38serv
يلجأ بعض التلاميذ والأطفال إلى تناول مشروب الطاقة بحجة التركيز في الدراسة والرغبة في متابعة الدروس والمراجعة لوقت أطول، والإحساس برجولتهم وبلوغهم، رغم مخاطر هذه المشروبات على صحتهم.
وجهت في الفترة الأخيرة العديد من مديريات التربية لولايات الوطن، بناء على القرار الوزاري المشترك المؤرخ في 29 أوت 2022، والمتضمن اعتماد اللائحة الفنية التي تحدد خصائص بعض المشروبات المنعشة، وكذلك إرسالية وزارة التربية رقم 1000، مراسلة لمديري المؤسسات التربوية لمختلف الأطوار وكذلك المفتشين.
وحذرت فيها من انتشار ظاهرة استهلاك مختلف مشروبات الطاقة من طرف الكثير من المتمدرسين في الأطوار الدراسية، والتي ينصح بعدم تناولها من طرف الأشخاص دون سن الـ 16 سنة لاحتوائها على مادة الكافيين التي تسبب تسارع ضربات القلب، وكذلك فرط الحركة ثم الكسل والخمول، مع حدوث مضاعفات صحية خطيرة قد تؤدي إلى الموت جراء الإفراط في تناولها بكميات كبيرة.
وحفاظا على صحة وسلامة أبنائنا التلاميذ، دعت مديريات التربية مديري المؤسسات التربوية لتحسيس التلاميذ حول المخاطر الناتجة عن تناول هذه المواد التي تهدد صحتهم وسلامتهم، والمبادرة بعمليات تحسيس وتوعية بالتنسيق مع مديريات الصحة والتجارة والنشاط الإجتماعي وكذلك جمعيات حماية المستهلك.
وتفعيلا لمساعي الدولة الحثيثة للمحافظة على الصحة العمومية من مخاطر الاستهلاك المفرط لمشروبات الطاقة لدى فئة الأطفال والشباب التي تؤدي إلى الإدمان عليها، وما ينجر عنها من أضرار خطيرة على صحة الفرد، كأمراض القلب والسكري والسمنة وتسوس الأسنان.
ومساهمة من قطاع التربية في هذه المساعي، من خلال ترقية التوعية الصحية لدى التلاميذ لتطوير السلوكات الصحية وانتهاج أنماط التغذية السليمة المتوازنة، دعت مديريات التربية إلى استغلال المقررات المدرسية المتعلقة بحماية الصحة في المناهج التعليمية، لتذكير التلاميذ بمخاطر استهلاك مشروبات الطاقة وانعكاساتها على صحة الإنسان.
وعلاوة على ذلك، دعت مديريات التربية إلى التنسيق مع مصالح التجارة والصحة وكذا وحدات الكشف والمتابعة على مستوى المؤسسات التربوية، لتنظيم أيام تحسيسية توعوية أمسيات يوم الثلاثاء لفائدة تلاميذ المراحل التعليمية الثلاث، حول مخاطر استهلاك هذه المنتوجات والمشاكل الصحية الناجمة عنها، من خلال استغلال حملات الاتصال الاجتماعي المبرمجة ومختلف نشاطات النوادي الصحية.
مخاطر صحية كثيرة لمشروبات الطاقة
من جهتها أكدت المختصة في التغذية، خديجة بن علال، أن مشروب الطاقة كما يشير اسمه، هو مشروب يُعتقد أنه يمنح طاقة فورية للجسم، ولكن لفهم آلية عمله، يجب النظر إلى مكوناته الرئيسية التي تساهم في هذا التأثير. فأول مكون هو السكر المضاف، حيث تُعتبر الكميات الكبيرة من السكر المصدر الأول للطاقة في هذه المشروبات.
هذه الكمية تمنح الجسم طاقة سريعة وفورية بمجرد تناول المشروب، حيث يشعر المستهلك بارتفاع مفاجئ في النشاط، لكن هذه الطاقة تزول سريعًا بعد نصف الساعة إلى الساعة، مما يؤدي إلى انخفاض حاد في النشاط، ويُشعر الفرد بالخمول وقلة التركيز.
أما المكون الثاني فهو الكافيين، وهي مادة تعمل على إخفاء الشعور بالتعب والأرق نتيجة نقص النوم أو الراحة، لكنها لا تمنح طاقة حقيقية. فبمجرد استهلاكها، يشعر الفرد بنشاط مؤقت، لكن تناول كميات كبيرة من الكافيين يؤدي إلى مشاكل صحية مثل تسارع دقات القلب، خاصة لدى الأطفال والمراهقين.
وفي بعض أنواع مشروبات الطاقة، يتم استخدام بدائل للسكر مثل "الأسبارتام"، وهي محليات صناعية تُستخدم في المنتجات التي تدّعي خلوها من السكر.
هذه المحليات الصناعية قد تؤثر على الجهاز العصبي وتسبب اختلالات وظيفية تدريجية، كنقص التركيز دون توفير طاقة للجسم. إذن هناك مخاطر صحية متعددة لهذه المشروبات، لأن الطاقة التي تمنحها قصيرة المدى، حيث ترتفع بشكل مفاجئ ثم تنخفض بسرعة، مما يؤدي إلى خمول واضطرابات في التركيز.
كما أن الإدمان عليها شائع بين الأطفال والمراهقين، إذ يصبحون غير قادرين على التركيز أو النشاط دون استهلاكها، إضافة إلى ذلك، فإن الكميات الكبيرة من الكافيين تؤدي إلى تسارع دقات القلب، وهو ما تم تسجيله لدى العديد من المراهقين.
أما بالنسبة للجهاز الهضمي، فإن المكونات الكيميائية في هذه المشروبات تؤثر على توازن بكتيريا الأمعاء، مما يضعف الجهاز المناعي تدريجيًا.
ويلجأ العديد من الأطفال والمراهقين إلى مشروبات الطاقة كجزء من محاولتهم للانتماء إلى فئة معينة من المجتمع، وهي غالبًا الفئة التي تعتبر نفسها متميزة أو متفوقة، ولكن هذه المشروبات ليست وسيلة صحية لتعزيز النشاط أو التركيز، بل قد تكون مصدرًا لمشاكل صحية خطيرة على المدى البعيد. ومن هنا تأتي أهمية توعية الأهل والشباب حول مخاطرها الصحية والحد من استهلاكها.
"هذه المشروبات تؤدي إلى إدمان مواد أخرى أكثر ضررا"
وترى الأستاذة الدكتورة، أقنيني أمينة، أستاذة علم الاجتماع والانحراف والجريمة بجامعة الأغواط أن من مساوئ الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي اليوم، هو تسهيل دخول الأطفال إلى عالم الكبار قبل الأوان.
وأضافت أن النماذج المتكررة لمختلف السلوكيات الاجتماعية والثقافية والاستهلاكية المختلفة للشباب البالغين على اختلافها، والتي يتعرض لها الأطفال والمراهقون بصفة يومية على مختلف المنصات الافتراضية، باتت تشجع على تقليد كل ما هو ممنوع وغريب على قيم المجتمع.
فاستهلاك المشروبات الطاقوية من طرف المراهقين يعد موضوعًا يستحق الانتباه، حيث باتت ظاهرة اجتماعية واستهلاكية تهدد الصحة العمومية للأجيال الصاعدة، نظرا لعدم إدراك مخاطرها والوعي بسلبياتها على الصحة لدى هؤلاء المراهقين، وفي بعض الأحيان حتى من طرف أوليائهم.
وتشير العديد من التقارير المحلية إلى ارتفاع نسبة الاستهلاك لهذه المشروبات بين فئة المتمدرسين في المؤسسات التربوية الجزائرية، خاصة في الطور المتوسط والثانوي.
ولعل أخطرها الطور المتوسط باعتبار أنها مشروبات موجهة في السوق الاستهلاكية لفئة 16 سنة فما فوق، نظرا لمكوناتها الطاقوية المبالغ فيها، حيث تحتوي على كميات عالية جدا من الكافيين والكربوهيدرات ومزيج من المكونات الإضافية التي تعمل على إعطاء طاقة ونشاط مؤقت للجسم، وهي غير مناسبة تماماً لفئة المراهقين، باعتبارها في الأساس موجهة لفئة البالغين.
"فوائد مشروبات الطاقة محدودة أمام أضرارها"
وأشار الدكتور عماد نبق، أستاذ علم الاجتماع ومستشار التغذية المدرسية بالأغواط، أن ظاهرة تناول المشروبات الطاقوية عرفت، مؤخرا، بمختلف أنواعها انتشارا رهيبا بين جميع الفئات العمرية خاصة الذكور. والأخطر من ذلك توسع انتشارها في الأوساط المدرسية، مما جعل السلطات الوصية تدق ناقوس الخطر والعمل على مكافحة هذه الظاهرة، من خلال تنبيه مختلف المؤسسات التربوية من خطورة المشروبات الطاقوية وضرورة القيام بحملات توعوية في هذا المجال.
فمن منظور مستهلكي هذه المشروبات، فهي تمد الجسم بالطاقة، خاصة في حالات التعب، وتساعد على النشاط والتركيز كما يروج لها، إلا أن الجانب السلبي والمتمثل في أضرارها الصحية، البدنية والنفسية أكثر من فوائدها، كالتأثير على عمل القلب وفشله والإصابة بالأرق وعدم القدرة على النوم ومشكلات ارتفاع ضغط الدم ونمو العظام، إضافة إلى خطر الإصابة بالسمنة والسكري، وغيرها من أمراض سوء التغذية.
أما من ناحية البعد الاجتماعي لهذه الظاهرة، فقد أصبحت فلكلورا اجتماعيا حضاريا من منظور الشباب وحتى الأطفال، بحكم أنها ارتقت إلى سلوك إدمان. فلا تكاد تجد مجموعة أو رفقة إلا ويحملون هذه القارورات الطاقوية يتباهون بها أمام العامة أفرادا أو جماعات في الشوارع أو المرافق العامة، أو حتى في حرم المؤسسات التربوية كالجامعات وغيرها.
هذه السلوكات المشينة والدخيلة على مجتمعنا أثرت سلبا على الجانب القيمي والخلقي والثقافي على سلوك وممارسات وعلاقات الأفراد داخل المجتمع بصفة عامة، وداخل مؤسسات التنشئة كالأسرة والمؤسسات التربوية بصفة خاصة.
ومن هنا وجب تكاتف الجهود لمكافحة هذه الظاهرة السلبية بين الأولياء، الذين وجب عليهم متابعة ومراقبة أبنائهم وتقويم سلوكهم بنصحهم وإرشادهم، وكذا المربين والأساتذة بتوعيتهم وتلقينهم مخاطر هذه الظاهرة، ومختلف الفاعلين في المجتمع من مختصين اجتماعيين ونفسانيين ورياضيين ومختصين في التغذية، بضرورة توعية الشباب والأطفال في هذا المجال، وذلك بحثهم على اتباع بدائل لهذه المشروبات المضرة على غرار ممارسة الرياضة وتناول الخضر والفواكه الموسمية، والتي توفر للجسم الفيتامينات والكربوهيدرات الطبيعية والضرورية لتوفير الطاقة للجسم، مع تنظيم ندوات وأيام تحسيسية وغيرها.