38serv
هل تعرض وزير الداخلية الفرنسي لـ"قرصة أذن" من جهتي الرئيس ماكرون ووزيره الأول فرانسوا بايرو بعد تجاوزه الحدود في تعاطيه مع ملف الأزمة الدبلوماسية مع الجزائر؟ إعلان وزير الخارجية الفرنسي أنه طلب زيارة الجزائر، وهو بصدد انتظار رد السلطات الجزائرية، تعني أن روتايو حاول تمرير أطروحاته الشخصية المعادية للجزائر، مستغلا تضارب المواقف داخل الحكومة الجديدة، ما جعل الإليزي يتدخل لرسم حدود الوزراء .
كل التصريحات التي أطلقها وزير الداخلية كانت تعبر عن مواقفه الشخصية ورغبات ذاتية أكثر منها توجهات رسمية لحكومة فرانسوا بايرو، لذلك حاول استغلال حالة "التململ" في الحكومة الجديدة التي كانت منشغلة بكيفية الإفلات من السقوط بملتمس الرقابة لنواب المعارضة للظهور في واجهة الأزمة بين فرنسا والجزائر وكأنه مجال ضمن مهامه وخاضع لاختصاصه. فكيف يعطي وزير لنفسه الحق في المطالبة بإلغاء اتفاقية الهجرة لعام 68 وكأنها مجال يخص وزارة الداخلية، بينما هي اتفاقية موقعة بين دولتين وبالتالي أي تغيير فيها يكون بطلب من رئاسة البلدين؟
اصطدام روتايو مع "الحيط" في هذه القضية جعله يحول أنظاره إلى جمعية "سيماد" التي طالب بحلها لأنها تقدم مساعدة قانونية لطالبي الهجرة، ودعا أيضا لمنع المساعدة الطبية عن المهاجرين غير الشرعيين بفرنسا، في محاولة منه لإعادة إحياء قانون الهجرة من النافذة بعدما أخرجه المجلس الدستوري من الباب لعدم دستورية 40 مادة من أصل 86 مادة .
وعوض أن يتحمل روتايو مسؤولية "التهور" في تعاطيه مع الملف حاول قلب "الصفعة" القانونية التي تلقاها في ترحيل الرعية الجزائري قبل أن تعود بضاعته إليه، إلى اتهام الجزائر بأنها "أهانت" فرنسا، وهي كلمة مقصودة يراد بها دغدغة مشاعر التيار الكولونيالي وتذكيرهم بقضية "المروحة" التي استعملتها فرنسا كذريعة لغزو الجزائر.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم نسج حكاية أخرى تسمى "المؤثرين" الجزائريين الذين تزعم مجلة "لوبوان" بأن النظام الجزائري يستعملهم لـ"ضرب الاستقرار في فرنسا"، قبل أن تسقط هذه المزاعم ويضطر وزير الداخلية برونو روتايو للاعتراف في حوار مع صحيفة "لكسبريس" الفرنسية بأنه "ليس لدينا أي دليل بأن المؤثرين الجزائريين يتحركون بتنسيق مع نظام الحكم"، ومع ذلك يزعم بأنه "لا شيء يعطي الجزائر الحق في الإساءة لفرنسا"، وهو استمرار للرواية الاستعمارية وأكاذيبها التاريخية. فمن الذي أساء للآخر، أليس الذي دعم الرواية المغربية في الصحراء ضد الشرعية الدولية ويرفض تطهير مناطق تجارب فرنسا النووية في الصحراء الجزائرية ويماطل في مسألة الاعتراف بالجرائم الاستعمارية ويتعامل بـ"التقطير" مع قضايا الذاكرة والتراث المنهوب؟
تكشف هذه الحملة الفرنسية المعادية للجزائر، التي تختفي وراء غطاء حرية التعبير والبكائيات على صنصال وحكاية "المؤثرين"، أن ما يراد بها هو الضغط لتتخلى الجزائر عن أحقية مطالبها التاريخية الأساسية بواسطة إشغالها بمسائل سياسوية تافهة .
يبدو أن توصيات وزير الخارجية الفرنسي دوفيلبان التي شدد فيها على أن "الأزمات لا تحل أبدا بالتصعيد"، في انتقاد لوزير الداخلية روتايو، قد وصلت إلى آذان الإليزي الذي دعا وزير خارجيته بارو للتواصل مع السلطات الجزائرية قصد احتواء الأزمة في أطرها الرسمية بعيدا عن مهاترات روتايو وعرابيه في اليمين المتطرف الفرنسي الذي يبقى يعمل دوما لصب الزيت على النار لمنع أي تقارب بين البلدين، حتى لا تنكشف تركة جرائم هذا التيار في الجزائر الذي لا يريد أن "يتنظف " من فكره الكولونيالي .