38serv

+ -

لا شك أنها من أكثر الأصوات قوة وتأثيرا في فرنسا لما يتعلق الأمر بالدفاع عن الجزائر وجاليتها وذاكرتها الاستعمارية الأليمة. صبرينة صبايحي النائب الفرنسية عن منطقة "إيفري سور سان" بالضاحية الجنوبية للعاصمة الفرنسية، تمثل نموذجا للسياسي المناضل الذي يحمل قضية عادلة لا يساوم فيها أبدا حتى ولو كان يسبح ضد تيار جارف.

هذه السيدة ذات الملامح الصارمة والبلاغة القوية عندما تمسك بميكروفون البرلمان الفرنسي، تتصدى لخطاب اليمين بشجاعة ومنطق كلّفها في كثير من الأحيان تهديدات ورسائل سب وشتم. حققت في مسارها الكثير من الانتصارات التكتيكية، مثل نيل الاعتراف بجرائم 17 أكتوبر 1961 وفتح ملف مجازر 8 ماي 1945.. كل ذلك، في سبيل معركتها الكبرى: الحصول على اعتراف كامل وصريح لفرنسا بجرائمها في الجزائر.

في هذا الحوار الخاص مع "الخبر" الذي افتك معها في آخر لحظة بسبب أجندتها المكثفة، تتكلم صبايحي التي تعرّف نفسها بابنة الجزائر، بحرقة وغضب، عن الخطاب المرضي الذي يستهدف الجزائر على مدار الساعة في فرنسا. تهاجم وزير الداخلية برونو روتايو رأس حربة هذه الحرب النفسية وتنتقد عجز وزير الخارجية عن وضعه عند حده. تتحدث عن مشاريعها المستقبلية فيما يخص الذاكرة وعن مشروع تجريم الاستعمار الذي ينوي البرلمان الجزائري تبنيه، وتؤكد أن الجزائر وفرنسا يربطهما معا ملايين الأبناء المشتركين، وهما بلدان محكوم عليهما أن يتعايشا معا في أخوة وسلام.

تتدهور العلاقات بين الجزائر وفرنسا بشكل لافت، كيف تتعاملين مع هذه المرحلة الصعبة، وما هي التأثيرات المحتملة على الجالية الجزائرية؟

هذا الوضع لا يرقى لمستوى اللحظة ولا لمستوى التاريخ، من الواضح أن صورة الجزائري أصبحت مستغلة من قِبَل جزء من اليمين واليمين المتطرف ككبش فداء لمشاكل البلاد، أوجه تحذيراً رسميا "نحن نعرف من التاريخ أن مثل هذا النوع من التمييز والوصم لا ينتهي أبداً بشكل جيد".

أين يقف الرئيس ماكرون ووزير خارجيته ورئيس وزرائه من هذه الأزمة؟ ولماذا يتركون المجال مفتوحاً أمام السيد روتايو؟ هل يتعلق الأمر بخلاف حقيقي في الرؤى أم هو مجرد توزيع أدوار؟

 برونو روتايو ينظر إلى تاريخ فرنسا بعقلية طفل صغير يلعب بجنود مصنوعين من الرصاص في غرفته، هو يرى أن الاستعمار كان أمراً عظيماً وصفحة مشرقة من تاريخ فرنسا، لأننا -حسب زعمه- جلبنا لشعب همجي ومتخلف كل أنواع الطرق والبنى التحتية..
 الرئيس الفرنسي لديه مقاربة مختلفة وقد عبّر عنها بوضوح، السيد بارو (وزير الخارجية) أيضاً لديه وجهة نظر مغايرة، ومن الأفضل أن يُعبّر عنها بصوت أعلى، لأن الناس بدأوا يتساءلون عمّا إذا كان برونو روتايو يسعى إلى ضم "الكيدورسي" (وزارة الخارجية الفرنسية) بالإضافة إلى الجزائر (تعلق بسخرية). أما فيما يخص جوهر الموضوع، فنحن نواجه مشكلة مع الأشخاص الخاضعين لأوامر الترحيل، ومن المنطقي أن تتعاون البلدان لتنظيم عملية إعادتهم وفقاً للقانون الدولي الساري على كليهما.

من الناحية التقنية، عند مقارنة مطالب فرنسا بردود وزارة الخارجية الجزائرية، من برأيكِ على صواب؟

من الناحية التقنية، حكم القضاء ضد الوزير (تقصد قضية المؤثر بوعلام)، لا يمكنك ترحيل الناس كما لو كنت ترسل طرداً بريدياً. ومع ذلك، من الصحيح أن جزءاً كبيراً من الرأي العام الفرنسي لا يفهم لماذا لا تستعيد الدول الأجنبية، مثل الجزائر وغيرها، رعاياها المُرحّلين الذين ارتكبوا جرائم. يجب أن نستمع إلى هذا القلق، لكننا لن نقبل أبداً أن يُستخدم هذا الأمر كذريعة لوصم ولمز الجزائريين أو أي أجنبي بدافع الانتقام أو العنصرية.

شهدت الجمعية الوطنية الفرنسية منذ بداية الأزمة نقاشات حادة حول الجزائر نقلتها الصحافة الجزائرية بشكل واسع، كيف تقيمين موقف البرلمان الفرنسي من هذه الأزمة؟

++الجمعية الوطنية تسير في نفس اتجاه البلاد: إلى اليمين جميعا. لدينا تيار الوسط (ينتمي إليه الوزير الأول الحالي) الذي يتجاوز أحياناً بشاعة خطاب اليمين المتطرف المعادي للأجانب، وهذا يمثل مشكلة. بشكل عام، تبدو هذه اللحظة السياسية مائلة نحو المزايدات الشعبوية والعنصرية، يجب أن نستعيد الهدوء وأن نضع مصلحة البلد أولاً، والمصلحة تكمن في إقامة علاقة قوية وأخوية مع الجزائر.

تثير اتفاقية 1968 الكثير من الجدل في فرنسا. البعض يعتبرها مشجعة للهجرة الجزائرية، وآخرون يرونها فارغة المحتوى. هل تعتقدين أنه يجب إلغاؤها أم تعديلها فقط؟

لا أريد حتى الخوض في هذا الموضوع، لأن الاتفاقية يتم استغلالها بشكل كبير. من الواضح أنه لم يتبقَ الكثير من اتفاقيات 1968، لكن بما أن بعض السياسيين يصرّون على مناقشتها، فليلغوها إذا أرادوا وسنعود إلى اتفاقيات إيفيان التي تضمن حرية التنقل!

أنتِ منخرطة بشكل كبير في النضال من أجل الذاكرة الاستعمارية المتعلقة الجزائر، وقد حصلتِ على اعتراف الجمعية الوطنية بمجازر 17 أكتوبر 1961، ما الذي يحفزكِ للعمل على هذا الملف؟

أنا ابنة مهاجرين جزائريين علموني قيم الكرامة والاحترام والفخر، وهي قيم يتقاسمها الشعب الجزائري. كوني نائبة فرنسية، أرفض أن تُستغل الذاكرة التاريخية لتقديس ما قام به الجيش الفرنسي من أعمال مشينة. هذا الأمر بالنسبة لي غير مقبول، وهو دين عليّ تجاه الجزائر التي هي بلدي وبلد أجدادي. مثلاً، عندما يتعلق الأمر بمجازر سطيف، فهذا جزء من تاريخي العائلي لأن عائلتي تنحدر من هناك. فرنسا والجزائر مرتبطتان للأبد بملايين من مزدوجي الجنسية والمجندين السابقين والمستوطنين السابقين... نحن ملزمون بإيجاد مخرج لهذا المأزق الحالي.

تعملين أيضاً على الاعتراف بمجازر 8 ماي 1945، أين وصل هذا المشروع؟ وهل لديكِ مبادرات أخرى لتعزيز قضية الذاكرة؟

لقد مرَّ أكثر من عام وأنا وزملائي النواب نعمل على الاعتراف الكامل بهذه الجريمة من قبل الحكومة الفرنسية. لقد استمعنا لمؤرخين وأسر الضحايا ونخطط لزيارة سطيف في 8 ماي القادم لإحياء الذكرى الثمانين لهذه المجزرة. بالتوازي مع ذلك، أعمل على استعادة بعض الممتلكات مثل آثار الأمير عبد القادر، على سبيل المثال.

أثارت تصريحات جان ميشيل أباتي، التي قارن فيها الجرائم الاستعمارية الفرنسية بالنازية، جدلاً واسعاً. لماذا، برأيكِ، لا يزال المجتمع الفرنسي غير متقبل للاعتراف بالجرائم الاستعمارية؟
هذا سؤال معقد منذ سيزار، نعلم أن النازية استلهمت بعض وحشيتها من نفس الأيديولوجيا التي سمحت بالاستعمار.
 جزء كبير من المجتمع الفرنسي يجهل تماماً تاريخ غزو الجزائر. لا يتم تدريسه أبداً في فرنسا. نحن نجهل كل شيء عن لاموريسيير، ومونتانيك وسانت أرنو، الذين كانوا مجرمي حرب حقيقيين.

ثم إن فرنسا الحديثة تأسست على شخصية الجنرال ديغول كرمز لمقاومة النازية، من الصعب على البعض أن يتقبلوا أن بلادهم ارتكبت جرائم مشابهة، مثل استخدام الغاز ضد السكان، وهي جرائم تشبه ما ارتكبه النازيون.

بالنسبة للكثيرين الجزائر كانت تُعتبر أرضاً فرنسية، حتى أنها أصبحت فرنسية قبل منطقة سافوا (شرق فرنسا المحاذي لسويسرا وإيطاليا)! لذلك، هناك حنين يتحول إلى عنف عندما يرون فقط ألم فقدانها دون تذكير بأن الجزائريين لم يطلبوا من الفرنسيين المجيء، وأنهم عانوا من نظام استعماري وحشي طوال 132 سنة.

طلبتِ عرض فيلم وثائقي حول استخدام فرنسا المكثف للأسلحة الكيميائية خلال الثورة الجزائرية في الجمعية الوطنية، ما هدفكِ من ذلك؟

إلغاء بث هذا الفيلم الوثائقي من قناة عمومية، هو أمر مخزٍ وغير لائق ببلادنا. نحن نحتاج في هذه اللحظة إلى رؤية الحقيقة كما هي، من الضروري أن يراها الجميع، لذلك أريد عرضه لمناقشة هذه المسألة.

هل تعتقدين أنه سيأتي يوم يتم فيه الاعتراف بكل الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر بشكل كامل؟

حالياً لا نسير في هذا الاتجاه، ولكن ماهية السياسة تدور حول بناء طرق للتفاهم، الحقيقة التاريخية ستكون دائماً في صف العادلين، فرنسا قوية بما يكفي لتتحمل مواجهة ماضيها والاعتراف بالأخطاء.

البرلمان الجزائري يفكر في تبني قانون يجرّم الاستعمار. ما هو موقفك من ذلك؟

هذا تطور تاريخي منطقي، إذا لم ندن الاستعمار بشدة، فسنكون محكومين بتكراره، نفس المنطق يحدث الآن في غزة، النضال ضد الاستعمار هو نضال حياتي.

كلمات دلالية: