يجمع خبراء ومحللون، أن مواقف الحكومة الإنقلابية في مالي، العدائية ضد الجزائر، مدفوعة بمخططات قوى إقليمية وظيفية تسعى لتأزيم الوضع في المنطقة وعرقلة حل الأزمة في الجارة الجنوبية.
وصف البروفيسور مبروك كاهي، بيان خارجية السلطات الانتقالية لدولة مالي، الذي اتهم الجزائر بدعم الإرهاب "بغير المدروس والمنافي لأخلاقيات ومبادئ الدبلوماسية والقواعد التي تحكم حسن الجوار". معتبرا أنه استمرارا للسياسة العدائية التي تنتهجها السلطات الانتقالية في السنتين الأخيرتين، حيث وصل بها الأمر إلى إطلاق اتهامات خطيرة من منبر الأمم المتحدة الذي هو منبر للسلام والحوار ونبذ العنف.
وقال في تصريح لـ "الخبر": "إن بيان السلطات الانتقالية لا يخفى فيه الجانب التحريضي من قوى إقليمية وظيفية، هدفها استمرار الفوضى وعرقلة أي مسار سلمي يفضي إلى حل الأزمة. ولعل ما حدث من استضافة أطراف ليبية في المغرب دون التنسيق مع خارجية ليبيا خير دليل".
وفي حديثه عن الأسباب التي تدفع السلطات الانتقالية لتبني هذا النهج التصعيدي والخطاب التحريضي دون الأخذ بعين الاعتبار مكانة الجزائر الإقليمية ودورها التاريخي والحالي اتجاه قضايا القارة وموقعها بعضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن وترأسها لجلساته خلال هذا الشهر، قال كاهي إن الأسباب عديدة، فمن جهة تعمل السلطات الانتقالية على إطالة المرحلة ورفض العودة إلى المسار الدستوري وإنهاء مرحلة الفراغ المؤسساتي.
وأوضح أنها "تعمل على استغلال العداء الخارجي، سواء اتجاه القوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، التي قد يُفهم مبرره، واتجاه الدولة المجاورة الجزائر الذي لا مبرر له، بل فيه تنكّر لجهود الجزائر في الحفاظ على الوحدة الترابية ودورها في تقريب وجهات النظر والمساهمة في حل الأزمة بين مختلف الفرقاء الماليين".
وكسب آخر يأتي: "التحالف الثلاثي بين دول الساحل مالي والنيجر وبوركينافاسو الذي ترى فيه السلطات الانتقالية لدولة مالي، أنه مصدر قوة ويمكّنها من تبني هذه الخطابات التصعيدية. وفي حقيقة الأمر يمكن وصفه أنه تحالف الأزمة ولا يمكنه الصمود أمام أقلّ التحديات، بل يبقى عاجزا أمام احتواء الجماعات الإرهابية الحقيقية في المنطقة".
وأوضح أن هذا التحالف الذي يرتكز في علاقاته على الدعم الروسي، لم يستوعب درس صراع المصالح وما حدث في منطقة الشرق الأوسط، الذي انتهى على تفاهمات القوى الكبرى، وتحالف دول الساحل لن يكون مصيره بعيدا عن هذا.
ولفت المتحدث إلى أن "تدخّل المخزن المغربي في المنطقة عبر إطلاق مشاريع وهمية، كالمبادرة الأطلسية لتمكين دول الساحل للولوج إلى الموانئ الأطلسية، جعلت خارجية مالي تتبنى الخطاب التصعيدي، بل لا يوجد شك في التنسيق في صياغة الخطاب وربما من يكتب خطابات خارجية المخزن هو نفسه من يكتب حاليا خطابات خارجية مالي".
ويرى كاهي أن هذا الوضع من "أبرز تداعيات التغلغل الصهيوني في المنطقة الذي جلبه المخزن المغربي، علما أن المبادرة الأطلسية التي يسوّق لها المخزن، هدفها واضح، فهي وهمية، كما تهدف إلى عرقلة عودة دول الساحل إلى تكتل الإيكواس، وتهدف أيضا إلى التشويش على مشروع الجزائر في الطريق العابر للصحراء الذي هو شبه مكتمل".
وذكر كاهي أن الفيلق الإفريقي الروسي يشجع مثل هذه الخطابات. فالتدخلات الأجنبية سيما العسكرية تفاقم من المشكلة وتزيد من تعقيدها أكثر فأكثر. وعليه بيان خارجية دولة مالي خطوة غير مدروسة.
وفي موقف متقارب، يرى منير قتال، أستاذ القانون العام، أن مالي تتلقى دعما خارجيا من أطراف معروفة النوايا، وهو ما يمكن استنتاجه من تصعيد وزارة خارجيتها لهجتها العدائية وتوجيهها سلسلة من الاتهامات المباشرة ضد الجزائر.
وقال في تصريح لـ "الخبر"، إن "هذا التصعيد يعكس التأثير الخارجي الممارس عليها والدعم الذي تتلقاه والذي يخدم مصلحة تأزيم العلاقات بين الجزائر ومالي". مؤكدا أن "هذه الجهات الدولية أو الإقليمية تضمر غيظا تجاه الجزائر بسبب مساعيها الدائمة لإحلال السلام ومواجهة كافة أشكال التطرف، إلى جانب احترامها لحقوق الإنسان دون أي تمييز".
وتابع: "ينبغي للجزائر أن تذكّر هذه الجهات بأن دروس الماضي لا تزال حاضرة، وأن الجزائر المعروفة بسجّلها الحافل والقوي في مكافحة الإرهاب، لا تتراجع أمام محاولات تشويه الحقائق واستراتيجياتها النابعة من خبرة طويلة واعتراف دولي واسع بدورها الإيجابي في محاربة الإرهاب وتقديم خبراتها للدول المجاورة والإقليمية والدولية، تجعل من اتهامها بالتواطؤ مع جماعات إرهابية أمر غير منطقي ولا يتقبّله العقل".
ومن جانبه، شدد مبروك كاهي أنه لا "أحد يمكن أن يعطي دروسا للجزائر حول مفهوم الظاهرة الإرهابية وكيفية تصنيفها، يكفي تصريح قائد أركان الجيش الجزائري لنظيره قائد "الأفريكوم" في أحد اللقاءات، أن الجزائر واجهت الإرهاب لوحدها وانتصرت عليه لوحدها دون مساعدة".
ولفت منير قتال أن التنافس الإقليمي هو واقع لا مفر منه، ولكن ليس عبر أساليب المكر والتحايل وتزييف الحقائق. لافتا أن "منطقة الساحل أصبحت مسرحا لتنافس دولي وإقليمي بين قوى كبرى تسعى للسيطرة على الموارد وتعزيز نفوذها السياسي. ومن الواضح أن مالي تخضع لتأثير دول تسعى لتقويض دور الجزائر كمحور استقرار في المنطقة".
على الصعيد الداخلي، يعتبر الدكتور قتال، أن مالي تستخدم هذه الادعاءات لتشتيت الانتباه عن تحدياتها الداخلية ولتبرير قرارات معيّنة مثل إنهاء اتفاق السلام لعام 2015.
وختم مؤكدا أن مواقف مالي مدفوعة بعوامل داخلية وخارجية، وعلى الجهات التي تقف وراءها أن تدرك أن الجزائر، بحكم خبرتها وتاريخها، قادرة على إعادة الدروس وتوجيه رسائل واضحة.