38serv
بيّنت تصريحات الرئيس الفرنسي، إمانويل ماكرون، ثم وزيريه للخارجية والداخلية تجاه الجزائر، بالإضافة إلى عناصر ومفردات بيان الخارجية الجزائرية، أمس الأحد، الذي جزّأ وأصّل الأزمة مع باريس، وفرز ما هو خطاب سياسي لليمين المتطرف عن مستلزمات الخطاب الرسمي، وعما هو قانوني، في قضية رفض الجزائر استقبال مواطن متابع قضائيا في فرنسا، أن التيار السياسي المتشدد، اختطف الخطاب الرسمي والسلطة، وفي طريقه إلى الاستحواذ على الدولة.
ويتضح، بالتمعن في تصريحات وزيري الخارجية والداخلية الفرنسيين، أنه تم تعويم الإجراءات القانونية التي تحكم العلاقات بين الدول بخطاب حزبي، قبل أن ينبه بيان الخارجية الجزائرية، في قضية ترحيل المواطن، بأن القضية أُلبست ثوبا سياسيا واُخرجت عن سياقها القانوني، بتصوير رفض الجزائر استقبال مواطن فرنكو - جزائري متابع قضائيا في مونبلييه، بأنه محاولة لإذلال فرنسا، في حين أن العكس هو الذي جرى، حيث حرمت إجراءات الترحيل المعني من حضور جلسة سماع مقررة 14 فيفري المقبل، وبالتالي حرمانه من محاكمة عادلة، وعلى صعيد قانوني، تسجيل تعدي السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطة القضائية، في بلد يحاول الظهور بأنه يحترم مبدأ الفصل بين السلطات.
ومن العناصر التي تصب في فرضية اختطاف الخطاب الرسمي الفرنسي، في بيان الخارجية الجزائرية، حديثه عن "انخراط اليمين المتطرف، المعروف بخطاب الكراهية والنزعة الانتقامية، عبر أنصاره المُعلنين داخل الحكومة الفرنسية، في حملة تضليل وتشويه ضد الجزائر"، وعن أن اليمين المتطرف وممثليه "هم الذين يريدون أن يفرضوا على العلاقات الجزائرية - الفرنسية ضغائنهم المليئة بالوعيد والتهديد، وهي الضغائن التي يفصحون عنها علنا ودون أدنى تحفظ أو قيد".
وبهذه المعطيات، صار واضحا أن الخطاب الرسمي في فرنسا، يشهد تحولات جذرية، لدرجة الانحراف، قياسا بطبيعة ونوعية الخطاب في عهد الرؤساء السابقين، على اختلاف انتماءاتهم وقناعاتهم السياسية، وخاصة منهم الرئيس الراحل، جاك شيراك، الذي مثل الفترة الذهبية، في صياغة الخطاب الرسمي للدولة، بعيدا عن النزوات أو الميولات الحزبية أو الإيديولوجية.
وعلى صعيد قانوني، وقبل الخوض في المسألة من وجهة نظر جزائرية، فقد تحدث صحفيون في فرنسا، عن قرار ترحيل المواطن بحيادية وموضوعية، بالإشارة إلى أن الإجراء لم يكن ليُتخذ مادام المعني مرتبطا بآجال قانونية وجلسة استماع في 14 فيفري المقبل، وإبعاده من التراب الفرنسي، قد يحرمه من الدفاع عن نفسه أمام القضاء الفرنسي، ومن حقه في محاكمة عادلة.
ودعت صحفية مجلة "regards"، كاترين تريكو، في مقابلة مع قناة "فرانس أنفو" سلطات بلادها إلى ضرورة الذهاب نحو التهدئة، ليس فقط مع الجزائر، وإنما مع العديد من الدول الإفريقية التي تدهورت معها العلاقات بشكل لافت في الفترة الأخيرة، إلى جانب إجراء مراجعات نحو مقاربات التعامل مع محيطها المتوسطي والإفريقي.
ومن وجهة نظر جزائرية، فإن إفراغ المسألة من بعدها القانوني الخاضع لاتفاقية تعود لسنة 1974، كما أشار بيان الخارجية الجزائرية، وتعويمها بالسياسة، يؤشر على وجود فرضيتين: الأولى تتعلق بعدم كفاءة القائمين على وزارة الداخلية، والثانية، وهي الأرجح، سيطرة الفكر السياسي المتطرف على آليات إدارة شؤون الحكومة ودمجها في خطط تشويه الجزائر وإظهارها بمظهر الدولة المارقة، وفي ذلك دليل آخر على أننا أمام حالة اختطاف للخطاب الرسمي وللسلطة.