كلنا يعلم ما حل ببلادنا من الجدب، وانقطاع الغيث، ونعلم عِظم حاجتنا وحاجة الأرض والبهائم إلى الغيث، ها هو ربنا الكريم الرحمن الرحيم سقانا الغيث، وأدرّ علينا الأمطار؛ فارتوت الأرض وسالت الأودية، وفرح بهذا الغيث العميم الناس جميعا، الصغار والكبار والبهائم والدواب، قال تعالى: {وهو الذي يُنزّل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}.
وهذا الغيث إنما نزل برحمة الله وحده وبفضله وجوده وإحسانه سبحانه وتعالى، بعدما ظن بعض الناس أنه لن ينزل لتأخره عليهم، فأنزله الله رحمة بالناس وبالبهائم وبالدواب وبجميع الكائنات، ففرحوا به واستبشروا، أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بعد أن صلى بهم صلاة الصبح في الحديبية على مطر كان من الليل، فقال: “أتدرون ماذا قال ربكم؟”، قلنا: الله ورسوله أعلم، فقال: “قال الله: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مُطِرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله، فهو مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مُطِرنا بنجم كذا، فهو مؤمن بالكوكب كافر بي” متفق عليه. لذا، كان من السنة أن يقول المسلم بعد نزول المطر: “مُطِرنا بفضل الله ورحمته”.
وإنزال الغيث من أعظم نعم الله وإحسانه إلى عباده؛ لما اشتمل عليه من منافعهم، فلا يستغنون عنه أبدا. فيجب عليهم أن يشكروه عليه؛ ومن شكره أن يضيفوه إليه وحده ويحمدوه عليه؛ فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، والله جل وعلا هو المحسن المطلق الذي يجب أن تضاف إليه النعم كلها ويشكر عليها وحده لا شريك له في ذلك.
ومن السنة أيضا عند رؤية المطر أن يقول المسلم: اللهم صيِّبا نافعا؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر، قال: “اللهم صَيِّبا نافعا”. ومن السنن المأثورة كذلك عند نزول المطر أن يحسر الإنسان شيئا من ملابسه حتى يصيبه المطر، تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسول الله، لِمَ صنعت هذا؟ قال: “لأنه حديث عهد بربه”.
وفي نزول المطر البهجة والسرور وانشراح الصدور، يفرح بنزوله من يعرف بركته وأهميته، يشرب منه العباد والبهائم والدواب، وترتوي منه الأرض، وتجري فوقها الأنهار، وترتفع نسبة المياه في الآبار، وتهتز الأرض وتربو، وتنبت أنواع النباتات والأشجار، مما فيه النفع للبشر والدواب، قال تعالى: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيِ الموتى إنه على كل شيء قدير}.
ونزول الغيث نعمة عظمى تستوجب الشكر، ولا يصرف الناس عن الشكر إلا حبائل الشيطان المنصوبة لهم حين وعد بذلك، قال تعالى: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}.
إنه من الواجب علينا أن نشكر الله تعالى الذي يُنعم علينا بهذه النعمة العظيمة التي لولاها لما كانت حياة، قال تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حيا أفلا يؤمنون}، ولهذا كان عمر بن عبد العزيز يقول: “قَيِّدوا النعم بالشكر”. والشكر سبب الزيادة وطريق السعادة، كما قال سبحانه: {وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}.. وأَخبر سبحانه أنه إنما يعبده من شكره، فقال عز وجل: {واشكروا للَّه إن كنتم إياه تعبدون}.
وقد نص العلماء أن شكر النعمة من أسباب السعادة، فعلامات السعادة أنك إذا أذنبت تستغفر، وإذا ابتليت تصبر، وإذا أنعم الله عليك تشكر؛ فهذه الثلاث عنوان السعادة: الصبر عند المصائب، والشكر عند النعم، والاستغفار عند الذنب، فمن جمع هذه الثلاث، فقد جمع الله له أسباب السعادة.
ومن شكر نعمة الغيث أن نتقي المحظورات، وأن نتقرب إلى الله بالطاعات، وأن نكثر من النوافل والصدقات، وأن نؤدي زكاة أموالنا؛ لأن منع الزكاة يتسبب في حرماننا من نعمة الغيث، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم ما أُمطِروا”.
وإن وقت نزول الغيث من الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة، وعند رؤية الكعبة”.