قهوة مزغران الجزائرية التي غزت أوروبا

38serv

+ -

تعتبر قهوة مزغران من أجود الوصفات لهذا المشروب الذي غزا أوروبا منتصف القرن التاسع عشر، وتجسد قهوة مزغران اندماجا بين الضرورة العملية والابتكار في فن الطهي، حيث تتجاوز الحدود والعصور، لتثبت نفسها كفضول تاريخي وتذوقي. ولا يزال اسمها يذكرنا إلى يومنا هذا بفصل غير معروف من تاريخ التجارة بين الجزائر وأوروبا. 

 

قهوة مزغران العاشرة عالميا

 

يعود اسم قهوة مزغران، حسب السيد مجدوب سفيان، أحد أعيان المنطقة إلى بلدية مزغران التي تقع بالقرب من مدينة مستغانم. وقد صنّفت موسوعة "تايست أطلس" المتخصصة في متابعة أخبار الأطعمة عبر العالم، قهوة "مزغران" الجزائرية في قائمة أشهر أنواع القهوة في العالم، وحلّت "مزغران" في المرتبة العاشرة، ضمن تصنيف شمل 16 نوعا من القهوة من شتى دول العالم.

في كتابه "كل شيء عن القهوة" (1922)، يتحدث الكاتب الأمريكي وليام يوكرز عن قهوة "مزغران" في الفصل المعنون "آداب وعادات البن في العالم"، وتحت عنوان "آداب وعادات البن في إفريقيا"، فيقول "مزغران قهوة مُحلاّة باردة يضاف إليها الماء وقطع الثلج، أصلها من الجزائر"، ويشير يوكرز إلى أن القهوة أخذت اسمها من منطقة "مزغران" بالجزائر.

ويضيف يوكرز "أنه مشروب الصيف المشهور جدا والمعروف باسم مزغران، الذي يعني في أوروبا الماء البارد والقهوة الباردة، أو ما قد يسميه الأمريكيون coffee highball". وتتميز "قهوة مزغران" بشدة تحميص بُنّها مقارنة بغيرها، وذلك حتى تحافظ على قوة مذاقها بعد إضافة الماء والثلج إليه.

 

قصة قهوة مزغران

 

تعود قصة تركيب وصفة هذه المشروب، خلال الغزو الاستعماري الفرنسي للجزائر، كان على الجنود الفرنسيين المتمركزين في هذه المنطقة من شمال إفريقيا التكيف مع الظروف المحلية.

وأمام الحر ونقص الحليب، غيّروا عادتهم في شرب القهوة مع الحليب، واستبدلوها بالقهوة القوية المخلوطة بالماء البارد المحلى وأحيانا بلمسة من الليمون لتبريدها. هذا الاختراع المرتجل، الذي ولد حوالي عام 1840 أثناء معركة مزغران، أو حملة مستغانم هي معركة حصلت في عام 1558، عندما حاولت القوات الإسبانية أن تحتل مدينة مستغانم من العثمانيين.

كان من المفترض أن تكون الحملة الإسبانية خطوة حاسمة لاحتلال مواقع العثمانيين في الجزائر، إلا أن الحملة انتهت بالفشل ووصفت بالكارثية، حيث قتل الكونت الكوديت حاكم وهران وأسر ابنه إلى أن تمت مبادلته بـ 23,000 قطعة ذهبية.

وعندما عاد الجنود إلى فرنسا، أحضروا معهم هذه الوصفة، ثم أصبحت قهوة مزغران مشروبا شائعا في المقاهي الباريسية منذ نهاية القرن التاسع عشر.

 

الخلطة التي أبهرت العالم

 

تختلف قهوة مزغران بين فرنسا والبرتغال والنمسا وإسبانيا في طريقة التحضير والتقديم، في فرنسا يتم تقديم هذه القهوة في كأس طويل، يكون مصحوبا في كثير من الأحيان بقطعة من السكر أو الليمون.

أما في البرتغال يُعرف النوع البرتغالي باسم "قهوة برتغالية بالمثلجات"، ويتم تحضيره من الإسبريسو وعصير الليمون. أما بالنمسا فيتم تقديم قهوة مزغران مع مكعب مثلجات ويُحضر مع مشروب الروم وعادة ما يُشرب في مرة واحدة. وفي كاتالونيا يُقدم مع القهوة والمثلجات والليمون يتم تحضيره بسكب القهوة الساخنة فوق مكعبات الثلج، ما يعطي نكهة خفيفة ومُنعشة، قد يُضاف عصير الليمون لإضافة لمسة حمضية إلى المشروب.

يتكون الهيكل والإعداد التقليدي لقهوة مزغران الأصلية من قهوة سوداء قوية وساخنة ومبردة إلى درجة حرارة الغرفة وبماء بارد أو مكعبات ثلج (للتخفيف وإضفاء النضارة) يضاف إليها السكر أو الليمون.

 

 

التحديات التي واجهت قهوة مزغران

 

عندما انتشرت قهوة مزغران في أوروبا، واجهت عدة تحديات منها التكيف مع الذوق المحلي، وكان على المقاهي الفرنسية تعديل طريقة تقديم القهوة لتتناسب مع الذوق المحلي، مثل إضافة شريحة من الليمون، إضافة إلى التنافس مع المشروبات التقليدية مثل القهوة الساخنة التي كانت أكثر شيوعا، ما جعل من الصعب على قهوة مزغران أن تحظى بالشعبية في البداية.

كما أن التغيرات الثقافية والاجتماعية في أوروبا مختلفة عن الجزائر، فكانت هناك حاجة إلى تغيير في العادات الاجتماعية لتقبل فكرة شرب القهوة المخففة بالماء والثلج، بدلا من الشكل التقليدي للقهوة الساخنة. أما في الجزائر فيحاول بعض الأشخاص إحياء هذا النوع من القهوة في المدن الكبرى على غرار العاصمة ووهران وعنابة، من خلال إطلاق تسميات على مقاهي حديثة وتقديم أكواب من هذه القهوة على سبيل تجربتها.