"حريصون على تحقيق نمو اقتصادي إيجابي"

38serv

+ -

يقدم الطيب زيتوني، وزير التجارة الداخلية وضبط السوق، في حوار حصري مع "الخبر"، حصيلة نشاط دائرته الوزارة خلال العام المنقضي، كما يتطرق لما سيتم التركيز عليه مستقبلا.

 

بانقضاء عام واستقبال آخر، تكون الفرصة مناسبة للتقييم، وخاصة أن قطاعكم الوزاري شهد تغييرًا لافتًا في التعديل الحكومي الأخير. فما الذي تحقّق وما لم يتحقّق برأيكم معالي الوزير؟

بدايةً، أشكر لكم متابعتكم المستمرة لمستجدات قطاع التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية، وأحيّي من خلالكم القراء الأوفياء لصحيفتكم العريقة. وجوابًا على سؤالكم، وجب التذكير بما حققته بلادنا سنة 2024 من مكاسب اقتصادية واجتماعية وسياسية، أبرزها النجاح في تنظيم الانتخابات الرئاسية التي توجت بتجديد الشعب الجزائري ثقته في السيّد عبد المجيد تبون لعهدة ثانية. وقد كانت تلك رسالة واضحة عن الالتفاف الشعبي خلف مؤسسات الدولة ورئيسها الذي أولى عناية خاصة في برنامجه الانتخابي لمسائل الأمن الغذائي وارتباطاتها بحماية القدرة الشرائية للمواطن وتشجيع الإنتاج المحلي وضمان تموين منتظم ومتوازن للسوق الوطنية.

ولاحقاً، استحدث السيّد رئيس الجمهورية قطاعا وزاريًّا أنيطت به مهمة تنشيط التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية وتموينها، واضعًا بذلك الحكومة في قلب المعركة التنموية لتمتين أسُس الاقتصاد الوطني وتحصينه من أجل مستقبل الأجيال وصون حقّها في الأمن الغذائي، في ظل الإجراءات المتخذة لدعم القدرة الشرائية وتعزيز آلة الإنتاج والاستثمار وضبط الواردات.

قطعنا عدة أشواط في سبيل تعزيز القدرة الشرائية وتقليص المسافة بين المنتج والمستهلك وتطوير شبكات التوزيع، مع وضع تصوّرات لعمليات وخُطط ستتجسّد في غضون العام القادم، بما في ذلك توسيع الاستثمارات في الفضاءات التجارية الكبرى ومراكز التوزيع.

هناك ورشات عديدة تم فتحها خلال السنة المنقضية وستتواصل في غضون العام القادم، بالإضافة إلى الاستمرار في تقييم أداء المؤسسات تحت الوصاية من أجل تطويرها عبر تحديث أساليب التسيير، انطلاقًا ممّا نفعلُه لتعزيز جودة وفعاليّة القرارات على الصَّعيدَين المركزي والمحلي ضمن منظور شامل وأكثر تطلّعاً إلى المستقبل.

بطبيعة الحال، يهمنا أيضا تأهيل الكادر البشري الذي سنرسم معه الخطط العريضة للمخطط القطاعي خلال اللقاء الوطني السنوي للإطارات المركزية ومسؤولي المصالح الخارجية لقطاع التجارة الداخلية، والمبرمج في شهر جانفي.

 

ضبط السوق الوطنية وتموينها بشكل منتظم ومتوازن يظل في صلب اهتمامات الحكومة وخاصة عشية شهر رمضان، فما هي التدابير المتخذة من قبلكم لضمان استقرارها؟

إن عمليّة تموين السوق الوطنية بمختلف المنتجات والمواد الاستهلاكية مجهود جماعي يشترك فيه عدة متدخلين، بما في ذلك القطاعات الإنتاجية والجماعات المحلية التي تشكل حجرَ الزاوية في تنفيذ السياسات العامة، وهو جهد لمسه المواطن في الميدان خلال شهر رمضان 2024، حيث تمكن الجزائريون من القيام بشعيرة الصيام في أجواء من السكينة والطُمأنينة. إن ذلك ما تتطلع إليه السلطات العمومية من خلال تنفيذ تعليمات السيّد رئيس الجمهورية بشأن اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لتموين السوق الوطنية تحضيرًا لشهر رمضان 2025، وكذا متابعة الوزير الأول النذير العرباوي لضمان تموين منتظم ومتوازن للسوق الوطنية بمختلف المنتجات الفلاحية والغذائية والتي تشهد إقبالًا متزايدًا خلال الشهر الفضيل.

وبطبيعة الحال، فإن استقرار السوق الوطنية وتموينها بمختلف المواد الاستهلاكية والمنتجات الغذائية والفلاحية يتطلَّبُ تنسيقًا قطاعيًّا عاليَ المستوى قصد دعم كفاءة الإنتاج المحلي، سلاسل الإمداد والتوزيع، تنشيط مجتمع الأعمال والابتكار والتخطيط المشترك.

وبهذا الصدد، فقد بادرت دائرتنا الوزارية إلى وضع برنامج استباقي لاعتماد إجراءات احترازية تجنّبًا لأيّ تذبذب مُحتمل بإشراك القطاعات الإنتاجية الممثلة أساسًا في الفلاحة والصناعة، وكذا قطاعي الداخلية والجماعات المحلية والتجارة الخارجية، بالإضافة إلى الجمعيات المهنية وممثلي مختلف الشعب الإنتاجية.

ينبغي أن أشير هنا أيضًا إلى العمل الدؤوب الذي تقوم به اللجان المحلية المشتركة لرصد وملاحظة الوضعية اليومية للأسواق على المستوى الوطني واقتراح التدابير اللازمة والتدخل الفوري متى استدعت الضرورة، وذلك تحت الإشراف المباشر للسّادة ولاة الجمهورية الذين أكدوا بهذا الصدد عزمهم -خلال لقاء الحكومة والولاة- على تفعيل خلايا اليقظة المحلية لضمان التموين المنتظم للسوق.

كما تمّ خلال الثلاثي الأخير إنشاء "خلية الرصد والإنذار المبكر" لتكون معينًا للحكومة من خلال تعزيز اليقظة الاقتصادية والاستشراف الإستراتيجي قصد المساهمة في صُنع السياسات العامة وتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، في ظل التحديات المناخية والجيوسياسية والتقلبّات التي تشهدها السوق الدولية.

وستلعب هذه الخلية دورًا مهمًّا في تحديد وتحليل عناصر استقرار السوق الوطنية من حيث قدرات الإنتاج والتصنيع، مع اقتراح حلول ذكية لتطوير إنتاج محلي مستدام بالاعتماد على التكنولوجيات الحديثة.

 

بلا شك، هناك قرارات حكومية تواجَهُ بـ"مقاومة" حتى لا تتجسّد فعليًّا، كيف تواجهون هذه الضغوط المتزايدة على السوق لخلق الندرة أو رفع الأسعار بشكل غير عقلاني؟

السلطات العمومية حريصة على تحقيق تحوّل اقتصادي إيجابي مهما كلّفها ذلك من جهد ووقت، وقد حققت أشواطًا معتبرة في ذلك بالرغم من المحاولات اليائسة والمستمرة للتربّص بالسلم الاجتماعي وزعزعة استقرار السوق الوطنية والتشكيك في جدوى القرارات الحكومية، مع مساعٍ لافتة لاستغلال هذه الظرفية المتّسمة بالتوترات الإقليمية والدولية لليّ أذرع الدولة.

وليس واردًا بتاتا التخلي عن المكاسب المحققة في الآونة الأخيرة، فنحن دولة تسيرها مؤسسات دستورية في خدمة الشعب وليس العكس كما أكّد ذلك رئيس الجمهورية وأسدى تعليماته بضرورة إيلاء الاهتمام اللازم للمواطنين ومواجهة كافة المساعي الرامية إلى خلق التذبذب والتأثير السلبي على وضعية السوق الوطنية.

وقد تابعتم، أنتم في صحيفة "الخبر" تلك العمليات النوعية التي جرى ويجري تنفيذها بكل احترافية لإحباط الممارسات التدليسية والمضاربة غير المشروعة والاحتكار والتلاعب والتحايل والمساس بالقدرة الشرائية للمواطن أو سلامة المستهلك، مع التنويه بتوفّر الأجهزة الرقابية والأمنية والقضائية على كافة الأدوات للتدخّل في الوقت المناسب.

ومن جهة أخرى، فقد تمَّ تسطير مخطط نوعي يستهدف أساسًا ضبط السوق الوطنية عبر رقمنة الإجراءات الرقابية على الأنشطة التجارية وتعزيز تدابير الرقابة الاقتصادية وتدعيم وعصرنة أجهزة الرقابة على مستوى الموانئ، بالإضافة إلى تعزيز آليات الرقابة على التجارة الإلكترونية وإعادة تنظيم وتأطير النشاطات التجارية وتطوير شبكات التوزيع لمختلف المنتوجات ومتابعتها عبر المنصات الرقمية.

أما بخصوص الأسعار، فإنه كلّما تقلّصت الهوة بين المنتج والمستهلك سينعكس ذلك إيجابًا على استقرار الأسعار وعدم تجاوزها حدود المعقول، لكن الواقع يتطلب أيضا أن يكون العرض متوافقًا مع الطلب. ولذلك نحن حريصون على تشجيع الإنتاج المحلي وتسهيل تسويق المنتجات الفلاحية باعتبارها أهم مصادر التموين مع اقتراح اللجوء إلى الاستيراد في الحالات التي تضمن فقط تغطية العجز في السوق عملاً بتوجيهات رئيس الجمهورية في ضبط الواردات والاعتماد على الإنتاج المحلي.

 

هناك عدة قوانين تخص الممارسات التجارية في ظل وجود أصوات تطالب بتحيين المنظومة القانونية والتنظيمية لقطاع حيوي يشكل حلقة مهمة في معادلة التنمية الوطنية وحماية القدرة الشرائية للمواطن، ما هي خُططكم لذلك؟

بالفعل، المرحلة تقتضي إعادة تنظيم ميدان التجارة بشقيها الكلاسيكي والإلكتروني، وقد شرعنا في مراجعة شاملة وجذرية للإطار التشريعي والتنظيم الحالي وإعداد قوانين جديدة تواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية، على غرار: إعداد قانون خاص بالتموين وضبط السوق وحماية القدرة الشرائية للمواطن؛ تحيين القانون المتعلق بالقواعد المطبقة على الممارسات التجارية، وكذا التجارة الإلكترونية؛ تحيين التنظيم المتعلق بالفضاءات التجارية وشبكات التوزيع الواسع وتطويرها؛ تحيين النصوص المتعلقة بحماية المستهلك، الجودة وسلامة وأمن المنتوجات والخدمات؛ وتحيين شروط مراقبة مطابقة المنتوجات المستوردة عبر الحدود وكيفيات ذلك. كل ذلك، يرمي حقيقةً إلى ضبط السوق الوطنية لكثرة المتدخلين فيها، بغرض حماية القدرة الشرائية للمواطن.

وفي السياق ذاته، فإن ضبط الأنشطة التجارية وتنظيمها، يرتكز أساسًا على إعداد مخطط وطني للعمران التجاري؛ توسيع الاستثمار في المساحات الكبرى والفضاءات التجارية؛ إعداد خارطة طريق وطنية لاستغلال أمثل للفضاءات التجارية المنجزة وغير المستغلة بالتنسيق؛ احتواء المتدخلين في التجارة الموازية ضمن النسيج التجاري الرسمي؛ مراجعة تنظيم الأسواق الجوارية، الأسبوعية واليومية؛ متابعة مخطط إنشاء أسواق جملة جهوية للمواد الغذائية في عدد من الولايات.

كما ستشهد سنة 2025 إعادة بعث شركة "ماقرو" التي تستحوذ حاليًا على 9 أسواق جهوية للخضر والفواكه وإخضاعها إلى مخطط عصرنة وتحديث وتطوير نشاطاتها لتفعيل دورها في عملية تموين وضبط السوق بمختلف المنتوجات الفلاحية والغذائية؛ مع تأهيلها لنسج شراكات اقتصادية مع عدد من البلديات الكبرى، وذلك في سياق إعادة الاعتبار للمؤسسات العمومية التي تسبّب فشل السياسات السابقة في إضعافها وتحريفها عن الأهداف التي أنشئت من أجلها. لكن وجبَ التنويه أيضًا بالأدوار التي يقوم بها القطاع الخاص في تطوير شبكة التوزيع والتسويق وكذا أخلقة العمل التجاري، ولن تفوتني هنا الإشارة إلى جهود مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري والاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين وكافة الجمعيات والاتحادات المنظمات المهنية.

 

ماذا عن الإحصاء الاقتصادي للمنتوج الوطني لسنة 2025؟

يعتزم قطاع التجارة الداخلية من خلال الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة إطلاق الإحصاء الاقتصادي للمنتوج الوطني في جانفي 2025، لتحديد قدرات الإنتاج وتوجيه الاستثمار المحلي. وتأتي العملية لتسدّ فراغًا ملحوظا في الدراسات والإحصائيات التي تُمكننا من معرفة احتياجات السوق الوطنية وتسهم في تحديد مؤشرات الاستهلاك.

وتكتسي العملية الكبرى أهمية بالغة لذلك ستشارك فيها كل الأطراف تحت إشراف الولاة ورؤساء المجالس الشعبية البلدية وبمشاركة كل الفاعلين المحليين، فيما نتمنى أن ترافقها وسائل الإعلام الوطنية بإثارة النقاش الجاد حول أهمية أيّ عملية إحصاء، وسيكون ممثلو الوزارة والغرفة جاهزين في كل الولايات لتقديم التوضيحات اللازمة للصحافة.

وبالمناسبة، فإنه تمّ اختيار ولاية بجاية نموذجًا لمباشرة العملية في غضون هذا الأسبوع، قبل إطلاقها رسميًّا، بالنظر إلى القدرات الإنتاجية والإمكانيات التي تتوفر عليها مع جاهزيتها لإنجاز هذه العملية التمهيدية. وتبقى الغاية من كل إحصاء هي جمع وتحليل البيانات واستغلالها في اتخاذ القرارات لفهم احتياجات وتطلعات الاقتصاد.

 

خلال مرافعتكم في لقاء الحكومة والولاة خُضتم في المسائل المرتبطة بالأمن الغذائي. ما هي برأيكم الآليات الكفيلة بتحقيقه في ظل ما يشهده العالم من تحديات وتقلبات، وبلادنا بطبيعة الحال ليست بمعزل عن ذلك؟

فعلاً، لقد شكّل الأمن الغذائي في عام 2024 أبرز التحديات العالمية الحاسمة التي يتعيّن التصدي لها على نطاق واسع، بالنظر إلى الصدمات الناجمة عن تغير المناخ وأزمة المياه وفقدان التنوع البيولوجي وغيرها من التحديات التي تؤدي إلى ضعف الأمن الغذائي أو التغذوي، وذلك يستدعي اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق الأمن الغذائي الذي يُعنى أساسًا بـ"توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع، بالكمية والنوعية اللازمتين، للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة"، مثلما تُجمع عليه عدة تعريفات على غرار ما خلُص إليه مؤتمر الزراعة العالمي لعام 1996.

إنّ تحسينَ استدامةِ النُظم الغذائية وضمان الأمن الغذائي يقترن اقترانا وثيقا بالنمو الاقتصادي وزيادة الاستثمار في أنشطة البحوث والتطوير وإثبات الفاعلية للتكنولوجيات مع دعم القطاعات الإستراتيجية والمستقبلية في ظل المتغيرات الجيوسياسية والمناخية.

وعلى كلّ، فإن "خلية الرصد والإنذار المبكر" التي أشرت إليها سابقا ستعمل على تحديد وتحليل عناصر استقرار السوق الوطنية من حيث قدرات الإنتاج والتصنيع، مع اقتراح حلول ذكية لتطوير إنتاج محلي مستدام وتشجيع الأنشطة الزراعية الإستراتيجية بالاعتماد على التكنولوجيات الحديثة وتعزيز قدرات البحث والتطوير في مجال الغذاء.

بالعودة إلى "لقاء الحكومة- الولاة"، فإن الخطاب المرجعي للسيّد رئيس الجمهورية، رسم معالم المرحلة القادمة، مع لفت الانتباه إلى أهمية التوصيات المنبثقة عن أشغال الورشات التي شاركت فيها كوكبة من إطارات الدولة على المستويين الحكومي والمحلي، إذ تمّت الدعوة إلى تجسيد تنمية محلية مستدامة ورفع التحديات المتعلقة بتحقيق الأمن الغذائي والمائي وخلق الثروة وفرص الشغل وكذا رقمنة وعصرنة المرافق العمومية الجوارية، علاوة على التخطيط العمراني.

 

كلمة أخيرة لكم، معالي الوزير، بمناسبة العام الجديد 2025؟  

أتقدم بصادق التهاني لقرّائكم الأوفياء وللجزائريين عامة، وأستغل هذه السانحة لأشيد بأداء عمال قطاع التجارة الداخلية وأعوان الرقابة الذين يتصدرون الخطوط الأمامية لحماية الاقتصاد الوطني وحفظ صحة المستهلك، وهي مهمة نبيلة وشاقة تتطلب جهدا مضاعفا ونفسا طويلا.

وبطبيعة الحال هذه المهمة يتقاطعون فيها مع زملائهم من مستخدمي الأسلاك الأمنية والجمارك وكذا موظفي مكاتب حفظ الصحة والوقاية بالبلديات، وهؤلاء جميعا يستحقون منا التنويه بجهودهم.

وأسأل الله تعالى أن يرزق بلادنا الخير والأمن والسلام، وأن يتحقق لشعبنا ما يصبو إليه من ازدهار ونماء، وقد أثبت تاريخنا المعاصر أن هذا الشعب الأبي قد تمكن دومًا من تحويل كل المنعطفات إلى نجاحات مبهرة وفي لحظات فارقة درءًا لكل المخاطر والتأثيرات الخارجية السلبية.