مع بداية العهدة الرئاسية الثانية للرئيس دونالد ترامب، تبرز ملامح سياسة خارجية تتسم بالتركيز على المصالح الأمريكية المباشرة، قريبة من مقاربة "أمريكا أولا" ولكنها بعيدة عن مبدأ الانعزالية المستمدة من مبدأ مونرو، مع إعادة تقييم واصطفاف للتحالفات التقليدية وتوجّه نحو عقد صفقات ثنائية دون إحداث تغيير في شبكة العلاقات القائمة مع "الحلفاء" الكيان الصهيوني وتايوان، بينما يتوقّع أن تكون الصين محور التركيز الأساسي في السياسة الخارجية لإدارة ترامب في عهدته الثانية.
ووفقا للمؤشرات الأولية، فإن الولايات المتحدة في عهدة دونالد ترامب الثانية، ستواصل اتباع سياسة خارجية تقوم على تعزيز المصالح الوطنية أو القومية المباشرة، وإعادة تقييم التحالفات الدولية، والحد من الالتزامات الخارجية، وستكون إدارة التوازن بين المصالح الوطنية والقيادة العالمية، التحدي الأكبر للإدارة الأمريكية في فترة ترامب الثانية.
فخلال حملته الانتخابية، صرح الرئيس ترامب بأنه قادر على إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا "في يوم واحد"، دون تقديم تفاصيل محددة. وهذا التصريح أثار نقاط ظل حول النهج الذي سيتبعه في التعامل مع هذه الأزمة، وما إذا كان سيتّخذ خطوات دبلوماسية جديدة أو يعيد النظر في الدعم الأمريكي لأوكرانيا. كما أثار تصريح دونالد ترامب تساؤلات بشأن إحياء تكتيك فرض الرسوم الجمركية باهظة للغاية على كندا والمكسيك بنسبة 25 بالمائة على جميع السلع والخدمات، كإجراءات عقابية أمام تدفق المهاجرين من المكسيك، وتغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، إلى جانب الإعلان أن ملكية غرينلاند والسيطرة عليها ضرورة مطلقة. وكان ترامب قد صرح في ولايته الأولى عن غرينلاند "أنها تعدّ صفقة عقارية كبيرة يمكن أن تخفّف الأعباء المالية للدنمارك" والتلويح بخيارات، بما فيها العسكرية، في غرينلاند وقناة بنما، حيث تم الإعلان من قبل ترامب، كما أعلن ترامب في تصريح سابق، أنه في حالة لم يتم خفْض أسعار رسوم مرور السفن الأمريكية من قناة بنما، فإنه سينوي استعادة القناة التي قامت الولايات المتحدة بحفرها وافتتاحها في عام 1914، وانتقد الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأسبق جيمي كارتر 1977 وانتهى بنقل القناة إلى بنما عام 1999.
بالمقابل، يرشح أن تكون الصين محور التركيز الأساسي في السياسة الخارجية لإدارة ترامب في عهدته الثانية، مع توقّع تصاعد التوترات التجارية والاقتصادية بين البلدين، مع فرض مزيد من العقوبات والتعريفات الجمركية. وتهدف هذه الإجراءات إلى مواجهة النفوذ الصيني المتنامي وتعزيز التفوق الاقتصادي والتكنولوجي للولايات المتحدة. ويرجّح أن تتبع إدارة ترامب استراتيجية أكثر "تشدّدا" لمواجهة الصين، وستتبنى نهجا أكثر واقعية في التعامل مع أوكرانيا والمساعدات الإنسانية والأزمات العالمية الأخرى إذا لم تعزّز تلك الدول المصالح الأميركية.
أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، فإنه من المتوقع أن تستمر إدارة ترامب في دعمها القوي للكيان الصهيوني، مع إمكانية تعزيز اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية والكيان في إطار "الاتفاقيات الابراهيمية".
وفيما يتعلق بإيران، فقد تتبنى الإدارة الأمريكية موقفًا أكثر تشددًا، مع احتمال إعادة التفاوض على الإتفاق النووي بشروط أكثر صرامة، أو فرض عقوبات إضافية للحد وفق المقاربة الأمريكية في عهدة ترامب الثانية من نفوذ طهران الإقليمي.
وجدير بالتذكير، أن ترامب في عهدته الرئاسية الأولى، انسحب من الاتفاق النووي مع إيران الذي وقّعته إدارة سلفه باراك أوباما عام 2015، متبعًا سياسة "العقوبات القصوى" معها، وفرض عقوبات على سوريا واعترف بالقدس الموحدة عاصمة للكيان ونقل السفارة الأميركية إليها. وأغلق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا". وتراجعت وزارة الخارجية في عهده عن موقف تقليدي لها، باعتبار المستوطنات في الضفة الغربية غير شرعية، أو "عائقًا أمام السلام"، كما اعترفت إدارته بالسيادة الصهيونية على الجولان السوري المحتل. وعمد ترامب إلى تهميش القضية الفلسطينية، عبر التركيز على التطبيع العربي – الصهيوني، وهو ما كان من خلال الاتفاقات الإبراهيمية التي وقعت. وسعى كذلك لفرض خطته المعروفة باسم "السلام من أجل الازدهار" تحت رعاية مستشاره غاريد كوشنر على السلطة الفلسطينية من أجل تصفية ما تبقى من الحقوق الفلسطينية.
وتظهر إدارة ترامب الثانية ميلاً لإعادة تقييم التحالفات التقليدية، مع التركيز على تقاسم الأعباء المالية والعسكرية مع حلفائها من حلف الناتو. وقد يؤدي ذلك إلى ضغوط على حلفاء الناتو لزيادة إنفاقهم الدفاعي وإعادة النظر في التزامات الولايات المتحدة تجاه المنظمات الدولية.
وترتكز رؤية إدارة ترامب في مجال السياسة الخارجية، إلى مبدأ "السلام من خلال القوة" والإعلاء من شأن المصلحة الوطنية الأميركية وتحديث الجيش الأميركي ليبقى أقوى جيش في العالم، فضلا عن ضمان وفاء الحلفاء بالتزاماتهم في مجال الدفاع المشترك.