
38serv
تخوض الحكومة "حربا" على الجريمة بكافة أنواعها، لاسيما تلك المتعلقة بالتهريب واستنزاف الأموال، أو المرتبطة بالتلاعب بقوت المواطنين، من خلال تضييق الخناق على جملة الممارسات التي عرفت في سنوات مضت انتشارا خطيرا على حساب القدرة الشرائية للجزائري، كالمضاربة والاحتكار "طمعا" في تحقيق الربح السهل السريع بغض الطرف عن نتائجه الاقتصادية والاجتماعية، كما ضربت بيد من حديد جميع المؤثرين المتهمين بنشر الرذيلة وإنتاج المحتوى الهابط في المجتمع.
ويظهر جليا خلال الأشهر الأولى من السنة الجارية، التطبيقات الميدانية لما ورد في قانون المالية، خاصة في الشق المتعلّق بالمحافظة على الطابع الاجتماعي للبلاد وعدم المساس بالقدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما تعهّد به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وشدّد عليه عشية شهر رمضان المبارك بمناسبة تقديمه للتهاني للمواطنين، موجها تعليماته بكون قوت الجزائريين "خط أحمر" والتلاعب به غير مسموح تحت أي ظرف.
وقد انطلقت جملة هذه الخطوات، عمليا، عن طريق وضع الأطر القانونية وتجريم الأفعال المرتكبة ضمن سياق المضاربة في الأسعار أو احتكار السلع، بغية خلق نوع من الندرة والاختلال في السوق، موازاة مع الإجراءات التي تعمل عليها الحكومة ووزارة التجارة ذات الوصاية لتوفير المواد الواسعة الاستهلاك قبل مواسم ذروة الطلب عليها، ولاسيما شهر رمضان أو الأعياد.
وعلى هذا الأساس، تضع الحكومة من خلال التنسيق بين دوائرها الحكومية المختلفة النشاطات التجارية "تحت المجهر" لغربلة التجاوزات ونزع الشوائب من الممارسات، هي المهمة التي لن تقتصر على مصالح وزارة التجارة أو الهيئات التابعة لها فحسب، إذ أنّ لقطاع العدالة نصيب منها.
وبناء على هذا، حذّر وزير العدل حافظ الأختام، لطفي بوجمعة، من على منبر البرلمان، التجار وبارونات المضاربة والتلاعب بالأسعار خلال شهر رمضان الفضيل، من مغبة أي مساس بجيب المواطن بطرق تحايلية مختلفة، سواء عبر التعمّد في خلق الندرة لبعض المواد أو المضاربة بها أو محاولة رفع أسعارها، ومن ثمة المساس بقوت المواطن.
ولم يخف وزير العدل، نبرة التهديد والوعيد في هذه المسألة، حيث أكد على أنّ دائرته الوزارية لن تتساهل مع أي محاولة تقود للمساس بالقدرة الشرائية، وستتصدى بحزم وبكل الوسائل القانونية المتاحة لكل من تسوّل له نفسه، مهما كان موقعه، التعدي على قوت المواطن واستنزاف جيبه خلال شهر رمضان المبارك. وقال "إنّ مختلف المصالح المكلفة بالمراقبة وتنظيم وضبط السوق التابعة لوزارة التجارة مجنّدة لتتبع مدى وفرة مختلف المواد ومتطلبات المواطنين طيلة الشهر الفضيل، ومدى التزام التجار بالأسعار وتعليمات الحكومة الرامية إلى مرافقة المواطنين خلال رمضان عبر توفير مختلف الحاجيات والمتطلبات التي تمكن الشعب الجزائري قضاء الشهر المبارك بأريحية في أجواء تسودها الأخوة وروح التضامن.
وفي المقابل، حثّ الوزير لطفي بوجمعة، في تصريحه الصحفي، التجار على احترام التدابير والإجراءات المتخذة لحماية القدرة المعيشية للمواطن، خاصة في شهر رمضان، مع السعي لجعل هذا الشهر للتضامن، ليضيف أنّ أي محاولة لزعزعة السوق عبر التعمّد إلى إحداث ندرة في المواد الأساسية الاستهلاكية لرفع أسعارها وعدم احترام تدابير الحكومة تجاه حماية القدرة الشرائية ومرافقة المواطنين، ستكلف صاحبها غاليا وسيدفع الثمن باهضا، حيث ستطبّق عليه إجراءات عقابية قاسية.
معركة على جبهة أخرى
وضمن نفس المنطق، تشنّ الحكومة حربا على جبهة أخرى ألا وهي التهريب، استنزاف الأموال ومكافحة انتشار المخدرات والمؤثرات العقلية التي لا تتوقف إسقاطاتها عند حدود التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية بل تتعداها، لاسيما وأنّ الجزائر مهددة بدخول كميات كبيرة من المخدرات والمهلوسات عبر حدودها البرية، ما تؤكده الحصيلة الأسبوعية للجهات الرقابية المختلفة.
ولعلّ آخرها ما أعلنت عنه مصالح الجيش الوطني الشعبي، فقد أوقفت مفارز مشتركة بالتنسيق مع مختلف مصالح الأمن، خلال عمليات عبر النواحي العسكرية، 50 تاجر مخدرات في الفترة الممتدة من 5 إلى 11 مارس 2025، وأشارت الحصيلة العملياتية الأسبوعية للجيش، إلى إحباط محاولات إدخال 9 قناطير و5 كيلوغرام من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب.
كما تم خلال نفس الفترة حجز كمية ضخمة من الأقراص المهلوسة قاربت الثلاثة ملايين قرص، فضلا عن توقيف 6 عناصر دعم للجماعات الإرهابية، خلال عمليات متفرقة عبر التراب الوطني، وهي الممارسات التي تهدف إلى المساس بالشباب الجزائري ومحاولة إدخاله في دوامة الإدمان.
ويحظى هذا الملف بالمتابعة من قبل أعلى هرم في الحكومة، حيث ترأس الوزير الأول، نذير العرباوي، نهاية الأسبوع المنصرم، اجتماعا للحكومة خصص لدراسة مشروع الاستراتيجية الوطنية متعددة الجوانب لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية للفترة 2024-2029، التي وجه رئيس الجمهورية الحكومة بإعدادها قصد مكافحة هذه الظاهرة والوقاية منها والتصدي لانعكاساتها الخطيرة على جميع الأصعدة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والصحية.
وتدارست الحكومة، ضمن هذا السياق، سبل تعزيز الإطار التشريعي لقمع مختلف الجرائم المرتبطة بالمخدرات والمؤثرات العقلية، لاسيما من خلال تشديد العقوبات المطبقة على الجرائم الخاصة بالمخدرات وتكييف الأحكام الإجرائية لمتابعتها.
تتبع المجرمين في كل الولايات
ولا تكاد منطقة من الوطن تنجو من محاولة نشر "فيروس" المخدرات، فنتائج المصالح الرقابية المختصة تؤكد على أنّ جل الولايات معنية. ففي وهران تمكّنت المصالح الأمنية من حجز كمية ضخمة من المخدرات الصلبة (الكوكايين) تقدّر بـ 109 كلغ و896 غراما، وتوقيف خمسة أشخاص يشتبه تورطهم في القضية، تمت إحالتهم على قاضي التحقيق للنظر في التهم المتعلقة بالاستيراد والحيازة والنقل والتخزين غير المشروع للمخدرات ضمن إطار جماعة إجرامية منظمة. وفي عنابة تمكنت فرقة البحث والتدخل لأمن الولاية، من وضع حد لنشاط شبكة إجرامية منظّمة مختصة في المتاجرة وترويج المؤثرات العقلية وتوقيف 6 أشخاص، مع حجز 11505 كبسولة من المؤثرات العقلية أجنبية المنشأ ومبالغ مالية معتبرة من العائدات الإجرامية.
ونفس السيناريو تعيشه ولايات أخرى من الوطن، من خلال إعلان مصالح الأمن لحجز ملايين الأقراص المهلوسة وكميات كبيرة من المخدرات والكيف المعالج في ظرف أسبوع فقط.
وفي أحدث حصيلة، حجزت مفرزة تابعة للجيش الوطني الشعبي، كمية معتبرة من المهلوسات، بولاية إن أمناس، حسب ما أفاد به بيان لوزارة الدفاع الوطني. وأوضح البيان، أن العملية تمت يوم الثلاثاء 11 مارس 2025 على مستوى إقليم القطاع العملياتي شمال شرقي إن أمناس بالناحية العسكرية الرابعة، حيث تم حجز مركبة نفعية بداخلها كمية من الأقراص المهلوسة قدرت بمليون وسبعمائة وستة وأربعين ألف (1746000) قرص مهلوس.
مكافحة تهريب الأموال
وكثيرا ما ترتبط المخدرات والمؤثرات العقلية بجرائم تهريب الأموال وتبييضها، وهو ما تعمل الحكومة على التصدي له والحد من خطورته، من خلال تشديد عمليات الرقابة الدورية في جميع المنافذ وتتبّع مصادر الأموال، لتسقط تبعا لذلك يوميا العصابات المرتكبة لهذا النوع من التجاوزات وحجزت مبالغ مالية كبيرة.
وفي هذا الإطار، تمكّنت عناصر مصلحة البحث والتحري للدرك الوطني ببئر مراد رايس، نهاية الأسبوع الماضي، من حجز 41 مليار سنتيم ومبالغ أخرى بالعملات الأجنبية، مع توقيف شخص كان في حالة فرار.
وذكرت المصالح ذاتها، أنه "في إطار مكافحة الجريمة بشتى أنواعها، وبناء على تعليمات نيابية واردة إلى مصلحة البحث والتحري ببئر مراد رايس، مفادها تكثيف الأبحاث لتوقيف شخص محل بحث من أجل قضية عالجتها ذات المصلحة، تم تشكيل فوج عمل خاص للقضية مع استعمال وسائل تقنية في التتبع والتحري أفضت إلى تحديد مكان تواجد الشخص وتوقيفه".
اصطياد مروجي الرذيلة
وفي شأن آخر، ضربت قوات الأمن بيد من حديد من خلال تنفيذها سلسلة توقيفات مست العديد من يصفون أنفسهم "المؤثرات والمؤثرين"، الذين اشتهروا في مواقع التواصل الاجتماعي بالمحتوى الخادش للحياء وبنشر الرذيلة، فقد انتفضت المصالح المختصة في الأمن السيبراني عبر كل من ولايات وهران وعنابة والجزائر العاصمة وسطيبف وبومرداس، من أجل إيقاف هؤلاء المتوّرطين في قضايا يعاقب عليه القانون الجزائري من شاكلة قضية إنتاج المحتوى الهابط والترويج لفساد الأخلاق.
يأتي هذا بعد حملة قام بها جزائريون ونواب في البرلمان، طالبوا فيها السلطات بالتصدي للمؤثرين الذين يروّجون للمحتوى غير الأخلاقي عبر مواقع التواصل الاجتماعي المنافي لقيم المجتمع الجزائري.
كما تأتي حملة تنظيف مواقع التواصل الاجتماعي، من الحسابات المروجة للرذيلة وتسويق صورة غير واقعية للمجتمع الجزائري، لتضع حدا لحالة من التراخي والتساهل مع هذه الفئة التي صارت تهدد الاستقرار الاجتماعي، من خلال التشجيع على تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، بل والانخراط في تدعيم أنشطة شبكات الدعارة محليا ودوليا، وهو النشاط الذي جلب إليه الكثير من المتابعين مع مرور الوقت.
وبغض النظر عن المستويات العلمية المتدنية لأصحاب هذه الحسابات، فإن العديد ممن يصنفون أنفسهم "مؤثرين ومؤثرات" استغرقوا في الابتزاز، بتشجيع عصابات أصبحت تحترف الجريمة الإلكترونية لتحقيق عوائد مالية ضخمة، وهو ما قد تكشف عنه التحقيقات الجارية مع هؤلاء والمحاكمات.