+ -

تواجه منصة "إكس" تحديًا كبيرًا يتمثل في تصاعد موجات الرفض من السياسيين والمؤسسات الإعلامية والمنظمات الحقوقية، التي تعتبرها مصدرًا لنشر المعلومات المضللة وخطاب الكراهية. قرار صحف كبرى مثل "غاردين" البريطانية و"فانغارديا" الإسبانية، وقبل ذلك موقع ميديا بارت و"واست فرنس" الفرنسيين، ثم انخراط سياسيين بارزين في موجة الهجرة من المنصة، يعكس أزمة عميقة حول كيفية إدارة هذه المنصة الرقمية في ظل سياسات صاحبها إيلون ماسك الداعم بشكل واضح للأطروحات اليمينية المتطرفة، والذي ازداد قوة بعد وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في أمريكا. يأتي ذلك، في وقت تمثل فيه القارة الإفريقية أكبر غائب عن هذا الصراع، رغم أنها تعد الملايين من صناع المحتوى الذين يصنعون أفراح هذه المواقع دون أي استفادة تذكر.

 

مغادرة الصحف الكبرى 

 

تثير مغادرة صحف كبرى مثل The Guardian البريطانية وLa Vanguardia  الإسبانية لمنصة "إكس"، المعروفة سابقًا بتويتر، جدلاً واسعًا حول دور المنصات الرقمية في تعزيز الشفافية وحماية المعلومات الصحفية. ووصفت الصحيفتان الشبكة المملوكة لإيلون ماسك بأنها "منصة إعلامية سامة" تسهم في نشر "المعلومات المضللة".

وفقًا لفنسنت بيرتييه، مسؤول قسم التكنولوجيا في منظمة "مراسلون بلا حدود" (RSF)، فإن هذه الخطوة تعكس أزمة أعمق تتعلق بعجز الحكومات عن فرض تنظيم فعّال للمنصات الرقمية. وأوضح بيرتييه لوكالة الأنباء الفرنسية أن غياب التنظيم يجعل المنصات "بيئات غير صحية وغير آمنة لتداول المعلومات الصحفية".

كما أشار إلى أن إيلون ماسك، المعروف بدعمه لدونالد ترامب ومواقفه المثيرة للجدل، يجسد "وجهًا متطرفًا لكابوس المعلومات" على المنصات، لكن المشكلة لا تقتصر على ماسك، بل تشمل أزمة عامة في إدارة المنصات الرقمية.

وفي كندا، على سبيل المثال، قامت شركة ميتا، المالكة لفيسبوك وإنستغرام، بحجب محتوى الأخبار على منصاتها منذ أغسطس 2023 ردًا على قانون جديد ينظم الأخبار الإلكترونية. هذا التصرف، كما يقول بيرتييه، حدث "وسط لامبالاة شبه عامة". ورغم الجهود التنظيمية مثل قانون الخدمات الرقمية (DSA) في أوروبا، يرى بيرتييه أن هذه المحاولات لم تحقق الأثر المرجو. 

وأكد المدير العام لـ"مراسلون بلا حدود"، تيبو بروتين، أن هذه الإجراءات "لا تعدو كونها ضمادة على جرح غائر". وفي  خطوة تصعيدية، أعلنت  مراسلون بلا حدود، تقديم شكوى في فرنسا ضد "إكس"، متهمة المنصة بنشر محتوى مضلل وافتراءات، بما في ذلك ادعاءات كاذبة نُسبت إلى المنظمة غير الحكومية بشأن دراسة تتعلق بـ"ميول نازية" لجنود أوكرانيين.

  

سياسيو اليسار يغادرون تباعا

 

منذ استحواذ إيلون ماسك على منصة تويتر، التي أصبحت تُعرف الآن بـ"إكس"، تزايد الجدل حول تحولها إلى فضاء غير معتدل، يعزز انتشار الأخبار الزائفة والخطابات التحريضية. هذا الجدل أدى إلى موجة من الانسحابات بين السياسيين اليساريين في سويسرا، حيث أغلق عدد كبير من البرلمانيين من الأحزاب الاشتراكية والخضر حساباتهم على المنصة. تشير التقديرات إلى أن حوالي ثلث البرلمانيين الفيدراليين من هذه التيارات السياسية قد غادروا المنصة، إما بإغلاق حساباتهم أو بالابتعاد عنها.

من بين هؤلاء، تشير تجربة النائب اليساري سيدريك ويرموت، إلى صعوبة الانتقال إلى منصات بديلة مثل "بلوسكاي"، حيث انخفض عدد متابعيه بشكل كبير من 64,300 على "إكس" إلى 2,300 فقط على المنصة الجديدة. ومع ذلك، يؤكد العديد من السياسيين المنسحبين أن قرارهم يعكس رفضهم لما يعتبرونه بيئة مؤذية وغير ديمقراطية.

بالنسبة للبعض، يعتبر "إكس" منصة خُلقت لخدمة التيارات اليمينية المتطرفة. وتعبر بريندا توستو، النائبة الاشتراكية، عن استيائها من المنصة بوصفها بأنها "شبكة صُممت لخدمة أجندات اليمين المتطرف". ومع ذلك، يعتقد آخرون أن هذه الانسحابات قد تؤدي إلى تفاقم المشكلة، حيث أن غياب الأصوات اليسارية قد يجعل المنصة أكثر تطرفًا، مما يحولها إلى أداة دعائية تخدم مصالح تيارات مثل ترامب، وحزب البديل من أجل ألمانيا، والتجمع الوطني في فرنسا.

رغم الانقسامات السياسية حول التعامل مع المنصة، هناك أصوات من اليمين تدعو لعدم التخلي عن "إكس". ويرى النائب نيكولا كولي، من حزب الاتحاد الديمقراطي الفدرالي، أن على السياسيين الذين يرفضون سياسات المنصة الانضمام إليها بدلًا من مغادرتها، ليقدموا وجهة نظر مضادة للهيمنة اليمينية المتزايدة.

في ظل هذا السياق، قامت وزيرة العدل السويسرية كارين كيلر- سوتر بفتح حساب جديد على "إكس" لتدعيم تواصلها خلال فترة رئاستها. هذه الخطوة لاقت ترحيبًا من اليمين وانتقادات من اليسار، الذي يرى في هذه الخطوة تعزيزًا لشرعية المنصة في وقت تحتاج فيه إلى رقابة تنظيمية صارمة.

ويُنتظر أن يُصدر المجلس الفيدرالي السويسري قريبًا مشروع قانون يهدف إلى تنظيم شبكات التواصل الاجتماعي في البلاد، وهي خطوة قد تؤثر بشكل كبير على المشهد الرقمي، ليس فقط في سويسرا بل ربما في أوروبا ككل. 

 

سياسية تحرض على مغادرة إكس

 

وفي فرنسا، أثارت ساندرين روسو، النائبة الإيكولوجية الفرنسية والعضو البارز في "الجبهة الشعبية الجديدة" (NFP)، جدلًا واسعًا بعد دعوتها الصريحة لزملائها النواب لمغادرة منصة "إكس" التي يديرها إيلون ماسك.

جاء ذلك في رسالة وجهتها روسو إلى 191 نائبًا من حزبها، مطالبة إياهم بمغادرة الشبكة الاجتماعية بشكل جماعي كخطوة احتجاجية على ما وصفته بـ "التهديد الحقيقي الذي تمثله إدارة ماسك على ديمقراطياتنا". والمثير للجدل أن هذه الدعوة نُشرت عبر منصة "إكس" نفسها.

روسو لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصفت "إكس" بأنها "آلة لنشر المعلومات المضللة" و"رجع صدى لخطابات اليمين المتطرف"، مؤكدة أن استمرار النواب في استخدام المنصة يعني ضمنيًا تبرير التحولات التي شهدتها تحت إدارة ماسك. ودعت روسو إلى تنسيق الجهود والاتحاد لتسجيل موقف قوي وموحد من خلال إرسال رسالة احتجاج مشتركة، مطالبة زملاءها بالرد.

وتواجه هذه الدعوة مقاومة داخل "الجبهة الشعبية الجديدة"، حيث صرّح النائب إريك كوكرل من حزب "فرنسا الأبية" أنه يفضّل البقاء على منصة "إكس" في الوقت الحالي، مشيرًا إلى وجود "مشكلة حقيقية" تتمثل في "اليمين المتطرف الذي يسيطر على الفضاءات السياسية والإعلامية عالميًا"، لكنه أعرب عن إدراكه للتحديات التي يفرضها استمرار استخدام المنصة.

  

جمعيات تنضم إلى القافلة

 

ويستمر الوضع سوءا بالنسبة للمنصة، بعد إعلان 87 جمعية فرنسية، من أبرزها "رابطة حقوق الإنسان" و"إيمايوس" الخيرية، عن انسحابها من منصة "إكس" التي يملكها الملياردير إيلون ماسك، مشيرة إلى أن المنصة باتت تمثل "خطرًا جسيمًا" على الديمقراطية وحرية التعبير.

هذا القرار الذي يدخل حيز التنفيذ في 20 جانفي 2025، جاء في بيان مشترك نشرته الجمعيات يوم الأربعاء الماضي، وأبرزت فيه مخاوفها بشأن انتشار الكراهية والمعلومات المضللة عبر المنصة.

وأوضحت الجمعيات أن انسحابها يمثل تضحية بقناة مهمة للتواصل ونشر رسائلها، لكنها أكدت أن الاستمرار في استخدام "إكس" يعني القبول الضمني بالتحولات التي جعلت من المنصة "بيئة غير آمنة لحرية التعبير واحترام كرامة الأفراد". وذكرت في بيانها أن غياب الرقابة وسياسات خوارزميات المنصة يساهمان في تعزيز نشر المحتوى التحريضي ونظريات المؤامرة والإنكار المناخي.

وفي فرنسا، أعلنت العديد من المؤسسات الكبيرة عن خطوات مماثلة، منها انسحاب 38 مستشفى تعمل تحت إدارة "المساعدة العامة - مستشفيات باريس". وعلى الصعيد الأوروبي، أعلنت أكثر من ستين جامعة في ألمانيا والنمسا انسحابها من "إكس"، محذرة من التحولات التي وصفتها بأنها "معادية للديمقراطية".

  

تطبيق لتسهيل الهجرة نحو "بلو سكاي"

 

HelloQuitteX  هو تطبيق جديد طوره باحثون فرنسيون من المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) بهدف مساعدة المستخدمين على مغادرة منصة إكس، بطريقة سلسة ومنظمة.

جاء إطلاق هذا التطبيق استجابة لتزايد الانتقادات الموجهة للمنصة منذ استحواذ إيلون ماسك عليها عام 2022، وما تبعه من اتهامات بتعزيز المحتوى المضلل، وعدم كفاية الجهود المبذولة لمكافحة خطاب الكراهية.

يشجع التطبيق المستخدمين على اختيار يوم 20 يناير، وهو يوم تنصيب دونالد ترامب، ليكون رمزًا لهجرتهم الرقمية الجماعية، ويتيح لهم نقل بيانات متابعيهم واشتراكاتهم إلى منصات أخرى مثل Bluesky وMastodon، التي توصف بأنها أكثر احترامًا للخصوصية وداعمة لحرية التعبير.

ويهدف التطبيق إلى معالجة القلق السائد بين المستخدمين بشأن فقدان جمهورهم ومصادرهم عند مغادرة المنصة، حيث يقوم المستخدم بتحميل أرشيفه الشخصي من X على موقع التطبيق، ويضمن المركز حذف جميع البيانات بعد إتمام العملية.

شهد التطبيق إقبالًا واسعًا، حيث سجل أكثر من 5000 مستخدم ومنظمة في غضون أسبوع واحد فقط. ومن بين المنظمات التي أعلنت انسحابها مؤخرًا معهد باستور وأكثر من 80 جمعية، منها رابطة حقوق الإنسان وإيماوس فرنسا. كما شاركت شخصيات عامة، مثل عالم الفلك إريك لاغاديك ومنظمات بيئية، في حملة "eXit"، التي تعتمد على رسالة تلقائية تعلن مغادرتهم.

ويرى ديفيد شافالاريا، العالم الرياضي الذي يقود المشروع، في تصريحاته، أن منصة X أصبحت بيئة خطرة على الأفراد والديمقراطية على حد سواء. كما يشير إلى أن نسبة المحتوى المتطرف ارتفعت بشكل كبير منذ استحواذ ماسك، مما حول المنصة إلى ساحة استقطاب سياسي وأيديولوجي. وقد أكدت دراسات حديثة هذه الملاحظات، حيث أظهرت زيادة انتشار المحتوى اليميني وتقليص ظهور المنشورات ذات الطابع الديمقراطي أو اليساري.

ويقول شافالاريا أن الهجرة من إكس قد تكون البداية فقط، مشيرًا إلى أن منصات أخرى، مثل فيسبوك، قد تواجه نفس المصير إذا استمرت في تقليص سياسات الاعتدال وتعزيز الأيديولوجية المتطرفة.

هذه التطورات قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في المشهد الرقمي العالمي، مع تزايد المطالب بإعادة النظر في سياسات هذه المنصات لتحقيق بيئة أكثر أمانًا واحترامًا للديمقراطية.

 

متى تستفيق إفريقيا؟

 

في وقت تتصاعد فيه الجهود في أوروبا والصين لتنظيم مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل حماية الأمن القومي وضمان العدالة في الأرباح، تبدو إفريقيا متأخرة في هذا المجال رغم إمكانياتها الهائلة.

فالقارة السمراء، التي تضم أكثر من مليار نسمة، تمثل سوقًا ضخمة لمنصات التواصل الاجتماعي التي تجني أرباحًا طائلة من نشاط المستخدمين الأفارقة، بينما لا يعود هذا بالنفع بشكل ملموس على المجتمعات المحلية أو الاقتصادات الوطنية. 

تستفيد منصات مثل فيسبوك، إكس، وإنستغرام من بيانات المستخدمين الأفارقة، وتحقق أرباحًا ضخمة من الإعلانات الموجهة إلى جمهور يزداد استخدامه للإنترنت يومًا بعد يوم. ومع ذلك، في الوقت الذي تعاني فيه الصحف الورقية في إفريقيا من تهديدات الاندثار بسبب قلة الموارد والتحولات الرقمية، تقوم هذه المنصات بتحقيق مليارات الدولارات من المحتوى الذي يتم نشره مجانًا.

هذه الفجوة في الاستفادة المالية تثير تساؤلات كبيرة حول دور المفوضية الإفريقية في معالجة هذا الوضع، في حين أن الاتحاد الأوروبي قد تبنى قوانين مثل "قانون الخدمات الرقمية" الذي يفرض مسؤولية على المنصات الكبرى لحماية بيانات المستخدمين وتعزيز الشفافية، لم تُظهر إفريقيا بعد التوجه نفسه. 

ويرى خبراء أن هناك ضرورة ملحة على مستوى المفوضية الإفريقية، لاتخاذ خطوات جادة لتنظيم استخدام المنصات الرقمية، إذ يجب على الاتحاد الإفريقي أن يتبنى سياسات تحفز المنصات الكبرى على المساهمة في تطوير الاقتصاد الرقمي في القارة.

ويمكن لذلك أن يشمل فرض ضرائب عادلة على الأرباح التي تحققها هذه المنصات، من خلال الإعلان في الأسواق الإفريقية، مما يتيح تمويل مشاريع إعلامية رقمية ويدعم الصحافة المحلية.

علاوة على ذلك، يجب أن تكون هناك خطط واضحة لتطوير البنية التحتية الرقمية في إفريقيا، بحيث تصبح الإنترنت أكثر وصولاً لمستخدمي القارة مع ضمان حماية البيانات الشخصية.