلى نشوء ما يسمى بأزمة المبعدين. "ومكمن الحل، في نظره، هو "مواجهة هذا الواقع أحسن من محاولة لي ذراع الدولة الجزائرية دون جدوى".

ونفى فيسكو، الذي اكتسب الجنسية الجزائرية قبل ثلاث سنوات، بمرسوم رئاسي، ربط مشكلة الهجرة بالآثار المترتبة عن الاستعمار، وإنما يضاف إليها مرور الزمن وتصاعد التكتلات المجتمعية، لكن كل هذا، يضيف المتحدث، يأتي "بعد معالجة الذاكرة، كون الاستعمار هو اغتصاب لشعب من خلال إنكار هويته وتاريخه ونهب أرضه والهيمنة المهينة". وباختصار قال الكاردينال: "هناك علاقة غير محسومة بين فرنسا والجزائر، علاقة مسيء و مساء له"، معبرا عن أمله أن يكون الرئيسان تبون وماكرون مهندسي هذه المصالحة التاريخية.

وسئُل رجل الدين أيضا عن توقعاته بشأن قضية الكاتب بوعلام صنصال، فقال إن تحويل القضية إلى سبب للحرب بين دولتين لن يخدمه في شيء، بل يجعل "من الصعب على السلطات الجزائرية القيام بأي بادرة إنسانية، لأنها لن تسمح لنفسها أبدا بأن تُملى عليها قواعد".

وحول إمكانية تدهور العلاقات وذهابها نحو القطيعة، يرى المتحدث أن أي قطيعة بين البلدين، سنكون بمثابة "طريق انتحاري لفرنسا.. وأن العواقب لن تقتصر على انهيار العلاقات الدبلوماسية، بل ستشمل "الطلاق الصامت" لملايين المسلمين الفرنسيين، والفرونكو - جزائريين، وغالباً ما يكونون مندمجين في البلد الذي يعيشون فيه".

وبشأن دور الكنيسة في المساهمة لتجاوز الأزمة، نفى رجل الدين أي دور سياسي للكنيسة، وقال إن العلاقة مع فرنسا لا تشكل مركز اهتمام بالنسبة للغالبية العظمى من أعضائها.