الكيان يشرع في مخطط تفريغ غزة بدعم أمريكي

+ -

مع استمرار العدوان الصهيوني الوحشي على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، تتكشف يوما بعد يوم معالم مخطط إجرامي يهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسرا من القطاع، في خطوة تتجاوز مجرد العمليات العسكرية إلى مشروع استيطاني استعماري يسعى إلى إفراغ غزة من سكانها وتغيير تركيبتها الديمغرافية.

لم يكن التهجير القسري مجرد نتيجة طبيعية للدمار الواسع الذي ألحقه الاحتلال بالقطاع، بل هو سياسة ممنهجة تتجلى في عدة إجراءات على الأرض. فقد اعتمدت قوات الاحتلال سياسة القصف العشوائي والتدمير الشامل للبنية التحتية والمنازل، في مشهد يُذكّر بالنكبة الفلسطينية عام 1948. وفي الوقت نفسه، تدّعي توفير "ممرات آمنة" لخروج المدنيين من مناطق القتال، وهي في الواقع مسارات تُجبر الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم تحت التهديد، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

 

الكيان دمّر كل شيء في غزة

 

وتكشف أرقام ضحايا حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان منذ 17 شهرًا، عن جريمة تغيير ديموغرافي ممنهجة تستهدف سكان قطاع غزة، حيث تسببت الغارات والقصف العشوائي بمقتل عشرات الآلاف من المدنيين وتشريد أعداد هائلة، مما أحدث تحولات سكانية مروعة، خاصة مع المجازر التي أبادت عائلات بأكملها، وفقًا لمسؤولين فلسطينيين ومحللين.

وبلغ عدد الشهداء منذ 7 أكتوبر 2023 أكثر من 50 ألفًا، بينهم آلاف الأطفال والنساء، فيما تجاوز عدد الجرحى 113 ألفًا، ولا تزال جثث كثيرة تحت الأنقاض بسبب تعذّر وصول فرق الإنقاذ إليها. تسببت الهجمات أيضًا في نزوح أكثر من مليوني فلسطيني داخل القطاع، ووفقًا للأونروا، نزح 124 ألف شخص خلال أيام فقط نتيجة القصف المستمر، وسط أزمة إنسانية خانقة بسبب منع الكيان إدخال المساعدات الأساسية عبر إغلاق المعابر الحدودية.

كما تواجه المنظومة الصحية انهيارًا تامًا، إذ دُمّرت معظم المستشفيات ونفدت الإمدادات الطبية، فيما يعاني القطاع من نقص حاد في الأدوية والأجهزة الحيوية، ما جعل الطواقم الطبية غير قادرة على التعامل مع الأعداد المتزايدة من الجرحى. وتحذر وزارة الصحة من كارثة صحية غير مسبوقة، خاصة مع استهداف الاحتلال المباشر للمدنيين داخل المستشفيات، ما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة.

 

مذابح صهيونية تستهدف إبادة العائلات

 

وارتكبت القوات الصهيونية 11,850 مجزرة بحق العائلات، ما أدى إلى إبادة 2,165 عائلة بالكامل وفقدان 9,272 فردًا من 5,064 عائلة أخرى، وهو ما أحدث اختلالًا غير مسبوق في التوازن السكاني، ما يعكس إصرار الكيان على إبادة الأسر والعائلات.

كما أسفرت الحرب عن نزوح مليوني فلسطيني داخل القطاع، أي أكثر من 90% من السكان، وأصبح 1.5 مليون شخص بلا مأوى بعد تدمير أكثر من 165 ألف وحدة سكنية بالكامل. وشمل الدمار أيضًا البنية التحتية، حيث تضرر أكثر من 80% من المنشآت، مع انهيار شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والمستشفيات، مما أدى إلى أزمة إنسانية خانقة. فتراكم 360 ألف طن من النفايات في الشوارع يزيد من مخاطر انتشار الأوبئة والأمراض في مناطق النزوح والمخيمات.

الأزمة لم تتوقف عند القتل والتدمير، بل امتدت إلى ضرب بنية المجتمع الفلسطيني، حيث فقد 39,384 طفلًا أحد والديهم أو كليهما، فيما أصبحت 14,323 امرأة أرامل.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تجاوزت الخسائر المبدئية 41 مليار دولار، مع انهيار سبل العيش وارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة.

وغادر القطاع عبر معبر رفح بين 90 ألفًا و100 ألف فلسطيني، معظمهم لاجئون مؤقتون في مصر ويرغبون الآن في العودة.

في 4 مارس 2025، أقرت قمة عربية طارئة خطة لإعادة إعمار غزة بقيمة 53 مليار دولار على مدار خمس سنوات دون تهجير السكان، إلا أن الكيان والولايات المتحدة رفضا المبادرة، في تأكيد على نية الاحتلال فرض تغيير ديمغرافي طويل الأمد.

 

سيناريو التهجير يتبلور

 

منذ بداية العدوان، تكررت الدعوات الصهيونية لإجبار سكان غزة على مغادرتها نحو سيناء المصرية، وهو طرح تم الكشف عنه علانية في نوفمبر 2023، عندما أشارت صحيفة "هآرتس" العبرية، أن وزراء في حكومة الاحتلال ناقشوا خططًا لترحيل الفلسطينيين بشكل جماعي إلى مصر، بحجة "إعادة توطينهم في بيئة أكثر استقرارًا". والغريب في الأمر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعاد اجترار نفس هذه الكلمات عندما اقترح تهجير سكان القطاع الشهر الماضي، بداعي أن الحياة لم تعد ممكنة هناك بسبب الدمار والتلوث الذي سببته آلاف الأطنان من القنابل، وكأن بالمسؤولين الصهاينة والأمريكيين يكترثون لحياة الفلسطينيين!

ويصعّد الكيان من هجماته خاصة على رفح، آخر معاقل النازحين في غزة، من أجل دفع مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى عبور الحدود نحو سيناء، بحجة "حمايتهم من القتال"، في تكتيك مشابه لما حدث في حرب 1948 حينما تم دفع الفلسطينيين خارج أراضيهم بالقوة كذلك وتحت نفس الحجة.

ورغم الأدلة المتزايدة على نية الاحتلال تنفيذ تهجير جماعي، فإن الموقف الدولي لا يزال مترددًا بين الإدانة الخطابية والصمت الفعلي. فقد حذرت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية من أن التهجير القسري يعدّ جريمة حرب، إلا أن الدعم الأمريكي والأوروبي غير المشروط للكيان الصهيوني، يمنحه الغطاء اللازم للاستمرار في إبادة وتهجير الفلسطينيين دون رادع.

 

الغزيون يتمسكون بأرضهم رغم المذابح

 

على الرغم من المأساة الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، إلا أن غالبية السكان يرفضون مغادرة أرضهم، مؤكدين أن الصمود هو خيارهم الوحيد في مواجهة مخططات الاحتلال. فرغم فقدانهم لمنازلهم وأحبائهم، يرددون ما قاله أجدادهم خلال نكبة 1948: "لن نرحل، هنا ولدنا وهنا سنبقى".

فما يجري في غزة اليوم ليس مجرد حرب، بل عملية إبادة جماعية تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الجغرافي والسكاني في المنطقة. والرهان الأكبر يبقى على صمود الفلسطينيين، وعلى تحرك حقيقي من القوى الحيّة في العالم لإيقاف هذه الجريمة قبل أن تتحول إلى نكبة جديدة.

 

كلمات دلالية: