تبدأ السنة الجديدة الأمازيغية ''تابورثأوسفاس'' أو "باب السنة" يوم 12 جانفي من كل عام إذ يحل غدا الأحد العام 2975 الجديد من التاريخ البربري، الذي تعود بدايته إلى سنة 950 ما قبل الميلاد، وتعتمد الرزنامة الأمازيغية أساسا على التغيرات الفصلية والمراحل المختلفة لنمو النباتات المحددة للمواسم الفلاحية، والمنظمة وفقا لمواقع الكواكب كالقمر والشمس.
تتداول روايات حول بداية التقويم الأمازيغي عند سكان شمال إفريقيا، منها أن تكون لاحتفالات ''يناير'' علاقة باستيلاء الملك البربري الليبي شنشاق على الحكم بمصر بعد انتصاره على رمسيس الثالث، وتولي عدد من الملوك البربر حكم بمصر، فيما تقول رواية أخرى أن تلك الاحتفالات ذات علاقة بالموسم الفلاحي، والحجة أن النساء يذهبن إلى الينابيع الأصلية، صبيحة الأول من يناير، ويقمن بملء قربهن بالماء الصافي مع وضع كمية من الحشيش الأخضر عند ربط فوهات القرب تيمنا بسنة خضراء وخير وفير من المياه والمحاصيل الزراعية والحصاد الكبير.
وعن التأريخ ليوم ''يناير''، يعتقد مؤرخون بأن له علاقة بحساب الأشهر الرومانية وحجتهم تسمية الشهور.
في ذات الوقت تدور بعض الأساطير حول هذا التاريخ أيضا مفادها أن ''يناير'' - جانفي - كان قد طلب من ''فورار'' - فيفري - أن يعيره يوما لمعاقبة العجوز التي سخرت منه، فكان أن حلت ذلك اليوم عاصفة شديدة اختنقت العجوز على إثرها فأصبح ذلك اليوم في الذاكرة الجماعية رمزا للعقاب الذي قد يحل بكل من تسول له نفسه الاستخفاف بالطبيعة.
ويمثل شهر يناير بداية التاريخ الفلاحي، وهي الفترة الفاصلة ما بين نمطين شمسيين وهما الانقلاب الشمسي الشتائي أو الصيفي والاعتدال الربيعي أو الخريفي الموافق للشروع في جملة الطقوس المتعلقة بالأشغال الفلاحية والزراعية بمنطقة القبائل.
وتتزامن السنة الأمازيغية الجديدة أيضا مع نفاذ المؤونة الغذائية التي كان يحتفظ بها الفلاحون للشتاء والمسماة بـ ''العولة''، لذا فهي مناسبة لتجديد القوى الروحية لديهم. وذلك عبر ممارسة بعض الطقوس لإبعاد شبح الجوع وفأل النحس عن أنفسهم وجذب أسباب الخير والسعادة ووفرة المحاصيل.
والاعتقاد الراسخ في هذا الشأن هو أن الاحتفال بيناير وجلب السلام والسعادة يستحقان بعض التضحيات، وهي ما يسمى بـ''أسفال''، والتي تتمثل عامة في ذبح ديك على عتبة البيت وهي التضحية التي من شأنها إبعاد الشر وجلب الخير، ولا يزال الاحتفال بهذا اليوم في الأرياف يمارس عن طريق الطقوس الفلاحية وأعمال الأرض خاصة.
أما في المدن، فيتلخص في إعداد ''أمنسي نيناير''، عشاء يناير، والمتمثل في طبق من الكسكس بلحم الدجاج والخضر الجافة أو بالقديد، وعلى ربة البيت، بهذه المناسبة، أن تسهر على أن يتناول جميع أفراد الأسرة هذا العشاء خاصة الأطفال الذين تقوم الأم بتحذيرهم من ''عجوز يناير'' إذا لم يأكلوا بما فيه الكفاية حتى إذا شبعوا قالوا: ''نتشا نروا'' أي أكلنا وشبعنا.
للإشارة، فإن الأسر يحرصن بهذه المناسبة على منح أطباق من الكسكس للجيران والأقارب، بل وحتى أفراد العائلة الغائبين توضع لهم ملاعق على المائدة رمزا لحضورهم.
أما الأيام الموالية لأول يناير، فتقوم فيها العائلات بإحضار أطباق أخرى من دون اللحم كطبق ''اوفتيان'' وهوعبارة عن حساء من الحمص والقمح والفول وحبوب جافة أخرى للرمز إلى الخصوبة ووفرة المحاصيل، بالإضافة إلى بعض الفطائر المعسلة للتفاؤل بسنة حلوة مع الحرص على عدم تناول مأكولات متبلة أو حامضة، فيما يعمد البعض إلى الاحتفال بزواجهم في هذا التاريخ أيضا أو قص شعر الصبي لأول مرة.
كما تجري العادة في ذات المناسبة بغرس نبات '' الدفلى'' بالحقول لإبعاد الطفيليات والقيام أيضا بطلاء جدران البيوت تغيير ركائز الموقد، وتقام في المساء ولائم بذبح رؤوس من الماعز والجديان وتوزيعها على شكل ''نفقة''، حسب عدد أشخاص العائلة الواحدة، كما تتبادل العائلات أكلات ''الطمينة'' و"الشخشوخة''والكسكسي ومواد الفاكهة المخبأة خصيصا ليوم يناير كالجوز واللوز والرمان والتفاح، والذي يجب أن يكون من إنتاج محلي.
وعلى مستوى المدارس، كانت الاحتفالات بالسنة الأمازيغية هي الأخرى مميزة، حيث نظمت أنشطة تربوية وثقافية احتفاء بهذه المناسبة التي ترتبط بالهوية الأمازيغية، وتجمل التلاميذ بارتداء ملابس تقليدية عرفت ابتكارات وتصاميم خاصة، لكنها ظلت وفية لطابعها التقليدي الأصيل، كالبرنوس المطرز والجبة القبائلية، بينما جلب الأولياء أكلات تقليدية، كالبراجوالطمينةوالرفيس والتراس وغيرها.
من جهتها، شهدت أسواق ومحلات العاصمة حركة غير عادية، أمس، صنعها مواطنون دأبوا على شراء لوازم الاحتفالات بـ''يناير''، من دجاج، فاكهة، حلوى وشكولاطة وغيرها من المكسرات.
فبسوق بومعطي ببلدية الحراش في الجزائر العاصمة، عرض التجار وأصحاب المحلات مختلف أنواع الشوكولاطة والحلويات والمكسرات، إلى جانب الفواكه التي تعرف إقبالا قويا من طرف المتعودين على إحياء المناسبة.
تقول إحدى السيدات المنحدرة من ولاية تيزي وزو، أنها توارثت هذه العادة عن أمهاتنا وجداتنا، أملا في عام جديد يحمل الخير الوفير، وهي تحتفل بهذه المناسبة بتحضير الكسكسي باللحم الذي يقدم في أواني جديدة كما هو الشأن بالنسبة للقصعة أو ما تسمى "بالجفنة" المصنوعة بالخشب المحلي والتي يجتمع حولها جميع أفراد العائلة، وهي عادة لا تزال باقية وراسخة لحد الآن.