38serv
بداية، نوضح أن كل تكملة كي يصح اعتبارها في أصلها، يجب أن تخضع لشرط، أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال؛ لأن التكملة إذا أفضت إلى إلغاء أصلها حال اعتبارها، فلا يصح قبولها. ودلّل الشاطبي على ذلك بوجهين:
الوجه الأول: “إذا عادت التكملة على الأصل بالإبطال، فإن ذلك يفضي حتما إلى إبطال التكملة في ذاتها؛ لأن التكملة مع ما كملته كالصفة مع الموصوف، لأن اعتبار الصفة إذا أدى إلى إلغاء الموصوف، لزم من ذلك ارتفاع الصفة أيضا، إذن، فاعتبار التكملة من هذه الجهة لا معنى له، فيحتفظ بالأصل ولا يزاد عليه”.
الوجه الثاني: “لو قدرنا تقديرا أن المصلحة التكميلية تحصل مع فوات المصلحة الأصلية، لكان حصول الأصلية أولى لما بينهما من التفاوت”، ويتضح ذلك بالمثالين الآتيين: المثال الأول أن حفظ الأنفس كلي ضروري، وحفظ المروءات مكمل له مستحسن، فحرمت النجاسات حفظا للمروءات، وإجراء لأهلها على محاسن العادات، فإذا قضت الضرورة بتناول النجس لحفظ الأنفس، فلا نبالي بفوات المروءات في جانبها؛ لأن أصل حفظ النفس مقدم على مكمله. المثال الثاني أن أصل البيع يعدّ ضروريا، ومنع الغرر والجهالة من المكمّلات لأصل البيع، فلو اشترط نفي الغَرَر والجهالة جملة، لانحسم باب البيع.
مكمّلات الضروري
إن الفروع التكميلية للأصل الضروري لا يمكن حصرها في صفحات محدودة؛ لأنها تفوق من حيث التعداد أصولها، والسبب في ذلك أن الأصل الواحد يحظى بعدّة مكمّلات في نفس القضية، ومن هنا، فإنني أكتفي ببعض الأمثلة للبيان، لأنه كما قيل بالمثال يتضح المقال.
المثال الأول: أن المسلمين مطالبون بإقامة الصلاة كأصل ضروري لحفظ الدين لأنها عماده كما جاء في الحديث الشريف، وشرع معها الأذان والإقامة، وطلب من المسلمين أن يؤدوها جماعة حتى ولو كانت خارج المسجد تكملة لأصلها، حتى تكون في أتم صورة.
المثال الثاني: إن ولي الأمر مطالب بإقامة القصاص، لحفظ الأبدان من الجروح وللأعضاء من التلف والأنفس من الإزهاق، وشرع معه التماثل فيه مع أنه لا تدعو إليه ضرورة، ولا تظهر فيه شدّة حاجة، ولكنه تكميلي؛ لأن قتل الأعلى بالأدنى قد يكون سببا في إثارة النفوس ودفعها إلى الانتقام.
المثال الثالث: حرم الخمر حفظا للعقول، وألحق به تحريم شرب القليل منه على الرغم من عدم إفضائه إلى السكر، لقوله صلى الله عليه وسلم: “ما أسكر كثيره فقليله حرام”، وألحق به أيضا حرمة بيعها وعصرها وحملها وأكل ثمنها وغير ذلك كالتكملة لأصل المنع.
المثال الرابع: حرم الزنا حفظا للأنساب من الاختلاط وانعدام المبرة بين الأصل والفرع بضياع النسب، ومنع تكميلا له النظر إلى الأجنبية، ولمسها، والخلوة بها والسفر بها سدا لطرقه.
المثال الخامس: شرع البيع لحفظ الأموال على مذهب من قال: إنه من الضروري، وشرع معه كالتكملة له الإشهاد عليه، والعفو عن الغرر اليسير الذي هو محل اتفاق بين المذاهب، ومنع التعامل بالربا والغرر الفاحش والجهالة والغش والتدليس.
وفي الأخير، أشير إلى ملاحظة مهمة يجب الانتباه إليها هي أنه يجب على الناظر في مقاصد الشريعة أن لا يخلط بين المقاصد التابعة للمقاصد الأصلية وبين مكمّلات أصول المقاصد، وهو ما وقع فيه بعض الباحثين، وسوف نبيّن الفرق بينهما في وجهين هما:
الوجه الأول: أن التكميلات أفعال يقوم بها المكلفون إتيانا وتركا، وذلك صيانة لأصوله الضرورية والحاجية والتحسينية من الانخرام، بينما نجد المقاصد التابعة هي حظوظ المكلفين، تزاحم المقصد الأصلي في الأحكام التي كلف بها العباد لتحقيقه والقيام به، لبيان هذا يقول الإمام الشاطبي: “العمل إذا وقع وفق المقاصد التابعة، فلا يخلو أن تصاحبه المقاصد الأصلية أو لا، فأما الأول فعمل بالامتثال فلا إشكال، وإن كان سعيا في حظ النفس، وأما الثاني فعمل بالحظ والهوى مجردا”.
الوجه الثاني: أن المكمّلات إذا انعدمت حول أصولها تبعدها عن الورع، وتجعلها عرضة للانتهاك، والوقوع فيها، بينما المقاصد التابعة إذا انعدمت حول المقاصد الأصلية زادتها علوا في مراتب الورع.
وبناء على ما سلف ذكره، فإن المصالح التكميلية ليست هي المقاصد التابعة، بل هما مختلفان في الوضع والأثر كما تبيّن لنا.. والله أعلم.
*رئيس الهيئة الشرعية بمصرف السلام الجزائر