الرئاسيات المسبقة.. أبرز حدث سياسي في سنة 2024

+ -

كانت الانتخابات الرئاسية التي أفضت إلى فوز رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بعهدة ثانية أبرز حدث سياسي في البلاد خلال سنة 2024.

ففي نهاية الثلاثي الأول، أعلن رئيس الجمهورية تقديم الانتخابات الرئاسية عن آجالها بثلاثة أشهر، مقلصا بذلك عهدته الأولى. جاء ذلك عقب اجتماع ترأسه تبون، بحضور كبار مسؤولي المؤسسات السيادية في الدولة، يتقدمهم رئيس أركان الجيش ورئيسا غرفتي البرلمان ورئيس المحكمة الدستورية، إضافة إلى الوزير الأول، ورئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. وتقرر خلال اللقاء إجراء انتخابات رئاسية مسبقة، حدد تاريخها يوم السبت 7 سبتمبر 2024.

وغداة توقيع الرئيس مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة يوم 8 جوان 2024 استعدادا لانتخابات السابع سبتمبر، شرع الراغبون في الترشح في سحب اكتتابات التوقيعات الفردية على مستوى مقر السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بالجزائر العاصمة، حيث تشترط المادة 253 من القانون العضوي للانتخابات، تقديم قائمة تتضمن 600 توقيع فردي لمنتخبين في مجالس بلدية أو ولائية أو برلمانية، أو تقديم 50 ألف توقيع فردي على الأقل للناخبين مسجلين في قائمة انتخابية، ويجب أن تجمع عبر 29 ولاية، على ألا يقل عدد التوقيعات المطلوبة في كل ولاية عن 1200 توقيع.

وحددت مهلة جمع التوقيعات بأربعين يوما بعد استدعاء الهيئة الناخبة، وهي مهلة انتقدتها جهات سياسية واعتبرتها قصيرة، لا سيما في ظل حصر سحب الاستمارات من مقر السلطة مركزيا في العاصمة دون فروعها المحلية وشساعة ولايات الوطن وازدياد عددها، وبالتالي صعوبة نقل الاستمارات الورقية إلى كافة أرجاء الوطن، خاصة المناطق الجنوبية، والمصادقة عليها لدى ضابط عمومي، قبل أن تودع لدى السلطة المستقلة مركزيا في نفس الوقت الذي يودع فيه ملف الترشح ولأجل قبول الاستمارات.

ومنذ بداية مرحلة جمع التوقيعات، توالت الاحتجاجات من الراغبين في الترشح للرئاسيات حول طريقة تسيير العملية، خاصة ما تعلق بكيفية المصادقة على الاكتتابات الفردية، بلغت حد انسحاب الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، من السباق.

 

ثلاثة مرشحين في السباق

 

ومن أصل 16 راغبا في الترشح للاستحقاق الرئاسي، تمكن ثلاثة مرشحين فقط من استيفاء الشروط المحددة في القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، ويتعلق الأمر بكل من عبد العالي حساني شريف رئيس حركة مجتمع السلم، يوسف أوشيش السكرتير الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية، ورئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

وكشفت السلطة الوطنية المستقلة عن سحب 4 ملايين ونصف مليون استمارة توقيعات فردية خاصة بالناخبين، و90 ألف استمارة توقيعات خاصة بالمنتخبين، وأسفرت العملية بعد جلستين للمداولات عن قبول 3 ملفات ورفض 13 ملفا.

 

فضيحة شراء الاكتتابات

 

قبل بداية الحملة الانتخابية، أصدر قاضي التحقيق لدى القطب الجزائي الوطني الاقتصادي والمالي أمرا بوضع 68 مشتبها به رهن الحبس المؤقت، في قضية بيع وشراء توقيعات استمارات الترشح، كما وضع 3 مشتبه فيهم تحت نظام الرقابة القضائية، مع إبقاء 6 متهمين في الإفراج.

وأعلنت نيابة الجمهورية لدى القطب الجزائي الوطني الاقتصادي والمالي إلى علم الرأي العام أنه، بتاريخ 3 و4 أوت، تم تقديم 77 شخصا مشتبها فيه، منهم راغبون في الترشح. وتم فتح تحقيق قضائي ضدهم بجنح منح مزية غير مستحقة، استغلال النفوذ، تقديم هبات نقدية أو الوعد بتقديمها قصد الحصول أو محاولة الحصول على أصوات الناخبين، سوء استغلال الوظيفة، تلقي هبات نقدية أو وعود من أجل منح أصوات انتخابية، والنصب.

يذكر أن النيابة العامة قد فتحت تحقيقا معمقا حول شبهات شراء توقيعات المنتخبين من طرف بعض الراغبين في الترشح لرئاسيات سبتمبر. حيث تم سماع أكثر من 50 منتخبا في محاضر رسمية، صرح أغلبهم معترفين بتلقيهم مبالغ مالية تتراوح بين 20 ألف دينار و30 ألف دينار مقابل تزكية الراغبين في الترشح.

وضمت القضية 3 فئات من المتورطين، الفئة الأولى تتعلق بالذين قبضوا الأموال، أي المنتخبين، والفئة الثانية هم الوسطاء والفئة الثالثة هم الراغبون في الترشح.

 

تضارب في الأرقام

 

وليلة الانتخابات، كشف رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، عن النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية، موضحا أن معدل نسبة المشاركة قدر بـ48.3 بالمائة، من هيئة ناخبة بلغت 24 مليون ناخب، لكنه لم يقدم أي أرقام حول نسبة المشاركة أو عدد الأصوات المعبر عنها وكذا الملغاة.

ووفق النتائج المؤقتة، جاء المترشح الحر عبد المجيد تبون، في الصدارة وتحصل على 5.329253 صوت، بنسبة 94.65 بالمائة. فيما احتل المرشح عن حركة "حمس" عبد العالي حساني شريف، المركز الثاني، بحصيلة 178797 صوت، بنسبة 3.17 بالمائة. كما تحصل المرشح عن حزب "الأفافاس"، يوسف أوشيش، على 122146 صوت، بنسبة 2.16 بالمائة.

وقوبلت هذه النتائج بتساؤلات عديدة حول غياب عدة معطيات أساسية، من بينها نسبة المشاركة التي حل محلها معدل نسبة المشاركة، وكذا عدد المصوتين وعدد الأوراق الملغاة، بوصفهما عناصر أساسية لاحتساب نسبة المشاركة.

كما شهدت العملية احتجاج المترشحين الثلاثة، بمن فيهم المرشح الفائز، على تناقض وغموض الأرقام المعلنة مع ما بحوزتهم من محاضر ومعطيات، ورفض كل من المرشح يوسف أوشيش وعبد العالي حساني شريف النتائج الأولية والنسب الخاصة بهما، على أساس أن المعطيات التي عرضتها السلطة المستقلة للانتخابات لا تتطابق مع ما بحوزتهما من محاضر ومعطيات.

وجاء في بيان مشترك لمديريات المرشحين الثلاثة: "نبلغ الرأي العام الوطني بضبابية وتناقض وغموض وتضارب الأرقام التي تم تسجيلها مع إعلان النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية من طرف رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، ولاسيما ضبابية وتناقض الأرقام المعلنة لنسب المشاركة، تناقض الأرقام المعلنة من طرف رئيس السلطة مع مضمون محاضر فرز وتركيز الأصوات المسلمة من طرف اللجان الانتخابية البلدية والولائية، غموض بيان إعلان النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية والذي غابت فيه جل المعطيات الأساسية التي يتناولها بيان إعلان النتائج كما جرت عليه العادة في كل الاستحقاقات الوطنية المهمة".

وتقدم المرشحان بطعن أمام المحكمة الدستورية، وفق نص المادة 61 من النظام المحدد لقواعد عمل المحكمة الدستورية التي توضح أن الطعون تودع لدى أمانة ضبط المحكمة الدستورية في أجل الثماني والأربعين ساعة التي تلي إعلان النتائج المؤقتة.

وعقب دراسة الطعون، أعلنت المحكمة الدستورية فوز الرئيس عبد المجيد تبون بعهدة ثانية، إثر حصوله على نسبة 84 بالمائة من الأصوات المعبر عنها في الانتخابات، في حين بلغت نسبة المشاركة العامة 46.10 بالمائة.

وكشف رئيس المحكمة الدستورية، اعمر بلحاج، أن المترشح الحر، عبد المجيد تبون، تحصل على 7 ملايين و976 وصوت بنسبة 84 بالمائة، وهي تقارب ضعف النتيجة المحصلة في رئاسيات 2019 (4.9 مليون صوت أي 58 بالمائة من الأصوات)، فيما تحصل المرشح عن حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني الشريف، على 904 آلاف صوت بنسبة 9.56 بالمائة، بعدما كانت الحركة قد تحصلت في آخر انتخابات شاركت فيها عام 1995 قرابة 3 مليون صوت.

في حين حاز المرشح عن جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، على 580 ألف صوت بنسبة 6.14 بالمائة.

وبلغت نسبة المشاركة العامة في الرئاسيات 46.10 بالمائة، وهي نسبة أكبر من تلك التي تم تسجيلها في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2019، والتي بلغت حينها 41.14 في المائة داخل البلاد. أما بالنسبة للأصوات الملغاة فقد بلغت مليونا و764.637 صوتا.

 

إنهاء مهام شرفي

 

عقب سلسلة الفضائح التي زامنت العملية الانتخابية، أنهى الرئيس، نهاية نوفمبر الماضي، مهام رئيس سلطة الانتخابات، محمد شرفي، وصدر في الجريدة الرسمية مرسوم رئاسي يقضي بإنهاء مهام محمد شرفي من رئاسة السلطة. وذكر المرسوم الرئاسي أن قرار إنهاء المهام تم "بناء على طلب شرفي لأسباب صحية"، لكن ذلك يبدو أنه مجرد مبرر يفيد باستقالته طوعيا، على الرغم من أن قرار تنحيته من منصبه كان متوقعا منذ الانتخابات الرئاسية الماضية، التي كانت قد شهدت فضيحة تخص النتائج الأولية إلى جانب سلسلة انتقادات حول كيفية تسيير وإدارة الانتخابات.

 

كلمات دلالية: