
أكّد المفكر الإسلامي الدكتور صافي قصقص، في حوار مع جريدة "الخبر" أنّ ترجمته لمعاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية الهدف منه توفير ترجمة سهلة القراءة والفهم، مشيرا إلى أن الحديث عن القرآن الكريم كان قد كثُر في الولايات المتحدة وأصبح القاصي والداني يتناول القرآن بطريقة بعيدة عن الالتزام الأكاديمي أو الاحترام الواجب لكتاب يؤمن مليار ونصف من البشر أنه مُنزّل من عند الله سبحانه وتعالى لهدايتهم وهداية الناس أجمعين. وأن هذه الترجمة لا تتعارض مع كتب التفسير التّراثية. ملفتا إلى أن النُّقّاد يرون أن هذه الترجمة أضافت السلاسة والبساطة والفهم المعاصر، مما مكّن القراء من فهم المعنى. منتقدا بعض الترجمات بسبب أخطاء سبّبت للمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية مشاكل مع جيرانهم المسيحيين واليهود. كما تطرق إلى الفروق بين هذه الترجمة والترجمات الإنجليزية التي سبقته، والأخطاء التي وردت في الترجمات السابقة وغير ذلك.
ترجمتم مؤخّرًا معاني القرآن الكريم برغم من كثرة التّرجمات ومنها ترجمة مجمع الملك فهد وغيرها، لماذا؟
دخلت العلاقات بين المسلمين والغرب مرحلة جديدة بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م انتشرت فيها كراهية المسلمين في الغرب الأوروبي وخاصة في الولايات المتحدة بما يعرف بالإسلاموفوبيا.
كان انتشار الإسلاموفوبيا أو كراهية المسلمين سببا للقدح والذّم بالمسلمين وبكتابهم الذي اتُّهِم بأنه يحضّ على الإرهاب ولا يعطي للحياة البشرية أيّة قيمة كما أنه يحضّ المسلمين على قتل كل من كان غير مسلم. وكان هذا الكلام الذي يتردد في وسائل الإعلام حافزا لي لترجمة معاني القرآن بلغة إنجليزية سهلة الفهم وإظهار جماله وإعجازه. ذلك أن أعداء الإسلام كانوا يستعملون ترجمات غير دقيقة بعضها من وضع المسلمين، يستشهدون بها في وسائل الإعلام ويحاسبون المسلمين على أساسها، متجاهلين أنّ الترجمة ليست القرآن بل هي فهم المترجم للنص وليس لها أية قدسية.
وكان الهدف توفير ترجمة لمعاني القرآن الكريم بلغة إنجليزية سهلة القراءة والفهم وذلك لأن الحديث عن القرآن الكريم كان قد كثر في الولايات المتحدة وأصبح القاصي والداني يتناول القرآن بطريقة بعيدة عن الالتزام الأكاديمي أو الاحترام الواجب لكتاب يؤمن مليار ونصف من البشر أنه مُنزّل من عند الله سبحانه وتعالى لهدايتهم وهداية الناس أجمعين. والخطأ الشائع بين الكثير من الأمريكيين أنهم لا يفرقون بين الأصل والترجمة. فالكتاب المقدّس (الإنجيل) مثلا لم ينزل باللغة الإنجليزية و لكنه ترجمة عن تراجم سبقته، ولكن الاعتقاد السائد خاصة بين الكثير من الأمريكيين الإنجيليين أن الترجمة الإنجليزية التي بين أيديهم هي كلام الله وأنها غير قابلة للخطأ (inerrant)، غير مدركين أن الترجمة مهما تحرّت الدقة تبقى في النهاية فهم المترجم للنص.
وقد أنجزتُ الترجمة والحمد لله وكان معي فريق من الزملاء -موزع في أماكن مختلفة من العالم- يسّره الله لي وكل له مهمته. فكان هناك فريق يتأكد من أن الترجمة لا تتعارض مع كتب التفسير التراثية ولو كان هناك تعارض ما لأبرزوه لي ولفتوا نظري إليه كي نناقشه.
وقد كان من المهم في الوقت نفسه أن ينظر جميع أعضاء الفريق إلى القرآن فيروه بأعين حديثة وأن يفهموا معانيه حسب معارف العصر. فالقرآن لكل العصور، وهناك اليوم أمور كانت بالأمس غيبية ولكنها أصبحت معلومة لنا. لذلك لا يجوز أن أظل واقفا عند تفسير ابن كثير مثلا وأن أتجاهل أن هناك تقدم هائل في وسائل المعرفة، وهناك اكتشافات علمية في شتى المجالات فاقت في العقود الأخيرة كل ما سبقها؛ وكان من المستحيل على ابن كثير أن يعرفها في زمنه. وخير مثال على ذلك معنى «الطَّارِقُ» كما ورد في سورة الطّارق. لذلك كان هناك فريق آخر يُراجع العلاقة بين المكتشفات العلمية وعلاقتها بإشارة القرآن الكريم للكثير منها. وقد كان على هذا الفريق أن يتأكد أن تنويه القرآن بتلك المعجزات العلمية حقيقي كي لا نقع في فخ المتغيرات في الاكتشافات العلمية والتي تقدم لنا يوما على أنها حقائق ثم يتغير فهم العلماء لها بعد فترة.
هل معنى هذا أننا نحتاج لترجمة جديدة رغم كثرة الترجمات؟
إن الترجمات الموجودة (عددُ ما أملكُهُ منها يفوق الستين ترجمة)، لم تُكتَب لأحفاد المسلمين في الولايات المتحدة بل كُتِبَت لأسباب مختلفة. معظمها لغتها قديمة وألفاظها لم تعُد مستعملة، كما أن مفرداتها أصعب مما تعوّد الناس العاديون على استعماله. لذلك قصدنا أن نُتَرجِم معاني القرآن الكريم بلغة مُيسّرة سلسة يفهمها أحفادنا الشباب في الولايات المتحدة كي تُقَرّبهُم من معاني القرآن وتُحَبّبهم به وبلغته الأصلية فتُشَجّعُهم على تعلُّمِها بإذن الله، وهذا كله من باب التدبر والتفكر بالقرآن.
ما تقييمكم لترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية؟
الترجمات كثيرة ومن أفضلها في نظري ترجمة "ليوبولد فايس" الذي أصبح اسمُه بعد إسلامه "محمد أسد". أما أحدث الترجمات فهي ترجمة "د. محمد عبد الحليم" والتي نشرتها أوكسفورد؛ ولكنها ترجمات توجهت للأكاديميين وليس للناشئة، وهناك أيضا ترجمة "سيّد حسين نصر" والتي ظهرت في أواخر السنة الماضية والمسماة "The Study Quran" وهي ترجمة جيدة جدا عمل عليها فريق من الأكاديميين المسلمين.
ما هي أبرز الأخطاء التي وردت في بعض الترجمات؟ وهل تؤثر سلبا على القارئ؟
أسوأ هذه الترجمات هي الطبعة القديمة من الترجمة المعروفة بـ"ترجمة هلالي وخان" والتي كُتبت وطُبعت في المدينة المنورة ووُزّع منها الملايين في الغرب. وسأذكر أمثلة عن الأخطاء الواردة فيها لأنها تُوزّع على أبناء المسلمين في جميع أنحاء العالم فتؤثّرُ فيهم سلبًا وتقع بين أيدي أعداء الإسلام فيجدون فيها بابًا مفتوحًا على مصراعيه لنقد القرآن.
من هذه الأخطاء التي تكاد تتكرر في كل صفحة تقريبا، أن ترجمة معاني آية لا تتجاوز عدة كلمات تجدها قد تحولَت بقدرة قادر لعدة أسطُر من اللغة الإنجليزية تشابكت فيها الترجمة مع الأقواس المتقاطعة في خلط عجيب بين المراد من معان وبين وجهة نظر المترجمان وتعليقاتهم بطريقة قد تصل إلى حد الابتداع في ليّ معاني النص الذي بين أيديهم. ولا يتـبيـن حجم الخلل إلا لمن يعرف اللغتين العرببة والإنكليزية.
وقد وُزّعت ترجمة هلالي وخان المسماة The Noble Quran بكثافة في الولايات المتحدة الأمريكية ولكنها شكّلت لنا مشكلة مع جيراننا المسيحيين واليهود الذين حصلوا على هذه الترجمة من المساجد ومن جيرانهم الذين لم يَعُوا عِظَم وخطورة المشاكل المُخَبّأة داخلها ابتداء من ترجمة الآية السابعة من سورة الفاتحة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}.
7. The Way of those on whom You have bestowed Your Grace, not (the way) of those who earned Your Anger (such as the Jews), nor of those who went astray (such as the Christians).
واعتراضنا هنا محدّد بإضافة فهم المترجم، بغضّ النظر عن صحته من عدمها، إلى جانب النص القرآني، و الأولى أن يزيّل به لا أن يضاف إلى النص حتى لا يخلّط القارئ بين ما هو قرآن وما هو تعليق.
وبعد جهد جهيد مع المسؤولين السعوديين، ولمدة تزيد عن العشر سنوات، تم حذف هذا التعليق من النسخ الجديدة المطبوعة، بينما بقيت النسخة الإلكترونية على حالها.
بل إن المتـرجميْن لم يَعِيَا في ترجمتهما للمعاني المحاذير السياسية التي تعطي لإسرائيل الحق في القدس فكانا يُضيفان من بنات أفكارهما في كل مرة أشار الله فيها إلى قيام بني إسرائيل بدخول القرية بين قوسين بأن المعنى المقصود بالقرية هو دخول أورشليم (Jerusalem) وهو الاسم الذي يُطلَق على القدس (انظر مثلا الآية 58 من سورة البقرة، والآية 161 من سورة الأعراف).
وفي كل مرة وردت كلمة "قُلْ" قام المترجمان بوضع اسم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في نفس ترجمة معاني الآية بين قوسين مع الصلاة على النبي باللغة العربية، مما يعطي الانطباع لمن لا يعرف العربية بأن الأمر موجّه من الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام بالتحديد، وليس لكل من يسمع النص.
إن حجم الأخطاء في هذه الترجمة للمعاني فيها الكثير من التقَوّل على الله لأن القارئ الذي لا يُجيد العربية سوف يجد أنه يَغُوص في معاني إضافية لم تنص عليها الآية، مما قد يصل بنا إلى المحذور القرآنـي في الآية: 78 من سورة البقرة: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.
ما الشيء الذي أضفته في ترجمتكم لمعاني القرآن الكريم؟
ترجمتنا كما يقول النقاد أضافت السلاسة والبساطة والفهم المعاصر، مما مكّن القراء من فهم المعنى. وهذا ولله الحمد هو ما قصدناه، و الله من وراء القصد.
أما الإضافة الأهم فهي أن المسلمين في الولايات المتحدة يخوضون منذ الحادي عشر من سبتمبر حربا شعواء تُشَنّ عليهم من قوى غاشمة ظالمة جنّدت الأقلام ووسائل الإعلام لمهاجمة الإسلام نفسه والمسلمين جميعهم ومهاجمة نبيهم صلى الله عليه وسلم وكتابهم، وهنا بيت القصيد، مستعملين ترجمة "هلالي" و"خان" المتشددة والرافضة للآخر، وكأنها القرآن نفسه. فوجود ترجمة تعتمد ما علّمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم من محبة الجار وترك أمر أهل الكتاب لرب العالمين كي يُفصِل بيننا يوم القيامة مع عدم التراخي أبدا في نقل المعنى القرآني كما هو، كان ردنا العملي للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ومنهاجنا ما جاء في كتاب الله في الآية 46 من سورة العنكبوت: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون}.
لذلك فإنني أستطيع أن أواجه الآن بقوة من يُحَاورُني على التلفاز في أمريكا فهو إما أن يستشهد في حواره معي بالنص القرآني باللغة العربية وإما أن يستعمل ترجمتي لمعاني القرآن.
هل صادفتكم مشاكل عملية أثناء أو بعد صدور الترجمة خاصة حينما تناقشون موضوع "القرآن" مع الأكاديميين الغير مسلمين؟
نحمد الله سبحانه وتعالى على تيسيره لكل ما تعلق بهذه الترجمة، والحمد لله أننا لم نصادف أية مشاكل بعد صدور الترجمة، لا من الأكادميين الأمريكيين ولا من غيرهم، علما أنني باستمرار أدعى لزيارة الجامعات والكنائس للتحدث عن الإسلام والقرآن.
ما مدى اهتمام أبناء الجاليات المسلمة بترجمات معاني القرآن الكريم، وأيضًا الأكاديميين الغربيين؟
يُبدي أبناء الجاليات المسلمة في الولايات المتحدة اهتماما كبيرا بترجمات معاني القرآن لأنهم يفهمون القرآن من خلالها. ولا يخفى أن الجاليات مهتمة بتعليم أولادها اللغة العربية، ولكن هذا الجهد بحاجة إلى دعم مستمر حتى يستطيع أن ينمو وأن يزدهر.