الوطن

"ماكرون سلّم الملف الجزائري لليمين الفرنسي لإسكاته"

يقدم الباحث الجزائري وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف، حسني عبيدي، حوار موقع "الخبر"، قراءة تصاعد التوترات بين الجزائر وفرنسا، والأزمة بين الجزائر ومدريد.

  • 30435
  • 4:56 دقيقة
"ماكرون سلّم الملف الجزائري لليمين الفرنسي لإسكاته"
"ماكرون سلّم الملف الجزائري لليمين الفرنسي لإسكاته"

يقدم الباحث الجزائري وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف، حسني عبيدي، في حوار مع موقع "الخبر"، قراءة في تصاعد التوترات بين الجزائر وفرنسا، والأزمة بين الجزائر ومدريد التي طويت مؤخرا. كما تشمل قراءته التحولات التي تعيشها دول جنوب الصحراء، ودخول مؤثرين جدد أجانب عن المنطقة.

في الجزائر كما في فرنسا، لا يظهر أي أفق لوقف تدهور العلاقات. أنت كمراقب، كيف تتصور نهاية التوترات الحادة التي باتت مثل كرة ثلج تتدحرج وتزداد حجما مع مرور الوقت؟

تبدو فرص عودة الحوار ضئيلة، لأن الرئيس ماكرون ووزيره الأول، فرانسوا بايرو، في وضع سياسي داخلي هش، إذ يسعيان إلى مغازلة اليمين المتطرف للبقاء في السلطة وتمرير سياساتهم. الخطاب السياسي والإعلامي في فرنسا، منذ التحول الكبير في موقف ماكرون تجاه الصحراء الغربية، ثم التصريحات الفرنسية المهينة بحق الجزائر، بالإضافة إلى قضية بوعلام صنصال، كلها عوامل تدفع نحو تفاقم الأزمة بدلا من تحجيمها.

 اكتشفت النخبة السياسية الفرنسية أن افتعال وتضخيم خلافاتها مع الجزائر يخدمها سياسيا وانتخابيا، ويصرف الأنظار عن الأزمات الأكثر إلحاحا بالنسبة للمواطن الفرنسي.

أما بالنسبة للجزائر، فإن الأزمة مع فرنسا تشكل اختبارا كبيرا للرئيس تبون، الذي كان يسعى إلى نسق جديد في العلاقة مع فرنسا مبني على التقارب بين الرئيسين. إلا أن هناك قصورا إعلاميا ودبلوماسيا جعل الموقف الجزائري في وضع دفاعي، ولم يجد الأدوات اللازمة لإيصال رسائله إعلاميا.

 تميز الموقف الفرنسي، منذ بداية الأزمة، بتناقض كبير وأحيانا بتنافس بين وزيري الداخلية والعدل، بينما التزم الوزير الأول، فرانسوا بايرو، الصمت، مما يعكس حيادية سلبية، وهو ما ساهم في زيادة ضبابية الموقف الفرنسي وجعل من الصعب تقديم قراءة واضحة له. والأخطر من ذلك هو صمت الرئيس ماكرون التام، رغم أن جميع أزمات فرنسا مع الجزائر منذ الاستقلال تم تجاوزها بفضل إدارة الأزمة حصريا من قبل رؤساء الدول وامتناعهم عن التوظيف السياسي للخلافات بين البلدين.

 الطرح الجزائري للأزمة مع فرنسا مفاده أن الطيف الحاكم في باريس حاليا، رهينة لدى اليمين المتطرف المعروف بمواقفه المعادية للجزائر. إلى أي مدى هذا صحيح؟

 فرنسا تمر حاليا بمرحلة من المساكنة السياسية، إذ لا يتمتع الرئيس ماكرون ووزيره الأول بأغلبية قوية، مما يفرض عليهما تقديم تنازلات كبيرة بسبب التأثير المتزايد لليمين المحافظ واليمين المتطرف، الذي أصبح هو اللاعب الرئيسي في تحديد السياسة الداخلية.

 الرئيس ماكرون لا يرغب في سقوط الحكومة أو حل البرلمان أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ولإسكات اليمين، سلّم لهم الملف الجزائري، الذي يعد قضية انتخابية رابحة، خاصة عندما يتم ربطه بملفات الهجرة والأمن.

لكن هذا التفسير لا يشرح بمفرده السلوك الفرنسي. عوامل عديدة مرتبطة بأداء النظام السياسي الجزائري دوليا الذي تم تغييبه لمدة 20 سنة، أثرت سلبا على قدرة الجزائر في مواكبة التطورات الإقليمية والدولية.

كما تغير المزاج السياسي العام في أوروبا ليصبح أكثر قابلية للتطرف. إن وجود حزب سياسي فرنسي أسسه عسكري فرنسي سابق، اعترف بتعذيب الجزائريين ومرشح لقيادة فرنسا، يعد حدثا غير عادي.

 في المقابل، منظور فرنسا للمشكلة مع مستعمرتها سابقا، أنها قدمت تنازلات كثيرة لها في ملف الذاكرة من دون أن تتحصل على صدى إيجابي.. هل ترى أن لهذا الموقف مصداقية؟

 فرنسا لم تقدم تنازلات. هي تصور الأمر هكذا. إنها لا تريد مواصلة البحث في ملفات الذاكرة وإنجاز جرد للجرائم وتحديد المسؤوليات، وفضلت الاختباء وراء ذريعة عدم استجابة الجزائر لخطواتها في ملف الذاكرة. صحيح أن الرئيس ماكرون تقدم عن سابقيه في هذا الملف. لكن ما الفائدة وراء فتح الأرشيف بشروط أمام التفريط في حاضر العلاقة ومستقبلها؟

لو وضعنا الأزمة التي مرت بها العلاقات الجزائرية الإسبانية بين 2022 و2024 في ميزان الربح والخسارة.. ماذا جنت الجزائر من القطيعة مع الجار المتوسطي؟

من الصعب الوصول إلى محصلة نهائية، لكن إسبانيا لم تتراجع عن موقفها، بينما الجزائر أعادت العلاقات، لأن القطيعة لم تكن في مصلحتها. صحيح أن الجزائر سجلت موقفا وأوصلت رسائل لإسبانيا. في نفس الوقت، تم تفسير السلوك الجزائري في فرنسا على أن الاعتراف بالحكم الذاتي لن يتجاوز مستوى الرد على إسبانيا. هذا التفكير دفع بعض الأحزاب السياسية والشخصيات النافذة في فرنسا إلى الذهاب أبعد من مجرد الاعتراف، فقد بدأوا يشككون في جدوى العلاقة مع الجزائر. لكل دولة مسارها الخاص بها.

فرنسا شريك في البحث عن حل توافقي في الصحراء الغربية، بحكم عضويتها في مجلس الأمن، وعلاقتها التاريخية، وحجم الجالية الجزائرية في فرنسا. يمكن للجزائر، في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها النظام الإقليمي والدولي، أن تتعايش مع الأزمات التي تنشأ مع شركائها المهمين لأمنها واقتصادها.

 حصلت تطورات مزعجة للجزائر في جنوب الصحراء منذ الانقلاب العسكري في النيجر، صيف 2023، وإعلان الحكم العسكري في باماكو إلغاء اتفاق السلام بداية 2024، أهمها تحالف النظامين في البلدين مع مجموعات "فاغنر".. كيف ينبغي للجزائر أن تتعامل مع هذه المعطيات لتفادي خسارة نفوذها في المنطقة؟

 منطقة الساحل الإفريقي امتداد للأمن الوطني الجزائري، تكتسي أهمية قصوى بالنسبة للجزائر. إنها المنطقة الأضعف في المحيط الإقليمي، باعتبار أنها منطقة حدودية شاسعة تجمع دولا تعاني من اضطرابات سياسية وأمنية ومشاكل اقتصادية مزمنة، تؤثر على استقرارها الداخلي وتؤثر كذلك على الأمن الجزائري. عرفت هذه المنطقة تغيرات ديموغرافية وتحولات في القيادات السياسية من تدوير إجباري، بعد انقلابات عسكرية أفرزت نخبا عسكرية جديدة تمثل قطيعة كبيرة مع الأنظمة السابقة. لم تكن الجزائر جاهزة للتكيف مع التغيرات الجديدة في طبيعة النخبة الحاكمة من أجل تحيين سياساتها لتتلاءم مع الوضع الإقليمي الجديد، الذي تم فرضه على حدود الجزائر، خاصة بعد فشل المقاربة الفرنسية المبنية على التدخل العسكري في دول الساحل.

 الانسحاب الفرنسي أوجد واقعا جديدا مع مزيد من التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية، أبرزها فراغ سياسي وعسكري سارعت روسيا ومجموعات مسلحة إلى استغلاله لمصالحها دون مراعاة النسيج الاجتماعي والمجتمعي داخليا، ودون الأخذ في الاعتبار مصالح الدول المجاورة.

 عقيدة الجزائر مبنية على التعامل حصريا مع الدولة ومع المنظومة العسكرية، أي فقط مع الجيوش النظامية، لكنها اصطدمت بواقع جديد تشكل فيه المجموعات المسلحة المرتبطة بدول أجنبية عنصرا أساسيا في منظومة الحكم، مما يشكل تحديا كبيرا للجزائر التي تحتفظ بعلاقه جيدة مع روسيا.

 هذه العلاقة تستوجب توفير مناخ جديد للتشاور الصريح حول التحديات التي تشكلها مجموعات مسلحة على حدودها. لا يكفي أن يكون هناك طرح لمخاوف الجزائر، وإنما التفكير في بدائل أمنية وسياسية مقنعة لجميع الأطراف.

 انتخاب الجزائر لمنصب نائب رئيس الاتحاد الإفريقي يوفر لها مساحة جديدة نحو العمل من أجل صياغة مبادرة إفريقية مقبولة إقليميا ودوليا، هدفها إحداث ديناميكية سياسية وأمنية جديدة مبنية على الحوار المتكافئ مع مالي والنيجر، يضمن الاستقرار لدول الساحل من خلال السلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، ويضمن حزاما أمنيا كفيلا بمنع التدخلات الخارجية التي تستنزف الجزائر دبلوماسيا واقتصاديا.

التواصل الاجتماعي

Fermer
Fermer