+ -

أكد الشيخ أبو جرة سلطاني، في حوار مع "الخبر"، حول تفسيره للقرآن الكريم "حركة القرآن المجيد: في النفس والمجتمع والتاريخ" في 25 مجلدا، والذي سينزل للسوق قريبا، أن "الإسلام دعوة عالمية لتحرير الإنسان، وقد حقق في القرون الثلاثة الأولى صفته العالمية، وهو في طريقه لبلوغ ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل"، مشيرا إلى أن الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى تفسير حركي؛ تتداخل فيه حركة الفقه بحركة الحياة، وتتعانق فيه السياسة بالاقتصاد والثقافة بالاجتماع والعمل بالعلاقات الإنسانية والدعوة بالدولة والشريعة بالقانون والجماعة بالمجتمع، وكل هذا في هذا الحوار.

 

سينزل إلى المكتبات قريبًا تفسيركم للقرآن الكريم في خمسة وعشرين مجلدا بعنوان "حركة القرآن المجيد: في النفس والمجتمع والتاريخ"، كيف جاءتكم فكرة هذا التفسير الضخم؟

الفكرة قديمة منذ كنت إماما بمساجد الجمهورية. وقد فسرت سورة الأعراف وسورة الكهف ومريم وطه والنور.. بين سنوات 1980/ 1994. وفي سنة 2012 عقدت العزم على تفسير القرٱن الكريم كله تفسيرا دعويا اجتماعيا بلسان عصرنا باجتهادات جديدة في الفكر والتصور والدعوة والاجتماع والسياسة والعلاقات الدولية.. ووضعت منهجا مرنا يجمع بين المأثور والتأويل بشيء من اليُسر والوضوح في تناول مسائل الفقه، وهو تجديد يولّي وجهه شطر المقاصد والغايات دون إيغال في التاريخ ودون إثقال المتن بالأسانيد والتخبط في الإسرائيليات وفي ما ليس له سند من عقل ولا نقل. فلا رواية إلا بعلم وتوثيق، ولا نقل إلا بصحة وتحقيق، ولا ادعاء إلا بدليل. فكان هذا الجهد.

 

قبل الحديث عن المضمون حدثنا عن المنهج الذي اتبعتموه في إنجاز هذا الجهد الكبير؟

سلكتُ لتحقيق هذه الغاية سبيلا وسطا بين أهل الذكر الموصولين بالحق وبين أهل الفكر الراسخين في العلم العالمين بالتأويل وبين أهل الرواية في التحقيق والتدقيق وبين أهل الدراية الموصولين بحركة النفس والمجتمع والتاريخ. مع شيء من تجربتي في الحياة.

 

لو تكرمتم بشيء من التبسيط؟

اختطتُ لنفسي منهجا وسطا بين الفكر والذكر، ورسمت غايات متحركةً مع حياة الناس تستوعب شؤون معاشهم من الاقتصاد إلى السياسة ومن الاجتماع إلى التجارة ومن الثقافة إلى الفن والتاريخ إلى الحروب القتالية.. دون أن أبتعد كثيرا عن الغاية التي من أجلها وضعت هذا التفسير وهي تجديد فهم رسالة الإنسان في الحياة بتجديد خطاب الدعوة التي نزل الوحي الخاتم بها خطابا عالميا غايته الأولى حرية الإنسان. فانتقلتُ من نفس الفرد إلى محيط الجماعة إلى الدولة فالحضارة فحركة الكون كله. لاعتقادي أن الإسلام دعوة عالمية لتحرير الإنسان. وقد حقق -في القرون الثلاثة الأولى- صفته العالمية وهو في طريقه لبلوغ ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل.

ومن أجل إعادة بعث حركة الوحي في النفس والمجتمع والتاريخ تحاشيت تنطّع من جازفوا بالتأويل والرأي فزاغوا، وسلكتُ مهيع من فسروا القرآن بالقرآن مع استئناس واسع بأسباب النزول بأسلوب بعيد عن الإيغال المبهم في الغيب وعن التبسط المسرف في شؤون الحياة الصغيرة وعن التأويل الغالي الذي لا تتحمله أساليب اللغة العربية. كما تحاشيت الاستقصاء المفرط في نقل ثمرات العلوم والمخترعات وتحاشيت أيضا الاختصار المخل في استدعاء ما قدرت أنه حقائق علمية. ولكني لم أبالغ في النقول ولم أستطرد في سرد القصص، من منطلق أن أفضل المسالك وأكثرها أمانا هي التعامل مع كلام الله بكلامه والاستعانة بسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم على الفهم وعلى التنزيل والعودة إلى آثار السلف لتوسيع مدارك فهم حركة الوحي في النفس والمجتمع والتاريخ.

 

هل تعتقدون أن تفسيركم للقرآن الكريم سيكون محاولة منكم لتجديد فهم المسلمين لكلام ربهم بلغة عصرهم؟

نعم، هي محاولة لتجديد فهم المسلمين لكلام ربهم جل جلاله بلغة متناسبة مع عصرهم، وغايتي القصوى تحريك كلام ثابت في واقع متحرك وفي مجتمع متطور وفي عالم متدافع فقدت أمة الإسلام فيه القدرة على فهم لغة الوحي الناطق بالحق، فأردتُ تبسيط الفهم بإخراج اللغة التي نزل بها القرٱن من بطون المتون إلى حركة الحياة بيقين أن القرآن المجيد كله "وحدة إيمانية" موزعة على 114 وحدة هي مجموع سور القران الكريم ولكل سورة "شخصيتها" وإيقاعها ووقعها على النفس.

 

ما مبرر تقديم تفسير جديد في السياق الإسلامي القائم؟

المبررات كثيرة ولكن أظهرها ثلاثة: أولها ضروري، وثانيها تاريخي، وثالثها واجب وقت. أما الضروري: فتمليه حاجة هذا الجيل إلى تفسير يخاطبه بلغته وبلسانه ويستعرض قضاياه. وأما التاريخي: فيقيني أن لكل جيل حظه من كتاب الله رواية ودراية لتجديد الدين وتقديمه في أبهى حلة تناسب عصره. وأما واجب الوقت: فنابع من حاجة الأمة إلى نهضة حضارية مرتقبة يسبقها ما يشبه "إحياء علوم الدين". فالعلم سابق للإيمان وسابق عن العمل أيضا. والأمة تنهض بالعلم وتتطور بتجديد الفهم.

 

إذا كان الأمر كما تعتقدون، ما مدى توفيقكم في إنزال فهمكم للنصوص القرآنية على الواقع اليومي للمسلم؟

اجتهدتُ ما وسعني الاجتهاد في قراءة واقع أمتي وفي استشراف مستقبلها وفي ربط حركتها بحركة الوحي انسجاما مع ضميرها استئناسا بما فقهته من سنن الكون في التدافع ومن جريان أقدار الله في ملكه (تفسير مقدمة سورة الروم مثالا) وبما استخلصته من تعقيب الوحي على انتصار المسلمين في غزوة بدر وعلى انكسارهم في غزوة أحد... إلخ؛ ثم إن اشتغالي بالتعليم الجامعي وبالإمامة وبالدعوة والوزارة والبرلمان، واحتكاكي الواسع بقضايا الأمة على تنوعها، كلها تجارب حياة وظفتها في فهم كلام الله فهما عمليا وفي التعرف الواقعي على مشكلات البشرية؛ وهو ما يسّر لي تنزيل فقه الإسلام على حركة الواقع. فهذا الجهد ليس ثمرة سنوات تأليفه إنما هو خلاصة تجربة أجيال متعاقبة.

 

على ذكر الزمن، كم قضيتم من وقت في إنجاز هذا التفسير الضخم؟

هو ثمرة حياتي كلها، ولكن تأليفه ومتابعة تدقيق مادته العلمية استغرق اثنتي عشرة سنة، هي أجمل سنوات عمري، سنوات قضيتها في صحبة آيات الذّكر الحكيم أتتبّع مواطن حركتها في نفسي وفي مجتمعي وفي تاريخ أمتي وفي عوامل قيام الحضارات وفي أسباب سقوطها دون إيغال في علم الكلام ولا خبط في الأسئلة الوجودية، إلا ما كان دحضا لشبهة أو بيانا لحقيقة علمية أو تقويما لاعوجاج طارئ على طبيعة خير أمة أخرجت للناس.

 

ما الغاية الأساس من هذا الجهد المضني؟

أقصى ما كنت أصبو إليه، في بداية تدبّر آيات القرآن والتفكر في كلماته؛ هو العيش مع كتاب الله تعالى، سورة سورة، وآية آية، وكلمة كلمة، والوقوف خاشعا كلما فتح الله عليّ بفهم معنى كان مستغلقا، أو بفقه مسألة كانت غامضة، أو بتجليّة فكرة لم تكن معلومة عندي. فقد ذقت حلاوة الإيمان في تدبر كلام الله وعرفت نعمة الإسلام في صحبة الرسل والأنبياء الذين لاقوا من أقوامهم ما لم أكن به محيطا، لاسيما أولو العزم من الرسل.

وأما الغاية الأخرى فطمعي في أن أستفز عقول العلماء وأهل الفكر والذكر بما يكتشفونه في فهمي لكلام الله من تقصير أو خلل أو زلل.. فيكون ذلك حافزا لهم على الإدلاء بدلائهم في "ثورة تجديد" أراها وشيكة، وأسأل الله أن يجعلني أحد مفاتحها.

 

هل أفهم من كلامكم أن مبتغاكم من وراء هذا الجهد هو إنجاز تفسير جديد يحرك السواكن؟

لستُ أطمح في إضافة "تفسير جديد" إلى ما هو قائم ومتداول من تفاسير تزخر بها مكتبات العالم الإسلامي ويفخر بها المسلمون، لكن كثرة التفاسير لا تمنعني من المساهمة بتوضيح معاني مفردات قديمة بلغة سهلة متحركة في "فقه الحياة"، لغة مفهومة لأبناء جيلي تُفسّـر لهم ما بأنفسهم من غموض وتجيب على كثير من الأسئلة التي لم تكن مطروحة زمن الزمخشري والبغوي وابن كثير والقرطبي... إلخ. فزماننا موصوف بتزاحم العلوم.

وكلّما كانت الإحاطة بالعلوم غزيرة واسعة كلما كان الفهم أكثر استيعابا لحركة الحياة. فغزارة العلوم تساعد على الفهم وعلى توسيع المعاني وعلى استيعاب المزيد من أقضية الحياة المتغيرة بحركة الإنسان في بيئته وفي زمانه، وهو ما حاولتُ الإفادة منه.

 

ولكن التفاسير لم تترك من أمور العقيدة والشريعة والفقه والتصور والملل والنحل شيئا، فكيف تعاملتم مع هذا التراث الثقيل؟

من أجل تلافي الخوض في مثل هذه القضايا، ضربتُ صفحا عن كل ما له صلة بالملل والنحل والمذاهب والفرق والطرق الصوفية ومسائل الكشف والرؤى.. إلا ما لا يتم واجب الفهم إلا بإثارته. ومع ذلك تحاشيتُ الخوض الواسع في من خاضوا في كلام الله بغير علم. فمررت على خوضهم مرور الكرام وتحاشيت الإفراط في النقول والإسراف في سوق الشواهد التي ترجّح مذهبا أو تعظّم توجّها أو تسفّه رأيا بغير أدلة ثابتة مرجّحة. وحاولتُ -قدر جهدي- استبعاد الإسرائيليات وتكلف تأويل المتشابه لعلمي أن الفرق شاسع بين من يفهم معاني القرآن الكريم فهما ذوقيا وبين من يحاول فهمها علميا، وبين من يريدها مقاصديا أو فقهيا أو لغويا أو حركيا... وكل فهم له مسوغات الدوران مع الزمان والمكان والحال والعُرف، لاسيما الذين رزقهم المولى جل جلاله ثقافة محيطة أو حازوا علما عميقا في مجال معرفي تخصصي واحد صاروا بفضله أصحاب ذكر  فكانوا شهداء على زمانهم لا يُباريهم أحد في مضمارهم.

ومع ما بذلوا من جهد فقد كتبوا لزمانهم ولأجيالهم، إلا ما كان من عقيدة وحلال وحرام، ومن نصوص ثابتة لا اجتهاد فيها، وكلهم مجتهد لزمانه.

 

من هم أبرز المفسرين الذين تأثّرتَ بهم خلال إنجازكم هذا التفسير؟

أثّر في منهجي وفهمي ثمانية مفسرين كبار: ابن جرير الطبري بجامعه المأثور مع ما فيه من إسرائيليات. والبغوي في معالم التنزيل لسلامته من البدع وخلوّه من الأحاديث الموضوعة ولزومه السنة في المنهج والاعتقاد والتحرير. والقرطبي بما اختص به من فقه رشيد لكلام الله وقول سديد في استنباط الأحكام من النصوص وتتبّع أدلتها وتقصّي شواهدها، فتفسيره اسم على مسمّى. وابن كثير الدمشقي في تفسيره للقرآن العظيم مع ما تضمن من تكرار ومراكمة الروايات. والشيخ ابن عاشور التونسي المغاربي في تحريره وتنويره ونظراته المقاصدية. وسيد قطب في ظلاله وجمال لغته ورقّة أسلوبه ووضوح تصوره وصفاء ذهنه، مع شيء من التشدد المغمور في بحر حسناته. والشيخ الشعراوي في خواطره وما تجلّى له من أنوار المعرفة وأطايب الثمار. وابن باديس في دقة تنزيل الفهم على الواقع (ولكن لم يصلنا من تفسيره إلا النزر القليل).

وقد رأيتُ من الوفاء لأهل الفضل الإشارة إلى الاقتباس من هذه الأنوار الإيمانية في أبعادها الفقهية والاجتماعية والجمالية، وفي عمقها المقاصدي بما يتناسب ومقتضيات حركة "التجديد الإسلامي" في الفهم وفي الخطاب وفي الدعوة وفي البناء والشهود الحضاري، وفي حركة الحياة كلها.

 

نراكم تكررون ذكر الدعوة والبعث والتجديد.. هل هذه هي الفكرة الرئيسة التي بنيتم عليها تفسيركم؟

الخطاب الدعوي الاجتماعي المتجدد هو الفكرة الأساس التي بنيت عليها هذا الإنجاز بيقين أن البشرية اليوم بحاجة إلى تجديد وسائل الخطاب والنظر إليه من زوايا متحركة مع حركة الحياة المعاصرة في مدّها وجزرها وخيرها وشرها وحلوها ومرها.. في ساحات إنسانية واسعة، ساحات أوسع من الاسلام نفسه، فرضت خطابا ذا بعد عالمي، خطابا مرنا وسطيا واقعيا، وهي خصائص تفرضها حركة الحياة المتسارعة ويستدعيها تشابك مصالح البشرية فوق هذا المعمورة.

 

هل اكتفيت بالرجوع إلى تفاسير هؤلاء الثمانية فحسب؟

هذا التخصيص ليس حصريا وإنما أوردته تفضيليا؛ ولا يعني أبدا أن هؤلاء الثمانية جمعوا فمنعوا، أو أشرقوا فغطى سناهم على من سبق وعلى من عاصر زمانهم وعلى من لحق بالركب من بعدهم، إنما قصدتُ ذكر الأشجار الباسقة التي تفيّأت ظلالها في جنة دنت قطوفها فنقلت أطيب ثماره إلى البشرية شهية، بلغة سهلة ميسورة يفهمها هذا الجيل والجيل الذي يأتي من بعده. فلا وجود لإسلام جديد ولكن تجديد الإسلام واجب وقت ومسؤولية دعوة.

 

ما الجديد في هذا التفسير؟

الجديد العام هو تحريك القرآن في النفس وفي المجتمع والتاريخ بلغة يفهمها جيلي. والجديد الخاص هو فتح رواق واسع في مسار طويل غايته استفزاز العقول الناقدة ليرد الفعل وتدافع عن كتاب الله بعلم وفهم ووعي وبصيرة. ومن هنا يبدأ التغيير في النفس وفي محيط الجماعة وفي عمق المجتمع، فإذا تغيّر ما بالنفس تغيّر الواقع كله فسهل التقعيد للسياسة الشرعيّة بربط فقه الدعوة بـ"فقه الدولة" في مشروع نهضة أوسع من الأقطار وأعمق من "فقه الأوراق" وأبعد نظر من الجماعات الإسلامية التي لا تريد الخروج من فقه الجماعة إلى فهم سنن الكون وصناعة الحياة.

 

هل هي دعوة للثورة على التنظيمات القطرية التي تحصر الإسلام في فقه الجماعة؟

إذا كان في نية الأمة استئناف رسالتها الحضارية بصناعة واقع قرآني جديد في منطوقه العام وفي مفهومه المتجدد، فعلى كل فرقة واجب الفصل بين منطوق الحكم على التاريخ وبين مفهوم الحكم على الإسلام في واقع يحتاج إلى أكثر من سبيل لمواجهة أقضية الحياة المتجددة في مسارات مرنة وفق منهج وسطي متدرج متاح، غايته الكبرى تجسير العلاقة بين فقه النص وبين فهم الواقع بترويض النفس على حسن تنزيل ما هو مطلوب على ما هو مرغوب لجعل الواقع غير متصادم مع الحق. وهو ما حاولتُ بسطه في ثنايا هذا التفسير.

 

لو تبسطوا هذه المسألة أكثر للقراء؟

نعم؛ في هذا التفسير دعوة صريحة إلى التحليق بالقرآن المجيد عاليا في النفس أولا، تحليق يحررها من ثقلة المادة إلى سموّ العدالة الاجتماعية التي تجعل الحياة بالدين أكثر جمالا من الموت في سبيله. فالقرٱن دعوة إلى الحياة لله، حياة خاضعة لسلطان العدل قبل أن يكون نفرة للموت في سبيل الله، وهي الغاية التي حملتني على أن أختطّ  لنفسي منهجا وسطا بين مأثور الطبري، وسُنية البغوي، وأحكام القرطبي، وتكرار الدمشقي، ومقاصد التونسي، وذوق القطبي، وروحانية الشعراوي، واجتماعية الباديسي.. فأنتصرت حينا لحجية المقاصد في تدابير شؤون الحياة وقضايا الوجود، وجنحت حينا إلى روحانية المسالك النفسية والعلاقات الاجتماعية في منظومة القيم، وملت تارة إلى تاريخية الرسالة وجهادية الدعوة والبلاغ والبيان في مواكب الرسل، ووقفت طورا أمام واقعنا المأزوم.. هذا هو معنى التفسير الحركي للقرٱن المجيد.

 

هل الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى تفسير حركي؟

نعم؛ البشرية وكلها بحاجة إلى "تفسير حرَكي" تتداخل فيه حركة الفقه بحركة الحياة، وتتعانق فيه السياسة بالاقتصاد والثقافة بالاجتماع والعمل بالعلاقات الإنسانية والدعوة بالدولة والشريعة بالقانون والجماعة بالمجتمع، ويُصْهر كل ذلك في بوتقة ما جاء به الأنبياء والمرسلون من خبر السماء الذي من أنبل غاياته تحرير الإنسان ببيان مرونة هذا الدين وشموله وواقعيته وجمال ربانيته وقدرته على الارتقاء بالإنسان الحر من ثقلة المادة إلى علوّ ما كرّمه الله به، بفهم لا يزيغ عن الحق، ولا يشتطّ في التصور ولا يتماوت في العمل، وبدعوة لا يبتعد عنها سالك إلى مرضاة الله بوسطية من أراد أن يكون شاهدا على عصره.

 

بما توصي من ينتظر صدور هذا الجهد الجديد؟

أوصيهم بألا يشفقوا عليّ بالنقد والجرح والتعديل، فكلام الله أعز على المسلمين من كل أحد، وهو فوق كل اعتبار. وما سيقرؤونه هو قراءة دعوية اجتماعية للوحي فيها مأثور وفيها تأويل واجتهاد ورأي تسنده حجة، وفيه أخذ من كل نهج بطرف. هو قراءة بلغة عصرنا، فيها قديم أصيل وفيها جديد بديل، قراءة تحاشيتُ في تحرير نصوصها خمسة مزالق كانت مظنة للطعن في أعمال بعض من سبق ومكمن توجس وتردد وانكفاء لمن لحق. الأول: استبعاد الإسرائيليات. والثاني: قلة النقول. والثالث: الإعراض عن الموضوع والمتروك والضعيف من الأحاديث والآثار إلا ما ندر في الفضائل ولم يضر في المسائل. والرابع: الاكتفاء بذكر العموميات الفقهية وأصول الأحكام وعدم الخوض في الخلافات والإحالة على الكتب المعتمدة في فقه الأمة. والخامس: النزوع تلقاء الراجح من أقوال المفسرين في الروايات والقصص والأمثال والضرب صفحا عن المرجوح وما أثقل التفاسير القديمة من نقول.

 

هل من كلمة أخيرة للقراء؟

حفظنا عن حكمائنا أن العبيد يقدسون الشخص ولو كان مخطئا، والأحرار يطلبون الحكمة من أي وعاء لأنها ضالة المؤمن. وقد كتب ما كتبت للأحرار، فلا أستغرب ردة فعل العبيد.