
برونو فوكس رئيس لجنة الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية، هو من الأصوات المؤثرة في حزب "الحركة الديمقراطية (مودام)" الذي يرأسه فرانسوا بايرو الوزير الأول الحالي. في هذا الحوار الخاص مع "الخبر" الذي أجري بمكتبه في العاصمة الفرنسية، يتحدث لأول مرة عن رؤيته لواقع الأزمة الحالية بين البلدين، ملمّحا لرفضه لغة التصعيد التي يتحدث بها وزير الداخلية برونو روتايو، والتي يعتبرها موجهة بالدرجة الأولى للجمهور الفرنسي. لا يتردد فوكس في تقديم ما يسميه "عرض خدمة" لزيارة الجزائر والتباحث على مستوى نظرائه في البرلمان كيفية وقف التصعيد، ويؤكد أنه لا يرى حلا سوى في استئناف الحوار والتعاون.
تعيش العلاقات الجزائرية الفرنسية أزمة كبيرة، ولا يمر يوم إلا وهناك المزيد من التصعيد.. ما موقفكم مما يجري؟
أعتقد أن الفخ الذي يجب ألا يقع فيه البلدان هو اختزال العلاقات الثنائية في قضية الهجرة فقط. كثافة وقوة العلاقة بين بلدينا متعددة الأبعاد: اقتصادية، طاقوية، استخباراتية، تعاون مع إفريقيا. لدينا جاليات هنا، بين فرنسا والجزائر، قوامها 6 ملايين شخص، أسميهم ذوي الثقافة المزدوجة، يعيشون في كلا البلدين. لا يمكننا أن نطلب منهم الاختيار. إنهم في كلا البلدين في نفس الوقت. 6 ملايين شخص، هذا بلد قائم بذاته.
لذلك، فالنظر إلى العلاقة من زاوية أوامر الترحيل هو خطأ في اعتقادي. عندما نقع في دائرة المزايدة، سواء من الجانب الفرنسي أو الجزائري، فإننا نجهل قوة وإمكانات هذه العلاقة في جميع أبعادها الأخرى. سنكون حينها في لعبة سياسية تتعارض مع مصلحة الشعبين والبلدين. إن المزايدة وتصعيد مواقفنا يضر بمصلحة الجزائر وفرنسا، في حين أن كل شيء يدفعنا إلى تطوير العديد من المشاريع المشتركة.
في الواقع، سيد فوكس، نجد صعوبة في تحديد موقفكم. أتحدث هنا عن التيار الوسطي الذي ينتمي إلى فرانسوا بايرو رئيس الوزراء. بكل صراحة، هل تؤيدون مواقف السيد روتايو في تعامله مع الجزائر؟
هناك جانبان فيما يقوله وزير الداخلية وبشكل أوسع في الطريقة التي يتم بها تناول العلاقة الفرنسية الجزائرية. هناك أولاً الجانب الذي لا يمكن لجميع الفرنسيين إلا أن يدعموه فيه، وهو مسألة الأمن الداخلي لفرنسا. إنه مسؤول عن ضمان أمن الفرنسيين، ونلاحظ في فرنسا، منذ بضع سنوات، ضغطًا متزايدًا على المسؤولين في هذه القضية. لذلك هو يقوم بدوره ببذل كل ما في وسعه لطمأنة الفرنسيين، عبر ترحيل الأشخاص الخطرين الموجودين في وضع غير قانوني بغض النظر عن جنسيتهم. وفي الواقع، يتبيّن أن من بين هؤلاء الأشخاص عددًا كبيرًا جدًا يحملون جواز سفر جزائري، عودتهم إلى الجزائر إذن منتظرة من قبل الفرنسيين وهي تخضع لقواعد القانون.
الآن وبما أن الجزائر ترفض استقبال عدد كبير منهم، هناك مقاربتان لحل المشكلة، نرى أن المقاربة التي تهدف إلى المزايدة عن طريق التهديد تؤدي إلى الانسداد الحالي. أعتقد أنه كلما زادت المزايدة قلّت النتائج التي نحصل عليها، ليس من مصلحة فرنسا ولا الجزائر الذهاب نحو هذه الراديكالية، لقد حان الوقت لإفساح المجال للحوار وبناء علاقات ثقة قوية ومستدامة.
في الواقع لم نعد نفهم من يقرر السياسة الخارجية في فرنسا؟ دستوركم ينص على أن رئيس الجمهورية هو من يحدد السياسة الخارجية، في حين نجد أن السيد روتايو هو من يتحدث عن مواقف فرنسا فيما يتعلق بالاتفاقات الثنائية مع الجزائر؟
عندما تم تناول مسألة اتفاقات 1968 (من قبل وزير الداخلية)، ذكر رئيس الجمهورية على الفور أنه الوحيد المختص في هذا المجال. يعطي وزير الداخلية الانطباع بأنه يتخذ القرارات، لأنه يحتل الساحة الإعلامية.
لكن في الواقع، الرئيس ورئيس الوزراء لديهما خطاب واضح: يجب أن يكون هناك حزم كبير بشأن الأمن الداخلي، ولكن أيضًا إتاحة الوقت، عدة أسابيع لم لا، لفتح الحوار. في هذا التوازن يكمن طريق الوسط. قناعتي هي أننا لا يمكن أن نصل إلى حل إلا بالاحترام المتبادل والمناقشة.
ولكن يجب أيضًا أن تكون هذه الإرادة مشتركة بين الجانبين. لذلك، أتوجه بنداء إلى المسؤولين السياسيين الجزائريين لكي يجد نداء الحوار صدى إيجابيًا. وإلا فإن ذلك يعطي الحق لاستراتيجية المزايدة والتصعيد.
أتفهم جيدًا أن اللغة الحربية والإملاءات غير مقبولة لأي بلد. عندما نحاول فرض أمر على فرنسا، فإنها تتفاعل بقوة. وعندما نفعل الشيء نفسه في الجزائر، فمن الطبيعي أن تتفاعل هي الأخرى بحزم، هذا منطقي تمامًا.
بمجرد تأكيد كل طرف لمواقفه، إما أن نترك الأمر يتصاعد، أو نختار طريق التهدئة لصالح الطرفين، ونبدأ بإشارات متبادلة. أنا الآن أخطو الخطوة الأولى وآمل أن يتم الاستماع إليّ في الجزائر.
لكن هذا النبرة المستخدمة هنا في فرنسا، نبرة المهل، نبرة القبضة الحديدية وعلاقة القوة، ألا ترى أنها تبعد الطرفين عن طريق الحوار؟
أنا أتفق تمامًا وأتفهم هذا المنزلق الخطير، لهذا السبب أقول لكم إن وقت الحوار قد حان، موقف فرنسا هو موقف الرئيس ورئيس الوزراء اللذان يقولان إنه يجب أن نكون حازمين، ولكن يجب حل الخلافات عن طريق الحوار. لذلك يجب أن نجد محاورين من الجانب الجزائري يبدأون النقاش.
لهذا السبب، قلت لك في بداية المقابلة إنني أجد صعوبة في تحديد موقف تيار الوسط، لأن السيد بايرو تحدّث عن منح الجزائر مهلة، وقد كان وقع هذه الكلمة سيئا جدا في الجزائر، لأننا لا نتفاوض بالإنذارات والمهل، وهذه اللغة مرفوضة وفق ما قالت الخارجية الجزائرية.. كيف تعلّقون على ذلك؟
يمكننا أن نقول إنها كلمة سيئة الاختيار، لقد كانت موجهة إلى الفرنسيين في الأساس في سياق سياسي وإعلامي متوتر للغاية. هذا بالتأكيد ليس نوع المفردات التي يجب استخدامها عندما نرغب في تعزيز علاقة هادئة ومحترمة. ولكن بعد استخدام كلمة "مهلة"، يقول على الفور إنه يترك وقتًا، وقتًا طويلًا، للمناقشة. يجب أن نتذكر خاصة الجزء الثاني من جملته، يجب أن نفهم أن الجزء الأول موجّه إلى الرأي العام الفرنسي، يريد أن يقول فيه: "أنا حازم". الناس يتوقعون الحزم، سواء كان ذلك بشأن الجزائر أو بشأن مواضيع أخرى. إذا لم يكن حازمًا، فسيتم لومه، أما الجزء الثاني من الجملة يقترح انفتاحًا، وهذا هو ما يجب اغتنامه.
إذن بالعودة لسؤالكم، هنا يكمن الفرق بيننا وبين التيارات الأكثر يمينًا. يقول تيار الوسط إنه يجب علينا النقاش. يعلم الجميع أنه إذا أردنا أن تتحسن الأمور في العلاقة بين البلدين، فليس ذلك بالتشنج. لأجل ذلك، أجدد ندائي للسلطات الجزائرية. هذا ما ينقص اليوم، لأنه في فرنسا، أولئك الذين يدعون إلى النقاش يوضعون في موقف صعب. يقال لهم: "لا فائدة من الرغبة في الحوار لأن لا أحد يرد عليك، لا ينفع سوى منطق القوة".
منذ بدء الأزمة، يشهد البرلمان الفرنسي مناقشات محتدمة بشأن العلاقة مع الجزائر، كيف تقيمون ما يجري هنا في قصر البوربون؟
نجد في الجمعية الوطنية نفس الانقسام الموجود في الفضاء العام، البعض يستغل قضية الجزائر في منطق السياسة الداخلية، لكن هذا هو الحال نفسه في مواضيع أخرى.
في الواقع، العنصر المحفز كان، يجب أن نتذكر، هجوم مولوز، لقد وضع الجزائر في قلب النقاش. هذا المواطن الجزائري الذي ارتكب جريمة قتل ما كان يجب أن يكون موجودًا في فرنسا لو أن الجزائر احترمت التزاماتها. وبالتالي، بالنسبة للفرنسيين، فإن مسؤولية الجزائر قائمة. في البرلمان، تدعو بعض المجموعات إلى إيجاد سبل التهدئة، والبعض الآخر لا يرى سوى علاقات القوة كحل. علينا أن نثبت خطأهم.
كثر الحديث بشأن اتفاقية 1968، هل يمكننا معرفة موقف تيار الوسط من هذه الاتفاقية؟ هل هي قابلة للتعديل؟ هل يجب إلغاؤها؟ البعض يقول إنها تعطي امتيازات للجزائريين، والبعض الآخر يقول إنها قوقعة فارغة؟
نعم، هي تعطي امتيازات في بعض النقاط وفي أخرى لا، هناك نقاط ليست مفيدة للجزائريين. على أي حال، موقفي بسيط جدًا، إنه موقف رئيس الجمهورية، لقد أظهر دائمًا حكمة في هذا الموضوع. والموقف، أكرره هنا، هو أن أي اتفاق مبرم بين طرفين يعاد التفاوض عليه بين الطرفين.
هل لديكم رؤية محددة لما يجب تغييره في هذه الاتفاقية؟
سيعتمد ذلك على كيفية تطور الأزمة. إذا استمرينا في ديناميكية التصعيد، فسيكون من الصعب إيجاد اتفاق ذي محتوى تفضيلي. لا آمل ذلك، بالطبع.
تتحدثون عن فرضية تطور الأزمة.. هل نحن على أعتاب قطيعة مثلا؟
لا، هذا ليس حتميًا، وإلا لما كنا هنا. ولكن إذا قدمنا في كل مرة ورقة إضافية في استراتيجية القوة، وبما أنه من الواضح أن لا أحد سيتنازل، فلن يبقى الكثير لمناقشته، يجب ألا نقع في هذا الفخ.
ولكن كما قلت لكم في البداية، يجب ألا نحصر أنفسنا في رؤية ضيقة لعلاقتنا، بلدانا بحاجة إلى بعضهما البعض. هناك الكثير من الصفحات الجميلة التي يمكن كتابتها معًا. وهذا هو السبب الذي يجعلني لا أستطيع الإجابة بشكل قاطع على المحتوى الذي يجب تغييره في اتفاقيات 68. إذا كان هناك لقاء غدًا بين الرئيسين وقيل: "حسنًا، سنمضي قدمًا معًا"، فسيتغير كل شيء.
يجب أن نضع في اعتبارنا أن تنقل الأشخاص كثيف جدًا بين البلدين. هذا التبادل، إذا كان آمنًا، فهو ميزة. لا أرى أي إرادة من أي من الجانبين لعرقلة أو تقليل ذلك. على العكس من ذلك، كلما زادت التبادلات كلما تعزّز بلدانا.
أود أن أطرح معكم قضية الذاكرة بين البلدين. وسأبدأ بسؤال محدد: هل صدمكم تعرض فيلم وثائقي للرقابة، كان من المقرر بثه على قناة عمومية فرنسية، يتناول استخدام الجيش الفرنسي الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع خلال حرب التحرير الجزائرية؟
لا أعلم إن كان قد تعرض للرقابة، ليست لدي التفاصيل.
لقد تم سحبه من البرمجة كما قالت القناة والكثيرون يتحدثون عن أسباب سياسية.
إذا تم سحبه من البرمجة لا يمكننا التحدث بعد عن رقابة. بعد عودتي من السفر، سأتواصل مع شبكة "فرانس تلفزيون" لفهم الأسباب.
أعتقد أنه عندما يتم سحب شيء من البرمجة، إذا كانت هناك أسباب وجيهة فسيتم إعادة برمجته، أما إذا كانت الأسباب سياسية فستكون هذه قضية حقيقية. ولكن على أي حال، الجميع يتحدثون عن هذا الوثائقي. الصحف الجزائرية تتحدث عنه، هنا نتحدث عنه، لذلك، حتى دون بثه بعد الضجة حول هذا الموضوع موجودة. في هذا النوع من المواقف غالبا ما نحصل على عكس ما نريد فعله بسحب موضوع حساس من البرمجة.
هل تؤيدون، على سبيل المثال، عرض هذا الفيلم الوثائقي هنا في الجمعية الوطنية لخلق وعي بهذه القضية (استعمال الأسلحة الكيميائية في الجزائر) لدى النواب؟
إذا كان الفيلم الوثائقي يستند إلى أسس تاريخية صلبة، وهو ما يبدو أنه الحال حسب ما قرأته في مواقع مثل تيلي راما والوطن (للأسف، لا أقرأ العربية)، لأن هناك واقعا تاريخيا قويا، فله مكانه الكامل في النقاش العام. اليوم، وسائل الاتصال مصممة بحيث لا يمكننا حقا منع بث أي محتوى.
أتحدث عن عرضه هنا في الجمعية الوطنية كما حدث، على سبيل المثال، مع الفيلم الذي تم عرضه حول 7 أكتوبر (عملية طوفان الأقصى)؟
نعم، بالطبع. ولكنني أفضل أولا أن يهدأ الوضع بين البلدين وبعد ذلك يمكننا القيام بذلك، بروح من الاحترام والبحث عن حقيقة مشتركة. لا أرغب في القيام بذلك في ظروف ستضيف المزيد من الأزمة إلى الأزمة، بالطبع.
يتزامن سحب الوثائقي مع ما حدث مع جان ميشيل أباتي أيضا. لقد أدلى بتصريحات حول فترة الغزو الاستعماري وقارن بين النازية والجرائم الاستعمارية.. ما رأيك فيما قاله؟
لقد استمعت لتصريحاته. جون ميشال أباتي يعبر بحرية أينما يريد ومتى يريد. إنه في دوره كصحفي، وغالبا ما يكون استفزازيا لفتح الباب أمام النقاشات.
هل تدعمون أباتي في مواجهة هذه الهجمات التي يتعرض لها؟
أنا أدعم الشخص الذي يكون صادقا. مقارنته ليست عادلة من وجهة نظر تاريخية.
ولكن لماذا؟
لأننا أمام وضعيتين مختلفتين.
لكن في فترة الاستعمار الفرنسي كانت هناك مجازر مروعة، عمليات خنق للسكان بالدخان وإبادات يتحدث عنها المؤرخون؟
بالطبع ارتكبت جرائم. لكن الوضعيتين مختلفتان في طبيعتهما. لا يمكننا استخدام مصطلحات تنطبق على موقف أو آخر. ومع ذلك، فهو كاتب أعمدة، يعطي رأيه.
بنجامين ستورا، المؤرخ المتخصص في الجزائر، يقول في دفاعه عن أباتي إن النازية كانت تلميذة الاستعمار؟
هذه وجهة نظر. لكنهما مشروعان وحقيقتان تاريخيتان مختلفتان. كل شخص يعطي وجهة نظره، ويمكننا ألا نتفق معه. ولكن هذا لا يعني أنه يجب علينا أن نسلب حرية التعبير من هذا الشخص.
ربما أنت تختلف معه، ولكن هل تدعمه بعد تعرضه للعقوبة؟ يمكننا أن نكون مختلفين ولكنني أدافع عن كلامك.. أليس كذلك؟
بالطبع، أنا أدافع عن حرية التعبير. أنا شخصيا، أدرجت في الجمعية الوطنية تعديلات على قرار يطلب من الحكومة الفرنسية الاعتراف بوضوح وتعويض ضحايا التجارب النووية. هذا الأمر يعود تاريخه الآن إلى 65 عاما ولم يتم حله.
الأمر نفسه ينطبق على قضية الألغام. هناك 11 مليون، تقريبا 12 مليون لغم تم زرعها خلال فترة الاستعمار. فرنسا، بعد بضع سنوات من الاستقلال، قدمت خريطة الألغام، لكنها لم تتدخل بشكل ملموس. لقد طلبت من الحكومة الفرنسية معالجة قضية الألغام والاعتراف بها. في هذه القضايا يجب علينا تحمل مسؤولية ما فعلناه في التاريخ، وقضية الأسلحة الكيميائية هي من نفس الطبيعة، يقع عليها واجب الاعتراف والتعويض.
ما تقولونه مهم للغاية. هل تؤيدون الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت خلال الفترة الاستعمارية؟ هل تؤيدون اعترافا كاملا وليس بمنطق التقطير؟
أنا أثني على عمل بنجامين ستورا. أتمنى أن نتمكن من بناء ذاكرة تسعنا جميعا ورواية مشتركة. طالما ظل كل شخص محصورا في نسخته الخاصة من الأحداث ستستمر حالة سوء الفهم وتمنع أي بناء هادئ ومثمر.
تتحدثون عن ذاكرة ورواية مشتركة.. لكن لا يمكننا أن نضع الضحية والجلاد على قدم المساواة؟
لا أضعهما على قدم المساواة. أقول إنه يجب أن نكون قادرين، خاصة بعد مرور أكثر من 60 عاما، على كتابة تاريخ مشترك. لجنة المؤرخين، التي يقودها بنجامين ستورا، كانت تسير في هذا الاتجاه. ولكن يجب أيضا أن نرافق هذا النهج بمشروع للمستقبل والإمكانات هائلة.
لا يمكننا أن نرى الجانب التاريخي فقط وأن نحصر أنفسنا في البعد التذكاري فقط. إذا كان الأمر للهدم والاستمرار في خلق خلافات، فلا أرى الفائدة... هناك فائدة، بالطبع، ولكنني أقصد أنها ستكون مدمرة إلى حد ما.
دعونا نفعل الأمرين معا. لنبنِ مستقبلا. هناك الكثير لنبنيه معا. العالم ليس بخير. نحن بحاجة إلى شركاء أقوياء ومتعاونين. وفي هذا الإطار، العلاقة الفرنسية الجزائرية ضرورية.
أعيش في ميلوز حيث يقطن عدد كبير جدا من الفرنسيين الجزائريين. أتحدث معهم كل يوم. أنا دائما مع الجزائريين، مع الأتراك مع المغاربة في مدينتي. العالم هكذا. إنه متنوع ويثري نفسه بتنوعه.
وأنا، حيث أعيش، في أخوة مع جميع الجزائريين، لا أجد أن لديهم مشكلة مع الفرنسيين. يجب عدم الخلط بين العلاقة بين الدولتين والعلاقة اليومية بين المواطنين. التوترات سياسية في المقام الأول. لا تجعلوا مواطنينا يتحملون هذه التوترات.
إذن، كيف ترون مخرجا لهذه الأزمة بين الجزائر وفرنسا؟
يعتمد ذلك أيضا على الجزائريين.
الجزائريون فقط؟
لا، بالطبع لا. ولكنه نداء أتوجه به إلى أولئك المستعدين في الجزائر لبدء حوار. هناك خياران: الرد بنفس النبرة ونحن نعلم إلى أين يؤدي ذلك، أي إلى الكارثة، أو اختيار طريق الحكمة وتعزيز شراكة واعدة للغاية. أقوم بهذه الخطوة الأولى، كما فعل جان نويل بارو، وزير الشؤون الخارجية. آمل أن تقوم الشخصيات الجزائرية بالمثل للخروج من المواجهة التي تضر بمواطنينا ومصلحة بلدينا.
إذا استمررنا في المزايدة، فإن ما سيحدث هو أن العلاقات الاقتصادية ستتدهور، وعلاقاتنا في إفريقيا، على سبيل المثال، ستزداد تعقيدا. ستكون هناك أيضا عواقب على المناخ الاجتماعي. الأشخاص الذين تريد فرنسا ترحيلهم والذين يجب على الجزائر استعادتهم سيبقون هنا. سيزداد عدد أوامر مغادرة الأراضي الفرنسية التي لم تنفذ وسيغذي ذلك توترات جديدة.
ما أقوله هو أنه في هذه اللعبة، الجميع خاسر. يجب الخروج من هذه الدوامة. إظهار الحزم قد يكون مفيدا على المدى القصير للتعبير عن العزم، ولكن يجب معرفة كيفية فتح طريق للخروج من الأعلى. هذا ما أقترحه. آمل أن يتم الاستماع إلي.
تسبب موقف فرنسا من قضية الصحراء الغربية في إثارة الأزمة بين البلدين. لماذا تبنت باريس، في رأيكم، موقفا يتعارض مع الشرعية الدولية؟
هذه مسألة تقع مباشرة ضمن اختصاص رئيس الجمهورية، وقد أتيحت له الفرصة للتعبير عن رأيه في هذا الموضوع. لن أضيف أي شيء آخر، لأننا لسنا في إطار العلاقة الفرنسية الجزائرية، حتى لو كان هذا هو أصل هذا التدهور.
ولكن إذا كان يجب أن يكون هناك رد فعل، لا أعتقد أنه كان يجب القيام بذلك على حساب الاتفاقيات المبرمة بين البلدين أو القانون الدولي. على سبيل المثال، عدم استعادة بعض المواطنين الجزائريين الموجودين في وضع غير قانوني في حين أن القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية تنص على عودتهم، لا يبدو لي ردا مناسبا. أتفهم أن هذا يطرح مشكلة في الجزائر وأن ذلك أثار سوء فهم وغضب، ولكن الرد لم يكن ينبغي أن يكون بممارسة الضغط في جوانب أخرى من علاقتنا.
لماذا نتحدث كثيرا عن أوامر مغادرة الأراضي الفرنسية الخاصة بالجزائريين، في حين أن هناك عددا مماثلا من المغاربة ومن جنسيات أخرى؟
لا، هناك عدد أكبر بكثير من الجزائريين.
أتحدث عن معدل العودة، وهو أعلى لدى الجزائريين، وفقا لعرض قدمته السيدة ماتيلد بانو، رئيسة كتلة فرنسا الأبية في البرلمان؟
ربما قد يكون.. لكن إذا أخذنا ماتيلد بانو كمرجع، فلست متأكدا من الحصول على الحقيقة. لا أعرف ما قالته عن الجزائر، ولكن غالبا ما يكون هناك الكثير من التلاعب والأخطاء. لكن سأحاول تفسير لماذا نتحدث كثيرا عن الجزائر. كانت هناك قضية الصحراء الغربية وكان هناك الذي وضع الجزائر في الواجهة، لأن هذا المواطن كان موضوع 14 طلب ترحيل، ولو تم استعادته من قبل الجزائر لما حدثت مأساة مولوز. لذلك، وضعت الجزائر في المقدمة مقارنة بالدول الأخرى. وهذا لا يعني أن هذه القضية غير موجودة مع المغرب أو تونس. وبعد ذلك، هناك رغبة في جعلها حالة نموذجية لتعزيز موقف السلطة في فرنسا. ولكن هنا، نحن نتحدث عن موضوع فرنسي فرنسي أكثر. يجب ألا تقع السلطات الجزائرية في الفخ.
تقولون إنها قضية فرنسية فرنسية؟
بالطبع في جزء كبير منها. أنتم تأخذونها في الجزائر كأنها ضدكم وهذا طبيعي. ولكنها قضية تستخدم، كما قلت في جانبها الأكبر، للنقاش السياسي الفرنسي. إنها وسيلة تستخدم لتحديد خطوط الانقسام السياسي. لذلك، لو كان الأمر يتعلق بموضوع آخر، أو بلد آخر، أو في وقت مختلف، لكانت ردود الفعل الداخلية هي نفسها.
لكن وزير الشؤون الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، صرح قبل مدة بأن الجزائر ترفض استخدامها كموضوع للسياسة الداخلية في فرنسا. بمعنى أن الجزائر لا تقبل أن يتم استغلالها؟
أنا أفهم ذلك. لكن ليس الجميع يتبع هذا النهج أو يستخدم هذا الموضوع كعنصر في السياسة الداخلية. هناك من يفعل ذلك، أما أنا فلا أفعل. ما يهمني هو العلاقة بين البلدين، خاصة العلاقة بين مواطني البلدين.
هل هناك إجراءات يمكن أن يتخذها البرلمانان الفرنسي والجزائري؟ هل هناك اتصالات؟
من جانبي، منذ شهرين وأنا أتخذ خطوات لاقتراح حوار برلماني. آخر مبادرة لي هي رسالة أرسلتها إلى نظيري، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري، أقترح فيها أن يزور وفد من النواب الفرنسيين الجزائر لمناقشة الأمر معه ومع السلطات الجزائرية في إطار البرلمان.
أنا أؤمن كثيرا بالدبلوماسية البرلمانية. لقد مارستها في هيئات أخرى بنجاح. الدبلوماسية البرلمانية هي طريق جيد جدا، خاصة عندما تكون العلاقات بين السلطات التنفيذية متوترة أو حتى مسدودة، فإن البرلمانيين يمثلون المواطنين. ليس لديهم نفس الأهداف ولديهم مرونة أكبر في العمل.
وبما أن مواطني البلدين يتحدثون مع بعضهم البعض ويحبون العيش معا، أعتقد أن ممثليهم يمكنهم فتح طريق المستقبل الهادئ، وهو ما يرغب فيه الغالبية العظمى من مواطنينا.