نتنياهو خارج الحسابات.. وقف الحرب لبدء التطبيع

+ -

لم تكن حسابات اليمين الصهيوني المتطرف صحيحة في تقديراتها السياسية، وقد كانت تعتقد أن مجيء الرئيس دونالد ترامب سيعزز خيار الحرب على قطاع غزة حتى النهاية، ويدفع بحكومة نتنياهو للاستمرار في العدوان. بينما كان لترامب موقف مختلف تماما وحسابات سياسية، لا ترتبط بالأساس بقطاع غزة فحسب، ساعد بكل الأحوال في الضغط على نتنياهو للقبول بصفقة التبادل والتوقيع على وقف إطلاق النار، وهو ما اعتبر بالنهاية الخاسرة لنتنياهو وحكومته المتطرفة، ومكسبا كبيرا بالنسبة لغزة والمقاومة.

التصريحات الأخيرة التي أدلى بها ترامب عشية تسلمه السلطة، كانت صادمة لنتنياهو، خاصة إعادة نشره لفيديو وجه فيه كلمات نابية لنتنياهو، واتهمه فيه بأنه "أدخلنا في سلسلة من الحروب لا نهاية لها، وبسبب قوة تأثير جماعات الضغط حصل على ما يريده"، وتوحي أن تصوراته السياسية مختلفة عن أطروحات نتنياهو وحكومته؛ حيث لمح إلى تهديدات سياسية تجاه نتنياهو في حال أخل بتفاهمات اتفاق وقف إطلاق النار، حيث قال لنتنياهو "استمر في فعل ما يجب عليك فعله، يجب أن ينتهي هذا، نريد أن ينتهي، يجب أن تستمر في فعل ما يجب القيام به". وشدد ترامب الذي سينصب رسميا، اليوم، على أهمية "احترام" الولايات المتحدة الأمريكية التي لعبت دور الوساطة في الاتفاق. وبالنسبة لترامب؛ فإن الاحترام يعني أن "تحظى الولايات المتحدة بالاحترام مرة أخرى، والاحترام هو الكلمة الأساسية التي أستخدمها، وهذا يعني أن يستمر تنفيذ الاتفاق".

ولا تبدو هذه التهديدات موجهة لنتنياهو فحسب، لكنها تشمل أيضا حركة حماس والفصائل الفلسطينية التي يصفها ترامب بالإرهابية ويعتبر نفسه معنيا بالقضاء عليها، لكن ترامب يستند في المقابل إلى قراءة أكثر واقعية للحالة الفلسطينية، ويرى أنه ليس من الحكمة وضع كل منجزات السياسة الأمريكية واستقرار المنطقة في ميزان القضاء على حركة مسلحة، في صورة حركة حماس.

لكن سؤالا يطرح نفسه بوضوح عما سيقدمه ترامب المنحاز إلى مواقف الكيان الصهيوني، لتل أبيب في مقابل وقف إطلاق النار وإتمام صفقة التبادل وإنهاء الحرب. التقديرات السياسية لفهم ذلك تبني اعتباراتها على جملة مرتكزات أساسية، ليس لكون ترامب الذي استفاد من تجربة ولايته الرئاسية الأولى، يكون قد راجع موقفه من الأزمة في الشرق الأوسط، ولكن لكون أن ترامب يريد العودة إلى النسق السياسي نفسه والمقاربة التي كان يتبناها في الولاية الأولى؛ التي تقوم على ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط بما يسمح بتنفيذ وإنجاح مسار التطبيع الذي لم يكن ممكنا أن يتم بكل الأحوال في ظروف الحرب على غزة أو لبنان، وفي ظل توترات قد تعطل انجاز مزيد من اتفاقات التطبيع مع الدول العربية، خاصة بالنسبة للدول التي كانت على مسافة قصيرة جدا من التطبيع في نهاية ولايته الأولى كالسعودية.

العامل الثاني الذي سيسعى إليه ترامب في المنطقة في ظل معطيات جديدة؛ هو مزيد من ابتزاز الدول العربية ماليا واقتصاديا، وهو مسألة تتطلب الاستقرار واستبعاد التوترات في المنطقة، وهذه التقديرات تدفع إلى الاعتقاد بأن إدارة ترامب ستكون بحاجة إلى إحداث تغيير في حكومة الكيان واستبعاد نتنياهو والحكومة اليمينية المتطرفة وتقليص تأثير الصهيونية الدينية في القرار الصهيوني، كون أن استمرار الحكومة الحالية لن يشجع أي طرف عربي، بما فيها الأطراف المطبعة، على التعامل معها أو القبول بالاحتكاك السياسي معها، بالنظر إلى مسؤوليتها المباشرة في الحرب والعدوان على غزة، والكلفة البشرية الكبيرة التي تكبدها الشعب الفلسطيني.

وفي هذا السياق؛ يتوقع أن تنهار حكومة نتنياهو في وقت قصير والذهاب إلى انتخابات جديدة تقود إلى إيجاد بديل لنتنياهو، يتكيف مع سياسات ترامب الذي تبدو المنطقة ضمن أولوياته المتأخرة مقارنة مع أولويات أخرى أكثر أهمية بالنسبة له، كروسيا والصين، خاصة على صعيد الحرب الاقتصادية مع هذه الأخيرة.

 

كلمات دلالية: