تجرى انتخابات التجديد الجزئي لمجلس الأمة الأحد 9 مارس المقبل لاختيار 58 عضوا من بين 426 مرشحا ينتمون إلى 20 حزبا و177 مرشحا مستقلا، في مسار تجديد سينبثق عنه رئيس جديد للمجلس.
ومن المتوقع أن تحتفظ قوى الموالاة بهيمنتها على الغرفة العليا للبرلمان بحكم سيطرتها على المجالس المحلية وتعدد المتنافسين، إضافة إلى إغلاق الباب أمام التجوال السياسي ومشاركة المنشقين في هذا الاستحقاقن غير أنه من غير المستبعد أن يحقق الأحرار المفاجأة.
وسهلت الشروط الإضافية التي فرضتها سلطة الانتخابات ومنها وضع حد لظاهرة التجوال السياسي والانشقاق (اشتراط وثيقة الاستقالة من الحزب ممضاة من قبل رئيسه)، زيادة على تلك التي وضعها القانون، مهمة القيادات الحزبية وتقليص عدد المرشحين مقارنة بانتخابات 2022 التي شهدت مشاركة 473 متنافسا.
وأكدت السلطة الوطنية للانتخابات في رد على إخطار ورد إليها من حركة البناء الوطني أنه لا يجوز لأي منتخب تغيير غطائه السياسي عند الترشح، سواء أكان قد انتُخب تحت راية حزب معين أو ضمن قائمة مستقلة. ويستمد القرار فسلفته، حسبها، من روح أحكام الدستور والأمر رقم 21-01 المؤرخ في 10 مارس 2021، المتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات المعدل والمتمم، الذي يهدف إلى ترسيخ مبادئ شفافية الحياة السياسية ومنع ظاهرة "التجوال السياسي" والحفاظ على الانضباط الحزبي والمصداقية في الممارسة السياسية. وبناء على ذلك، أشارت بهذا الخصوص إلى أن أي مترشح اكتسب صفة المنتخب تحت غطاء سياسي معين لا يحق له الترشح إلا ضمن التشكيلة نفسها التي من خلالها نال صفته الانتخابية.
كما أكدت السلطة أن القرار غير قابل للمراجعة أو الطعن بغض النظر عن وضعية المترشح تجاه تشكيلته السياسية الأصلية، كما أوضحت أن هذا المبدأ كان محور معالجتها لملفات الترشح الخاصة بانتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة. ويتصدر حزب جبهة التحرير الوطني الذي يخوض الانتخابات بمرشحين في 56 ولاية قائمة عدد الملفات المودعة والمرفوضة أيضا حسب أرقام السلطة المستقلة، حيث تم رفض 48 ملفا من أصل 107 ملفات مودعة، يليه التجمع الوطني الديمقراطي الذي أودع 76 ملفا قبل منها 43 ملفا فيما رفضت 33 ملفا، في حين لم يتجاوز عدد الملفات المرفوضة لدى حركة مجتمع السلم 5 ملفات، حيث أودعت 42 ملفا قبل منها 37 وجرى رفض 27 ملفا من جبهة المستقبل من أصل 62 و13 لحركة البناء الوطني المشاركة في 31 ولاية.
ويراهن حزب الأفالان الذي انتهت عضوية 32 من أعضائه على الحفاظ على مواقعه في الغرفة العليا والامتيازات التي تتيحها ومنها الحصول على مقاعد في المؤسسات البرلمانية الدولية (البرلمانان العربي والإفريقي والاتحاد البرلماني الدولي).
وحرصت قيادة الأفالان على إجراء انتخابات داخلية لاختيار مرشحي الحزب لهذا الاستحقاق السياسي واحترام حكم الصندوق إلا في حالات قليلة تمت فيها تعديلات على القائمة والدفع بوجوه ترى أنها تملك حظا في المنافسة، وتولى أمينها العام عبد الكريم مبارك قيادة حملة لحشد صفوف منتخبي الحزب لدعم المرشحين المعتمدين، حيث نظم ثلاثة لقاءات جهوية لهذا الغرض.
وتخشى قيادة الأفالان من أن تؤدي انتكاسة في هذه الانتخابات إلى تعزيز جهود تكتلات المعارضة في الحزب، الغاضبة من مسار إعادة الهيكلة الداخلية، فيما تراهن أحزاب البناء الوطني والمستقبل على تعزيز حصتها في المجلس ورفع رصيدها إلى أكثر من 10 مقاعد، الأمر الذي يتيح لها الحصول على حق إنشاء مجموعة برلمانية خاصة بها، مع ما يمنحها ذلك من امتيازات سياسية.
مكافحة المال السياسي
تتم هذه الانتخابات تحت شعار مكافحة المال السياسي، وتم لهذا الغرض إقصاء 145 منتخبا من السباق لشبهة المال السياسي والأوساط المشبوهة، إذ حرصت السلطة المستقلة للانتخابات، التي يتولى رئاستها أستاذ القانون الدستوري كريم خلفان بعد استقالة رئيسها محمد شرفي في 28 نوفمبر لأسباب صحية، على غربلة الترشحيات والعمل على قطع الطريق على المرشحين الذين وردت في حقهم تقارير بخصوص صلاتهم بالمال السياسي ومنع أي سلوك لتشويه العملية الانتخابية قدر الإمكان، ولم تتردد في حالات في الطعن لدى المحاكم الإدارية للاستئناف في قرارات المحاكم الإدارية لإعادة الاعتبار لمرشحين.
وحرصت السلطة في هذا السياق على تذكير المترشحين باحترام أخلاقيات وآداب الممارسات السياسية والانتخابية، لاسيما "المنافسة النزيهة والعادلة بين المرشحين"، وذكرتهم بـ"ضرورة التقيد بأحكام الأمر رقم 21-01" المتعلق بنظام الانتخابات الذي يكرس إغلاق الطريق أمام أصحاب المال السياسي.
وتسبب غربال سلطة الانتخابات في زعزعة خطط الأحزاب السياسية التي راهنت على بعض الوجوه لضمان مقاعد في البرلمان، فيما يعاني المرشحون المقصون من صدمة الإقصاء والتشهير، إلى جانب قناعتهم بأنه قضى على مستقبلهم السياسي بالحرمان من خوض السباق الانتخابي مستقبلا في حال لم يعد النظر في أحكام قانون الانتخابات أو تعديل أحكام لضبط أكبر لتطبيقه.
المحكمة الدستورية تتدخل
تدخلت المحكمة الدستورية خلال مسار الإعداد لانتخابات التجديد النصفي مرتين، الأولى بفتواها الخاصة بتطبيق الأثر للفقرة الأخيرة من المادة 122، مشددة على أنه لا يمكن لأي كان أن يبقى في البرلمان لأكثر من عهدتين، سواء أكانت بالترشح أو بالتعيين .
واعتبرت المحكمة في ردها على طلب مجلس الأمة تفسير هذا الحكم الدستوري أن نص المادة 122 واضح ولا يحتمل التأويل، حيث ينص على أن عدد العهدات البرلمانية محصور في عهدتين فقط. وأبرزت أن هذا الحكم يسري بأثر رجعي على الأعضاء الحاليين والسابقين، الذين تجاوزت عهداتهم الحد المسموح به، وذلك استنادا إلى نية المؤسس الدستوري وسياق إعداد دستور 2020 الذي أتى استجابة للحراك الشعبي الأصيل في 22 فيفري 2019، الذي طالب بتجديد الطبقة السياسية وأخلقه الحياة العامة.
كما اعتبرت أن الالتزام بهذا النص الدستوري "يعزز مبدأ التداول السلمي على السلطة ويمثل تجسيدا للديمقراطية التمثيلية" وأن أي استثناء أو تمديد يتعارض مع الدستور وروحه.
واتبعته برد جديد في فيفري الأخير على مراسلة من أعضاء في المجلس بخصوص آلية التجديد النصفي في الولايات الجديدة وأكدت أن ينسحب عليهم نفس الإجراء الذي عمل به في أول عملية تجديد نصفي، وبالتالي إجراء قرعة للفرز بين من يحتفظ بمقعده ومن يغادر رغم غياب نص قانوني صريح (عكس ما كان معمولا به في أول عملية تجديد جزئي تمت قبل ربع قرن).
وكان ممثلو الولايات العشر المنبثقة عن التقسيم الإقليمي لـ2019 قدموا إخطارا لدى المحكمة الدستورية لتوضيح آلية عملية التجديد النصفي المقررة في التاسع مارس المقبل بهذه الولايات المتمركزة في الجنوب. والتمس الأعضاء من المحكمة تقديم تفسير دستوري واضح حول كيفية تطبيق 122 من الدستور، التي تحدد في فقرتها الثانية عهدة مجلس الأمة بست سنوات، والمادة 121 التي توضح آلية انتخاب أعضاء مجلس الأمة.
ونبه هؤلاء في هذا السياق إلى غموض الإطار التشريعي المنظم للتجديد النصفي، ومن ذلك النظام الداخلي لمجلس الأمة المؤرخ في 22 أوت 2017 الذي لا يتضمن أحكاما خاصة بالنسبة للتجديد النصفي للولايات الجديدة .
كما سجلوا أن هذا الفراغ التشريعي يؤدي إلى صعوبة في تطبيق التجديد النصفي بشكل عادل ومنسجم مع الدستور في حالة الولايات الجديدة، وعبروا عن خشيتهم من أن يؤدي تطبيق التجديد النصفي في الولايات الجديدة إلى إقصاء أحد النائبين قبل انتهاء عهدته، ما يخل بمبدأ المساواة بين الأعضاء ويؤثر على تمثيل الولايات الجديدة بشكل عادل.
وسيتبع انتخاب أعضاء مجلس الأمة بالإعلان عن قائمة الثلث الرئاسي لشغل المقاعد الشاغرة المقدرة بـ15 مقعدا، ثم تنصيب المجلس الجديد وانتخابه رئيسه الذي سيخلف صالح ڤوجيل.
ويتوجب أن تتوفر في الرئيس الجديد لمجلس الأمة الشروط ذاتها الواجبة في اختيار رئيس الجمهورية .
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال